مشكلة تواجه الخليفة في يومه الأول
كانت
أول مشكلة واجهت الخليفة عثمان
وتطلبت منه قراراً هي ما حصل من
عبيد الله بن عمر بن الخطاب.
والظاهر ان عبيد الله هذا كان شاباً قوياً متهوراً . وبخلاف أخيه عبد الله الذي
اشتهر بالعبادة والهدوء , يبدو أن هناك شكاً حول حُسن أخلاقه منذ صغره. وقد ذكر محمد بن حبيب
البغدادي في كتاب "المنمق في أخبار قريش" أن أباه عمر كان أقام عليه حد الخمر .
الوقائع
فقد اندفع
عبيد الله بن عمر للثأر من عدد من الأشخاص الذين اعتقد أنهم ساعدوا أبا لؤلؤة في
قتل والده. وبدون أي تمحيص أو تدقيق أو تحقيق . فابتدأ بقتل الهرمزان , وهو كان من القيادات الفارسية وقد أشهر إسلامه في
زمان عمر,
ثم أتى جفينة , وكان نصرانياً من
أهل الحيرة, فقتله. ثم أتى منزل أبي لؤلؤة فقتل ابنته الصغيرة.
وليس هناك اختلاف يذكر بين المؤرخين وأصحاب الأخبار بشأن ما قام به عبيد
الله من قتل. ولكن هناك تأويلات وتبريرات لما فعله , تبعاً لميول الرواة.
فمثلاً قال ابن كثير
في "البداية والنهاية" عن الخليفة عثمان " وأما أول حكومة حكم
فيها فقضية عبيد الله بن عمر , وذلك انه غدا على ابنة ابي لؤلؤة قاتل عمر,
فقتلها . وضرب رجلاً نصرانياً يقال له جفينة بالسيف فقتله. وضرب الهرمزان الذي كان
صاحب تستر فقتله .
وكان قد قيل انهما مالآ أبا لؤلؤة على قتل عمر. والله
أعلم"
وروى ابن
الأثير في "أسد الغابة" انه بعد دفن عمر " قيل لعبيد الله : قد
رأينا أبا لؤلؤة والهرمزان نجياً , والهرمزان يقلب هذا الخنجر بيده , وهو الذي قتل
به عمر , ومعهما جفينة وهو رجل من العباد جاء به سعد بن ابي وقاص يعلم الكتاب
بالمدينة, وابن فيروز , وكلهم مشرك إلاّ الهرمزان .
فعدا عليهم عبيد الله بالسيف
فقتل الهرمزان وابنته وجفينة . فنهاه الناس فلم ينتهِ وقال والله لأقتلنّ من يضغر هؤلاء في جنبه...."
وقد ذكر ابن سعد
في "الطبقات الكبرى" عدة روايات عن الواقدي كلها تشير الى قيام عبيد
الله بقتل الهرمزان وجفينة والبنت الصغيرة. وبعضها يقول ان عبيد الله في هياجه
أراد " ألاّ يترك سبياً في المدينة يومئذ إلاّ قتله" لولا قيام
عمرو بن العاص وسعد بن ابي وقاص وعثمان بن عفان بالسيطرة عليه وانتزاع سيفه
وتهدئته
موقف
عثمان تجاه القاتل
سبّبَ ما قام به عبيد الله مشكلة حقيقية وحرجاً بالغاً للخليفة الجديد. فالقاتل
هو ابن الخليفة المغدور. وعمر بن الخطاب له مكانة رفيعة وعظيمة في نفوس المسلمين
الذين لم يكونوا بعدُ استفاقوا من صدمة اغتياله.
ولكن ما فعله عبيد الله كان فظيعاً. فهو ارتكب جريمة
بشعة تمثّلت بقتل ثلاثة أشخاص من بينهم طفلة , على الظن ودون أي محاكمة. والهرمزان كان مسلماً. وعلى الرغم من أن البعض قد يشكك
في مدى إخلاص ذلك القائد الفارسي الذي دخل الاسلام, إلاّ أنه لم يصدر منه ما
يتناقض مع واجباته كمسلم.
فالحكم الشرعي بحق عبيد الله معروفٌ إذن : الاعدام. فالقاتل يقتل, إلاّ أن
يعفو أولو الدم.
ولكن ماذا يفعل عثمان؟ هل ينفذ حكم الشرع بعبيد الله بن عمر؟ هل يأمر
بقتله؟
أم هل يتغاضى عنه على اعتبار أن مافعله كان فورة غضب وهياج؟ وهؤلاء
المقتولون كانوا من الموالي , وبالتالي ليس لهم قبيلة تغضب لهم.
كان عثمان ميالاً بطبعه الى الحل الثاني. فتكفي مصيبة قتل عمر, ولا داعي لإلحاق
ابنه به. ولكن المشكلة كانت أن عثمان يرأس دولة الاسلام التي أسسها رسول الله (ص)
قبل سنين قليلة على أساس العدل والحكم الالهي. فهي ليست دولة أباطرة وأكاسرة,
وعثمان بحكم منصبه كان "خليفة لرسول الله" وعليه أن يلتزم بما شرعه رسول
الله. ولذلك كان عثمان غاضباً جداً على عبيد الله الذي وضعه في هذا الموقف الصعب:
روى ابن سعد في "الطبقات
الكبرى" عن محمد بن عمر (الواقدي) ان عثمان بن عفان كان يقول لعبيد الله
" قاتلكَ الله! قتلتَ رجلاً يصلي وصبية صغيرة وآخر من ذمة رسول الله (ص).
ما في الحق تركك"
قرر عثمان أن يجد مخرجاً شرعياً لقراره بالعفو عن ابن عمر :
فهو اولاً أراد أن يكون قراره مدعوماً بموافقة أغلبية
المسلمين. فقام بجمع كبار القوم واستشارهم :
وروى
الطبري في تاريخه وابن سعد
في الطبقات الكبرى عن الزهري:
"
فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار : أشيروا عليّ في هذا الذي فتق في
الإسلام ما فتق.
فقال
عليّ : أرى أن تقتله.
فقال
بعض المهاجرين : قتل عمر أمس , ويقتل ابنه اليوم ؟
فقال
عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين: ان الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك
على المسلمين سلطان. إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك.
قال عثمان : أنا
وليّهم. وقد جعلتها دية. واحتملتها في مالي"
إذن يقول عثمان انه بحكم منصبه كأمير للمؤمنين, يكون هو ولي الدم لهؤلاء
المقتولين الذين هم من الموالي. وهو بتلك الصفة يعطي نفسَه الحق بالعفو.
وقد أكدت رواية ابن الاثير في "اسد الغابة" على هذا
المعنى :
" وقيل : انه إنما تركه عثمان لأنه قال للمسلمين: من
وليّ الهرمزان ؟
قالوا : أنتَ.
قال : قد عفوتُ عن عبيد الله."
ومعظم الروايات تذكر تدخل عمرو بن العاص لمساعدة الخليفة
الجديد في قراره
قال ابن كثير في
البداية والنهاية "وقال بعض المهاجرين : أيقتل ابوه بالأمس ويقتل هو
اليوم؟
فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين, قد برّأك الله
من ذلك. قضية لم تكن في أيامك فدعها عنك."
وذكر ابن سعد في روايةٍ كلمة عمرو بن العاص لعثمان "
يا أمير المؤمنين , ان هذا الأمر قد كان قبل ان يكون لك سلطان على الناس "
وروى ابن
الأثير " ... وقال جماعة منهم عمرو بن العاص :
قتل عمرُ أمس
ويقتل ابنه اليوم! أبعد الله الهرمزان وجفينة."
وللإنصاف تنبغي الاشارة الى أن عثمان, بقراره العفو عن
ابن عمر, كان في الواقع يقترب من الشعور العام السائد في المدينة . وقد أشارت إحدى
روايات الواقدي في الطبقات الكبرى لابن سعد
الى جو الكآبة الذي خيم على المدينة بسبب إشفاق الكثيرين من المسلمين من تطبيق
عقوبة الاعدام بحق عبيد الله " وأظلمت الارض يومئذ على الناس فعظم ذلك في
صدور الناس وأشفقوا ان تكون عقوبة قتل عبيد الله جفينة والهرمزان وابنة ابي لؤلؤة".
وذكرت إحدى الروايات ان قيام عثمان في النهاية بالعفو عن عبيد الله كان ناتجاً عن
هذا الرأي العام " ان عثمان استشار المسلمين فأجمعوا على ديتهما ولا يقتل
بهما عبيد الله بن عمر. وكانا قد أسلما وفرض لهما عمر"
وقام الخليفة بدفع الدية , بالنيابة عن القاتل, الى ذوي
المقتولين,كما في روايات الطبري وابن سعد وابن
الاثير وابن كثير.
وأما اليعقوبي فلم يشر الى دفع
الدية . فقد ذكر في تاريخه أن الخليفة عثمان قد عفى عن القاتل , واكتفى بإبعاده من
المدينة الى الكوفة:
"ثم
أخرج عثمانُ
عبيدَ الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة,
فأنزله داراً
فنسب الموضع اليه : كويفة ابن عمر"
وكذلك لم يذكر ابن عبد البر في
الاستيعاب دفع الدية صراحة. بل قال باختصار" ان عبيد الله بن عمر قتل
الهرمزان بعد ان أسلم, وعفا عنه عثمان"
كما ان روايات الواقدي لدى ابن سعد
"الطبقات الكبرى " لم تذكر ان عثمان احتمل الدية في ماله ولا انه أرسل
عبيد الله الى الكوفة, ولم تشر الى نص كلام عثمان بشأن قراره بالعفو.
موقف علي بن ابي طالب ومعارضة قرار العفو
أخرج ابن سعد
في الطبقات الكبرى عدة روايات للواقدي تشير الى معارضة علي بن ابي طالب للعفو عن
عبيد الله وإصراره على تطبيق الحد الشرعي عليه :
" قال علي لعبيد الله بن عمر : ما ذنبُ بنت ابي
لؤلؤة حين قتلتها ؟!
فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان , ورأيُ الأكابر من
أصحاب رسول الله على قتله, لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه. فكان علي يقول :
لو قدرتُ على عبيد الله بن عمر ولي سلطان لاقتصصتُ منه"
وقال ابن كثير
في البداية والنهاية عن عثمان " كان أول ما تحوكم اليه في شأن عبيد الله.
فقال علي: ما من العدل تركه, وأمر بقتله."
وقد مرت بنا رواية الزهري لدى الطبري وابن سعد وفيها
إشارة علي بقتل عبيد الله.
فبالنسبة لعلي : المبدأ هو الأساس . فحتى لو كان
القتلى من الفرس حديثي الدخول في الاسلام , أو حتى غير
مسلمين , ليس في الدين ما يبرر قتل الناس على المظنّة . وفي الشرع ليس الانفعالُ مبرراً للجريمة. وليس في
الشرع ما يدعو لقتل الأطفال . فلا بد أن يعاقب عبيد الله على فعلته. وعليٌ يرى أنه يجب التزام المبدأ الرسولي في أن
لا فرق بين عربي وعجمي إلاّ بالتقوى.
وقد أشار عدد من المؤرخين الى أن موقف علي تجاه ابن عمر كان من الأسباب
التي دعت الأخير الى الالتحاق بمعاوية بعد حوالي 12 عاماً من تلك الحادثة, حين ولي
علي الخلافة. ومن هؤلاء ابن عبد البر
الذي قال في الاستيعاب عن عبيد الله بن
عمر" ... فلما ولي علي خشي على
نفسه فهرب الى معاوية, فقتل بصفين" وأيضا ابن
سعد في رواية للواقدي "
وكان علي بن ابي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر فهرب منه الى معاوية
فقتل بصفين"
ولكني لا أعتقد أن الامام علياً لما تولى الخلافة سنة 35 للهجرة قد أراد
بالفعل أن يقتل عبيد الله بن عمر. لأنه ببساطة كان يواجه آنذاك من المشاكل
والصعوبات, الكبيرة والخطيرة, ما يصرفه عن معالجة قضية قديمة لابن عمر, ليس لها
طابع مُلِحّ. ولكن هذا لا ينفي أن عبيد الله ربما يكون استسلم لمخاوفه وهواجسه
تجاه علي فقرر عدم المخاطرة بالبقاء الى جواره.
وانفرد اليعقوبي بالاشارة الى
أن المقداد بن عمرو كان من المعارضين لقرار العفو. فقال في تاريخه:
" وأكثرَ الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد
الله بن عمر .
فصعد عثمان
المنبر فخطب الناس وقال : ألا إني وليّ دم
الهرمزان , وقد وهبته لله ولعمر , وتركته لدم عمر. فقام المقداد بن عمرو فقال : إن
الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله.
فقال : فننظر
وتنظرون."
وهذه الرواية ممكنة القبول لأن المقداد كان من النواة الصلبة المؤيدة لعلي
بن ابي طالب في كل مواقفه.
روايات مُصَمّمة للدفاع عن القاتل وعن
موقف الخليفة
وقد انفرد ابن الاثير
بذكر رواية مصممة للدفاع عن الخليفة عن طريق الزعم بأن العفو عن القاتل قد صدر
بالفعل عن ابن الهرمزان , وبالتالي لا لوم على عثمان ! فقد قال في "أسد الغابة":
" وقيل : ان عثمان سلم عبيد الله الى القماذبان
بن الهرمزان ليقتله بأبيه.
قال القماذبان : فأطاف بي الناس وكلموني في العفو عنه .
فقلتُ : هل لأحد أن يمنعني منه؟
قالوا : لا.
قال : أليس إن
شئتُ قتلته؟
قالوا : بلى.
قلتُ : قد عفوتُ
عنه !
قال بعض العلماء : ولو لم يكن الامر هكذا لم يقل
الطعانون على عثمان عدل ست سنين ولقالوا انه ابتدأ أمره بالجور لأنه عطل حدا من
حدود الله."
وبالاضافة الى أن ابن
الاثير قد ذكر الرواية بصيغة "قيل" مما يشي بتشككه بها, فقد
عبر صراحة عن ذلك حين كتب : " وهذا أيضا فيه نظر , فإنه لو عفا عنه ابن
الهرمزان لم يكن لعلي أن يقتله , وقد أراد قتله لما ولي الخلافة ولم
يزل عبيد الله كذلك حياً حتى
قتل عثمان وولي عليّ الخلافة وكان رأيه أن
يقتل عبيد الله .
فأراد قتله فهرب منه إلى معاوية وشهد معه صفين, وكان على الخيل . فقتل في بعض أيام
صفين"
وفات ابن الاثير
أن يذكر أن القماذبان بن الهرمزان , لو صحّ أنه عفا عن قاتل أبيه, فليس له أن يعفو
عن قاتل جفينة , الرجل النصراني من الحيرة, ولا أن يعفو بالنيابة عن البنت الصغيرة
ابنة أبي لؤلؤة.
وأما العلامة ابن كثير فهو لم
يشعر بالحاجة الى البحث عن روايات ولا الكثير من التبريرات لفعل عثمان, بل أعلن
تأييده له بلا أي تحفظ , على أساس أنه الامام الذي من حقه أن يرى المصلحة. فقال في
|البداية والنهاية" "فودى عثمان رضي الله عنه اولئك القتلى من ماله ,
لأن أمرهم اليه, إذ لا وارث لهم إلاّ بيت المال . والامام يرى الاصلح في ذلك .
وخلى سبيلَ عبيد الله"
وهذا الموقف متوقع من ابن كثير , وهو ينسجم مع خطه العام.
وفي تاريخ الطبري
نجد أن سيف بن عمر التميمي قد ذكر رواية من شأنها إيجاد عذر للقاتل وتبرير
اندفاعه عن طريق إلقاء اللوم على المقتولين. وهذه الرواية تتحدث عن تفاصيل مؤامرة
لاغتيال عمر حاكها الهرمزان وجفينة مع القاتل أبي لؤلؤة. فقد روى الطبري في تاريخه " ان عبد الرحمن بن ابي بكر قال غداة
طعِن عمر : مررتُ على ابي لؤلؤة عشى أمس ومعه جفينة والهرمزان , وهم نجى, فلما
رهقتهم ثاروا , وسقط منهم خنجر له رأسان , نصابه في وسطه . فانظروا بأي شيئ قتل .
وقد تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل من بني تميم ,
فرجع اليهم التميمي , وقد كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله, وجاء
بالخنجر الذي وصف عبد الرحمن بن ابي بكر. فسمع بذلك عبيد الله بن عمر, فأمسك حتى
مات عمر.
ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله , فلما عضه
السيف قال : لا اله الا الله . ثم مضى حتى أتى جفينة , وكان نصرانياً من اهل
الحيرة, ظئراً لسعد بن مالك أقدمه الى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم
بالمدينة الكتابة , فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه .
وبلغ ذلك صهيباً فبعث اليه عمرو بن العاص فلم يزل به
وعنه ويقول : السيف بأبي وأمي , حتى ناوله اياه, وثاوره سعد فأخذ بشعره وجاؤوا الى
صهيب"
وسيف بن عمر متخصصٌ بروايات المؤآمرات . ولذلك لا ينبغي
أخذ روايته هذه بكثير من الجدية. وعلى أي حال, فروايته هذه أيسر شأناً بكثير مما
سيرويه عن مؤآمرات هائلة رهيبة حيكت وأدت لمقتل الخليفة عثمان وحرب الجمل.
ويلاحظ ان رواية سيف هذه تجاهلت ذكر قتل البنت الصغيرة.
ولم ينسَ سيف أن يذكر دور ذلك الرجل من قبيلته , تميم, الذي لحق بأبي لؤلؤة حتى
قتله!
وختاماً أشير ألى أن العلامة ابن عبد البر قد عبر عن تشككه في تفاصيل جريمة
عبيد الله بن عمر حين قال في الاستيعاب" وقصته في قتل الهرمزان وجفينة
وبنت ابي لؤلؤة فيها اضطراب". ولكنه لم يوضح أسباب قوله هذا. وهو على كل
حال قد أثبت تفاصيل مقتله بصفين .
الفصل الثاني :عطايا عثمان لعائلته
ولأقربائه[2]
رد الحكم بن ابي العاص
كان
من أول الأشياء التي فعلها الخليفة الثالث حين استلم السلطة أنه قام بردّ عمّه الحكم بن أبي العاص وبنيه الى المدينة, في مخالفة صريحة لأمر الرسول(ص) ورغبته . فقد كان رسول الله (ص)
أمر بنفي الحكم بن أبي العاص وولده إلى الطائف, لأنه لا يريد أن يساكنه هذا الشخص
, نظرا لتاريخه الطويل في إيذائه,
وبأسفل الطرق وأكثرها انحطاطا .
ذلك رغم أن عثمان كان قد كلم أبا بكر فيهم بعد وفاة
الرسول(ص), وسأله ردّهم, إلاّ أنه رفض إيواء طرداء رسول الله, ومع أنه قد حاول مرة
أخرى مع عمر الذي رفض واتخذ الموقف نفسه.
وقد ذكر
ابن اسحاق "كما ورد في سيرة ابن
هشام" أسماء كل من أبي لهب, والحكم بن أبي العاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط
وعدي بن حمراء الثقفي وابن الأصداء الهذلي على أنهم كانوا أسوأ جيران لرسول الله
في مكة وأنهم كانوا يؤذونه في بيته " فكان أحدهم – فيما ذكر لي- يطرح عليه
صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلّي, وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له.
حتى اتّخذ رسول الله حجرا يستتر به منهم إذا صلّى. فكان رسول الله إذا طرحوا عليه
ذلك الأذى يخرج به على العود, فيقف على بابه ثم يقول : يا بني عبد مناف, أيّ جوار
هذا؟ ثم يلقيه في الطريق."
وليس هناك خلاف بشأن سيرة الحكم بن ابي العاص مع رسول
الله(ص). فأخباره مشهورة معروفة. وأكتفي بما قال ابن
الاثير عنه في أسد الغابة:
"...
وهو طريدُ
رسول الله(ص). نفاه من المدينة إلى الطائف, وخرج معه ابنه مروان...
وقد اختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله(ص) إياه.
فقيل : كان يتسمع سر رسول الله(ص) ويطلع عليه من باب بيته...
...
وقيل : كان يحكي رسول الله(ص) في مشيته وبعض حركاته. وكان النبي(ص) يتكفأ في مشيته
فالتفت يوما فرآه وهو يتخلج في مشيته...
...
وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة لا حاجة إلى ذكرها. إلاّ أن الأمر المقطوع به
أن النبي(ص), مع حلمه وإغضائه على ما يكره, ما فعل به ذلك إلاّ لأمر عظيم
ولم يزل منفياً حياة النبي(ص) . فلما ولي أبو بكر
الخلافة قيل له في الحكم ليردّه إلى المدينة فقال : ما كنتُ لأحلّ عقدة
عقدها رسول الله(ص). وكذلك عمر.
فلما ولي عثمان رضي الله عنه ردّه..."
وقد
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن سعد خبر مشادّة بين الحسن والحسين من جهة, ومروان من جهة أخرى:
" قال مروان :
انكم أهل بيت ملعونون! فغضب الحسن وقال : ويلكَ قلتَ أهلَ بيتٍ ملعونون؟! فوالله لقد
لعن الله أباك على لسان نبيّه (ص) وأنت
في صلبه"[3].
وبعد أن ردّه عثمانُ الى المدينة , أكرمه ووصله. وقد
استفاض المؤرخون من أصحاب النزعة الشيعية في وصف تفاصيل انقلاب أحوال الحكم بفضل
ابن أخيه عثمان. ومن هؤلاء اليعقوبي الذي
قال في تاريخه: "وكتب عثمان إلى الحكم بن أبي العاص أن يقدم
عليه , وقد كان طريد رسول الله. وقد كان عثمان لما ولي أبو بكر اجتمع هو وقوم من
بني أمية إلى أبي بكر فسألوه في الحكم فلم يأذن له. فلما ولي عمر فعلوا ذلك فلم
يأذن له. فأنكر الناس إذنه له وقال بعضهم :
رأيتُ
الحكم بن أبي العاص يوم قدم المدينة عليه فزر خلق , وهو يسوق تيساً , حتى دخل دار عثمان , والناس ينظرون
إلى سوء حاله وحال مَن
معه , ثم خرج وعليه جُبّة
خزّ وطيلسان"
ولكن حتى الامام الذهبي,
صاحب النزعة الاموية, لم يملك إلاّ الإقرار بإغداق الخليفة على عمه الحكم . فقال في
سير أعلام النبلاء:" نفاه
النبي(ص) إلى الطائف, لكونه حكاه في مشيته وفي بعض حركاته, فسبّه وطرده, فنزل
بوادي مج (الطائف). ونقم جماعة على أمير المؤمنين عثمان كونه عطف على عمه
الحكم, وآواه وأقدمه المدينة, ووصله بمئة ألف".
وهكذا
فالذهبي يعترف بأن "جماعة" قد نقموا على عثمان لرده الحكم بن ابي العاص.
والمصادر الشيعية تفيد أن قرار عثمان هذا قد لاقى رفضا
واعتراضاً من جانب الامام علي الذي واجه الخليفة مباشرة وطالبه بالعودة عن قراره.
فقد روى الشيخ المفيد في كتاب الجمل:
"ولما ولي عثمان الأمر استدعاه من الطائف إلى
المدينة وآواه وحباه وأعطاه وقطعه المربد بمدينة الرسول فعظم ذلك على المسلمين
وقالوا آوى طريد رسول الله وحباه وأعطاه . وصاروا إلى أمير المؤمنين ( ع ) فسألوه
أن يكلمه في إخراجه عن المدينة ورده إلي حيث نفاه النبي.
فجاءه أمير
المؤمنين وقال له: قد علمتَ يا عثمان أن النبي قد نفى هذا الرجل عن المدينة ولم
يرده وأن صاحبيك سلكا سبيله في تبعيده واتبعا سنته في ذلك وقد عظم على المسلمين ما
صنعت في رده وإيوائه فاخرجه عن المدينة واسلك في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وآله
.
فقال: يا علي قد علمت مكان هذا الرجل مني وأنه عمي وقد
كان النبي صلى الله عليه وآله أخرجه عن المدينة لبلاغه ما لم يصلح عليه وقد مضى
النبي لسبيله ورأى أبو بكر وعمر ما رأياه. وأنا أرى أن أصل رحمي وأقضي حق عمي وهو
ليس شر أهل الأرض وفي الناس من هو شر منه .
فقال ( ع ) : والله لئن بقيت يا عثمان ليقول الناس فيك
ما هو شر من هذا"
هل يدفع عثمان من ماله الشخصي أم من بيت
مال المسلمين؟
والحديث عن رد الحكم واكرامه مدخل جيد لبحث نقطة حساسة تتعلق بسياسة
الخليفة الثالث.
ولا بد أن ذلك كان أمراً
عجيباً بنظر عامة المسلمين الذين لم يكن معروفاً لديهم على أي أساس
أباح خليفة رسول الله لنفسه أن يردّ واحداً من أعدى أعداء
الرسول(ص) الى مدينته , بل ويتجاوز
ذلك إلى حد تكريمه والاحتفاء به! ولا
شك أن الكثير من المسلمين كانوا يراقبون تصرفات عثمان باستهجان وعَجَب لقيامه بتوزيع الأموال
على عائلته الأموية بتلك الطريقة. وقد كان أمر
الحكم بن ابي العاص من المطاعن الرئيسية على عثمان, واستخدمه كارهو عثمان في شتى
المناسبات لتبرير عدائهم له والتأليب عليه. وقد اضطر عثمان الى الدفاع عن نفسه
مرات عديدة , إحداها أمام كبار الصحابة, كما روى ابن
شبة النميري في تاريخ المدينة. فكان دفاع عثمان يرتكز على ثلاثة أسس :
-
إن الحكم قد تاب.
-
إن أبا بكر وعمر لوكان لهما قرابة مثله لفعلا نفس الشيئ.
-
إنه يعطيه من ماله الخاص
وفيما يلي نص هذه الرواية المتعاطفة مع عثمان :" ونقمتم
عليّ إيوائي الحكم بن أبي العاص. وإن رسول الله قد كان يقبل توبة الكافر, وإن
الحكم تاب فقبلت توبته. ولعمري أنه لو كانت ثمت لأبي بكر وعمر مثل رحمه بي لآوياه.
ونقمتم عليّ أني وصلته بمالي. والله ما هو إلاّ مالي"
ولكن اليعقوبي
في تاريخه لا يوافق على أن عثمان كان يعطي عمه الحكم من ماله الخاص , بل يؤكد ان
عطايا عثمان لأقربائه كانت من بيت المال, وان ذلك أثار معارضة خازن بيت المال الذي
حاول المماطلة في التنفيذ والتهرب من الدفع, ولما لم ينجح استقال احتجاجاً . فعن
عبد الرحمن بن يسار قال " رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة اذا
أمسى آتاها عثمان. فقال له : ادفعها الى الحكم بن ابي العاص . وكان عثمان اذا
أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضاُ من بيت المال .
فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك أن شاء الله .
فألحّ عليه فقال : انما أنت خازن لنا, فإذا أعطيناك فخذ,
وإذا سكتنا عنك فاسكت!
فقال : كذبتَ والله ! ما أنا لك بخازن , ولا لأهل بيتك.
انما أنا خازن المسلمين.
وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال : ايها الناس
زعم عثمان اني خازن له ولأهل بيته , وانما كنتُ خازناً للمسلمين, وهذه مفاتيح بيت
مالكم, ورمى بها!
فأخذها عثمان ودفعها الى زيد بن ثابت"
ورغم أن رواية اليعقوبي هذه تخلو من ذكر اسم خازن بيت
المال , ذلك القوي الذي اشتبك علناً مع الخليفة, واستقال احتجاجاً, مما يمكن
اعتباره عنصر ضعف فيها, إلاّ أن هناك من الروايات ما يدعمها ويجعلها ممكنة القبول
جداً.
فقد تحدث رواة آخرون , لا يُشتبه في تحاملهم على عثمان,
عن خلافات الخليفة مع خازن بيت ماله , عبد الله بن الارقم.
فقد ذكر ابن الاثير
في اسد الغابة في ترجمة عبد الله بن الارقم " واستعمله عمر على بيت المال,
وعثمان بعده, ثم انه استعفى عثمان من ذلك فأعفاه" ورغم انه لم يذكر سبباً
مباشراً لاستقالة ابن ارقم , إلاّ ان ابن الاثير أشار في موضع آخر الى رفضه اعطيات
عثمان , مما يوحي بصحة رواية اليعقوبي حول احتجاجه على سياسة عثمان المالية "
وروى مالك قال : بلغني ان عثمان أجاز عبد الله بن الارقم وهو على بيت المال
بثلاثين ألفاً فأبى أن يقبلها. وروى عمرو بن دينار ان عثمان رضي الله عنه أعطاه
ثلثمائة ألف درهم فأبى أن يقبلها وقال : عملتُ لله وانما أجري على الله"
وكرر ابن حجر
العسقلاني في "الاصابة" نفس ما
ذكره ابن الاثير عن عبد الله بن الارقم. وكذلك فعل الذهبي
في سير اعلام النبلاء.
ويلاحظ أن روايات هؤلاء جاءت بصيغة مخففة وملطفة. إلاّ
أن ذلك لا يغير في حقيقة حصول الخلاف بين الخليفة وخازن بيت المال. والفارق أن
اليعقوبي, صاحب النزعة الشيعية, استفاض في إبراز التفاصيل, بعكس البقية , الحريصين
على سمعة الخليفة.
وقد صرح ابن اعثم الكوفي
في كتاب الفتوح بأن عثمان كان يدفع من بيت المال :
"قال : ثم كثر
المال عليه ، فكان كل ما اجتمع عنده شيء من ذلك يفرقه في الناس ويزيدهم في العطايا
، حتى كان يأمر للرجل الواحد بمائة ألف درهم . قال : ثم قدم عليه عبد الله بن خالد
بن أسيد بن أبي العاص بن أمية فوصله
بثلاثمائة ألف درهم ، ثم بعث إلى الحكم بن أبي العاص فرده إلى المدينة وهو
طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وصله بمائة ألف درهم من بيت مال المسلمين
وجعل له خمس إفريقية ، وجعل [ من بني ] أمية الحارث بن الحكم على سوق المدينة
ووصل ابنه بمال جليل"
وأكثر الروايات تفصيلاً نجدها لدى البلاذري
في أنساب الأشراف , الذي روى عن الزهري , أن عائشة قالت لعثمان في معرض تأنيبها له
" ... واستسلفتَ من بيت المال 500 ألف درهم ليس عندك لها قضاء!
وقال له عبد الله بن الارقم خازن بيت المال وصاحبه: اقبض
عنا مفاتيحك! فلم يفعل وجعل يستسلف ولا يردّ...
قال الزهري : وكان في الخزائن سفط فيه حليّ فأخذ منه
عثمان فحلى به بعض أهله . فأظهروا عند ذلك الطعن عليه , وبلغه ذلك فخطب فقال :
هذا مال الله, أعطيه من شئتُ وأمنعه من شئتُ! فأرغم الله انف من رغم ..."
والزهري كما هو معلوم لا يتهم بالتحامل على عثمان, ولذلك
نقطع بأن عثمان كان بالفعل يبيح لفسه أخذ ما يشاء من بيت المال دون ان يرده. فهو
كان يعتبر ذلك حقاً له. ورواية الزهري هذه تشير بوضوح الى أن عطاياه لأقربائه
كانت من بيت المال. والزهري مقرب من الحكام الامويين , ولا يشتبه بتحامله على عثمان.
المِنح لمروان بن الحكم
ولم يكتفِ الخليفة بالاغداق على عمه الحكم بل امتدّ
كرمه الى ابن عمه
مروان !
فكتب الى عبد الله بن أبي السرح يأمره بتقديم خمس غنائم افريقيا الى مروان بن
الحكم بعد أن زوّجه ابنته. وخبر إطعام
عثمان خمس افريقية – وأحياناً يذكر خمس مصر -
لمروان شائعٌ ومشهور, ولا خلاف حوله بين أصحاب الاخبار. ومن ذلك:
ذكر الطبري في تاريخه في معرض
حديثه عن غزوة افريقي سنة 27 رواية الواقدي (حدثني اسامة بن زيد الليثي عن ابن كعب
) " وكان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهباً . فأمر به
عثمان لآل الحكم . قلتُ : أو لمروان؟ قال : لا أدري"
قال اليعقوبي
انه بعد انتصار المسلمين بقيادة ابن ابي السرح في غزوة افريقية " كثرت
الغنائم وبلغت ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين الف دينار.
وروى بعضهم ان عثمان زوج ابنته من مروان بن الحكم , وأمر
له بخمس هذا المال"
وقال السيوطي
في تاريخ الخلفاء " وكتب لمروان بخمْس افريقية"
وذكر ابن قتيبة في
الإمامة والسياسة ان عطاءات عثمان لمروان
كانت من المآخذ عليه:
" اجتمع ناسٌ من أصحاب النبي (ص), فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة
رسول الله وسنة صاحبيه.
وما
كان من هِبته
خمْس افريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله, ومنهم ذوو القربى
واليتامى والمساكين.
وما
كان من تطاوله في البنيان حتى عدّوا
سبع دور بناها بالمدينة : داراً
لنائلة وداراً
لعائشة وغيرهما من أهله وبناته.
وبنيان مروان القصور بذي خشب , وعمارة الأموال
بها من الخمس الواجب لله ورسوله"
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى
عن الزهري " لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة اميرا. يعمل ست سنين لا
ينقم الناس عليه شيئاً , وانه لأحب الى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديداً
عليهم , فلما وليهم عثمان لانَ لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم, واستعمل أقرباءه
وأهل بيته في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المالَ , وتأول
في ذلك الصلة التي أمر الله بها . واتخذ الأموالَ واستسلف من بيت المال وقال : ان
أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما , واني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر
الناس عليه ذلك" [4]
كما تجب الاشارة الى ان هناك اضطرابا في الروايات التي
تتحدث عن خُمس افريقية. فبالاضافة الى الروايات الكثيرة التي تذكر قيام عثمان بمنح
ذلك الخمس لابن عمه مروان, توجد روايات تقول ان الخليفة قد منح ذلك الخمس لأخيه من
الرضاعة عبد الله بن سعد بن ابي السرح. ولكن العلامة ابن
الأثير في الكامل حل ذلك الاشكال بقوله ان فتح افريقية تم على مرحلتين
: الاولى كانت عام 25 للهجرة حين كان ابن ابي السرح لا يزال يعمل تحت إمرة عمرو بن
العاص بمصر فوجهه عثمان الى أطراف افريقية غازياً " وقال له عثمان : إن
فتح الله عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلاً " فنجح جيش عبد الله في
الوصول الى أطراف افريقية , دون التوغل فيها, وصالحه أهلها على مال يؤدونه.
والثانية كانت عام 27 للهجرة , بعدما تولى ابن ابي السرح
ولاية مصر فأذن له عثمان بشن حملة كبرى باتجاه افريقية أسفرت عن نجاح باهر وغنائم
كبيرة وأموال كثيرة ( ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار). وأضاف ابن الاثير " وحُمِل
خمس افريقية الى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار , فوضعها عنه
عثمان. وكان هذا مما أخذ عليه.
وهذا أحسن ما قيل في خمس افريقية . فإن بعض الناس يقول :
أعطى عثمان خمس افريقية عبدَالله بن سعد.
وبعضهم يقول : أعطاه مروانَ بن الحكم. وظهر بهذا انه أعطى عبدَالله خمسَ
الغزوة الاولى وأعطى مروانَ خمسَ الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع افريقية.
والله اعلم "
ورأي ابن الاثير هذا جائز وممكن. وعليه يكون عثمان قد
منح الخمس في المرة الاولى كحافز لقائده ابن ابي السرح. ويكون في المرة الثانية قد
قرر " مسامحة " ابن عمه مروان في تأدية مبلغ الخمسمائة ألف دينار الذي
كان عليه دفعه لبيت المال لقاء خمس غنائم افريقية الذي كان " اشتراه "!
عطايا لبقية بني أمية
وطبعاً لم يقتصر عثمان في عطاياه على بني عمه الحكم , بل
كان يعطي غيرهم من بني أمية, من أمثال عبد الله بن خالد بن أسيد.
قال اليعقوبي
في تاريخه"
وزوّج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد, وأمَرَ له بستمائة ألف درهم وكتب إلى عبد الله بن عامر أن
يدفعها إليه من بيت مال البصرة"
وقال الطبري
في تاريخه في رواية عبد الله بن احمد بن شبويه ان من المآخذ التي ذكرها الصحابة
على عثمان " قالوا : أعطيتَ عبدَالله بن خالد بن أسيد , ومروانَ . وكانوا
يزعمون أنه أعطى مروان خمسة عشر ألفاً , وابنَ أسيد خمسين ألفاً.."
وروى البلاذري
في أنساب الأشراف عن أبي مخنف والواقدي "أنكر الناس على عثمان إعطاءه
سعيدَ بن العاص مائة ألف درهم" وذكر رواية عن ابن جريج " كان مما
أنكروا على عثمان أنه ولى الحكم بن ابي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف
درهم, فوهبها له حين أتاه بها", كما روى عن الواقدي " قدمت إبل
الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن ابي العاص"
وجمع ابن ابي الحديد
في شرح نهج البلاغة أخبار عطاءات عثمان لأقربائه وخاصته فقال عنه:
" فإنه أوطأ بني أمية رقابَ الناس , وولاهم
الولايات وأقطعهم القطائع. وافتتحت افريقية في أيامه فأخذ الخُمسَ كله فوهبه
لمروان ....
وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة, فأعطاه
أربعمائة ألف درهم .
وأعاد الحكم بن ابي العاص بعد ان كان رسول الله(ص) قد
سيره , ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر , وأعطاه مائة ألف درهم .
وتصدق رسول الله (ص) بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور ,
على المسلمين, فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم.
وأقطع مروانَ فدكَ , وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها
بعد وفاة ابيها (ص) تارة بالميراث وتارة بالنحلة , فدفعت عنها .
وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم
إلاّ عن بني أمية.
وأعطى عبد الله بن ابي سرح
جميع ما أفاء الله عليه من فتح افريقية بالمغرب , وهي من طرابلس الغرب الى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من
المسلمين.
وأعطى ابا سفيان بن حرب
مائتي ألف من بيت المال , في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت
المال . وقد كان زوجه ابنته أم
أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى . فقال
عثمان : أتبكي أن وصلتُ رحمي ؟ قال : لا , ولكن أبكي لأني أظنك أنك أخذتَ هذا
المالَ عوضاً عما كنتَ أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله (ص) . والله لو
أعطيتَ مروانَ مائة درهم لكان كثيراً ! فقال : ألقِ المفاتيحَ يا ابن أرقم فإنا
سنجد غيرك.
وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة, فقسمها كلها في
بني امية .
وأنكحَ الحارثَ بن الحكم ابنته عائشة , فأعطاه مائة
ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن ارقم عن خزنه"[5]
ومن الطبيعي , والمتوقع , أن تثير سياسة عثمان بتوزيع
الاموال على ذوي قرباه , انتقادات متعددة. والشعر أحد أهم مظاهر التعبير في ذلك
الزمان. وقد ذكر ابن عبد البر في ترجمة
عبد الرحمن بن حنبل في الاستيعاب حالة
احتجاج على سياسة عثمان " وهو القائلُ في عثمان بن عفان رضي الله عنه لما
أعطى مروانَ خُمسَ افريقية :
وأحلف بالله جهدَ اليمي نِ ما ترك الله أمراً سدى
ولكن جُعِلتَ لنا فتنةً لكي نُبتلى بك أو تُبتلى
دعوتَ الطريدَ فأدنيتَهُ خلافاً لما سنَهُ المصطفى
ووليتَ قرباكَ أمرَ العباد خلافاً لسنّة مَن قد مضى
وأعطيتَ مروانَ خُمسَ الغنيمَ ةِ آثرتهُ وحميتَ الحِمى
ومالاً أتاك به الأشعريّ من الفيء أعطيته من دنا
فإن الأمينين قد بيّنا منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهماً غيلةً ولا قَسَما درهماً في هوى"
وقد ذكر اليعقوبي في تاريخه ان مصير عبد الرحمن
هذا كان النفي ! فقال " وسيّرَ عبدَالرحمن بن حنبل صاحب رسول الله الى
القموس من خيبر. وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله, وأنه هجاه"
وكان كرم عثمان في الواقع يتسع ليشمل كل قبيلة قريش, من بعد بني أمية . ومن
ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن عثمان بن
عفان أن أباه قال له " يا بني إن وليتَ من أمر الناس شيئاً فأكرم قريشاً,
فإني سمعتُ رسول الله (ص) يقول : من أهان قريشاً أهانه الله "
وسوف يأتي الحديث مفصلاً حول ثروات كبار الصحابة في زمان عثمان.
***********
كانت تلك الحقائق حول عطايا عثمان لقومه من بني أمية. ولا بد بعد ذلك من
معرفة الخلفية النظرية التي سمحت للخليفة بهذا التصرف. فكيف كان عثمان يبرر سياسته
المالية تجاه أقربائه؟
ان المَعلم الأساسي لشخصية عثمان بن عفان, والذي ميّز
حياته كلها, في الجاهلية وفي العهد النبوي وأثناء فترة خلافته, هو ولاؤه لصلات
القرابة ورابطة الدم وانتماؤه القرشيّ الشديد .
وبالاضافة الى رواية الزهري لدى ابن سعد , والتي يقول
فيها عثمان ان أبا بكر وعمر تركا ما هو حق لهما من بيت المال , كما أوردناها
سابقاً, ذكر
ابن سعد رواية أخرى عن المسور قال فيها " سمعتُ
عثمان يقول: أيها الناس! إن أبا بكر وعمر
كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما. وإني تأولتُ فيه صلة رحمي"
وروى ابن عبد ربه في العقد
الفريد ان عثمان بن عفان قال لعبد الرحمن بن عوف الذي طالبه بأن يسير بسيرة ابي
بكر وعمر " عمر كان يقطع قرابته في الله, وانا أصل قرابتي في الله"
فالنصوص تتواتر لتؤكد أن المستند الشرعي الأساسي لعثمان في سلوكه
تجاه قومه من بني أمية هو صلة الرحم. فبنظر عثمان , إعطاءُ أقربائه المالَ
هو امرٌ محمودٌ شرعاً لأن الله حث المؤمن على الاحسان لذوي قرباه. وكان عثمان يبيح
لنفسه التصرف في بيت المال كما يشاء.
ولستُ أعرف كيف فات عثمانَ أن صلة الرحم التي أمر الله بها تنحصر في المال
الشخصي , وليس المال العام الذي هو أمانة في رقبة المسؤول. فهل غنائم افريقية ملك
شخصيٌ للخليفة حتى يعطي خمسها لابن عمه ليصل رحمه؟ هذا أمرٌ محيرٌ حقاً, لأنه من
الصعب تصوّر عدم معرفة عثمان بتلك الحقيقة التي هي من البديهيات.
وربما يكون عثمان يرى في الأموال العامة عوضاً له عما كان يكسبه , هو
شخصياً, من التجارة. فواجبات منصب الخليفة بالتأكيد لم تكن تتيح لعثمان أية فرصة
لمتابعة النشاط التجاري المربح الذي كان يمارسه. فوقته أصبح مشغولاً بالكامل في
رعاية شؤون المسلمين, فلا بأس إذن من أن يبسط يده في بيت مال المسلمين فيأخذ منه
ما يشاء.
بل ان من المرجح أن يكون عثمان يرى في المال العام عوضاً له عما كان ينفقه
ويتبرع به أيام النبي(ص) لصالح المسلمين[7].
فلطالما ساهم في تجهيز الجيوش وحفر الآبار, فلماذا لا يكون له الآن حق معلوم في
المال العام , خصوصاً وأن الله قد فرج على المسلمين وأكثر من الأموال؟
ويبدو أن مفهوم عثمان الخاص لصلة الرحم كان يتسع ليشمل التعيينات في
المناصب القيادية في الدولة أيضاً.
فحين ولى عثمانُ ابنَ خاله عبدَ
الله بن عامر البصرة وهو شاب يافعٌ في
الخامسة والعشرين من عمره, كتب إلى أبي موسى الأشعري يقول له أنه لم يعزله
عن منصبه لعجز أو خيانة " ولكني أردتُ أن أصل قرابة عبد الله بن عامر"[8]
وفي رواية للطبري في تاريخه
أضاف عثمان حججاً لتدعيم رأيه في صلة رحمه: فهو أولاً يقتدي بالنبي (ص) الذي
كان يعطي قرابته. وهو ثانياً يشير الى أن أقرباءه الكثيرين كانوا يعانون من
صعوبات اقتصادية مما يجعل من مساعدتهم واجباً عليه وهو بمنصبه ذاك, فلا يجوز
أن يتخلى عنهم.
يقول نص الطبري ان عثمان قال للصحابة في معرض دفاعه عن سياسته "
اني أخبركم عني وعما وليتُ : ان صاحبيّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان
منهما بسبيل احتساباً . وإن رسول الله (ص)
كان يعطي قرابته . وأنا في رهطٍ أهل عيلة وقلة معاش , فبسطتُ يدي في شيئ من ذلك
المال لمكان ما أقوم به فيه. ورأيتُ أن ذلك لي ..."
وفي رواية لابن قتيبة في
الامامة والسياسة يوضح عثمانُ سبباً آخر لسلوكه:
" لما أنكر الناس على عثمان بن عفان صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال : أما بعد, فإن لكل شيئ آفة , ولكل نعمة عاهة. وان آفة هذا الدين
وعاهة هذه الملة: قومٌ عيابون طعّانون, يرونكم ما تحبون, ويسرّون ما تكرهون. أما
والله يا معشر المهاجرين والانصار لقد عبتم عليّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم
لابن الخطاب مثلها, ولكنه وقمكم وقمعكم, ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ولا يشير
بطرفه اليه. أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عددا, واقرب ناصراً وأجدر.
الى أن قال لهم : أتفقدون من حقوقكم شيئاً؟ فما لي لا أفعل في الفضل ما
أريد؟ فلمَ كنتُ إماماً إذن؟ أما والله ما عابَ عليّ من عابَ منكم أمراً أجهله
, ولا أتيتُ الذي أتيتُ إلاّ وأنا أعرفه"
فهنا يقول عثمان إنه قد أدّى واجباته تجاه الرعية, وأعطاهم حقوقهم, فلا بأس
بعدها من التصرف بالمال الفائض كما يشاء "فمالي لا أفعل بالفضل ما
أريد؟". ويؤكد عثمان هنا انه يتصرف عن
وعي تام وإدراك كامل لما يفعله , ولا يريد أن يصغي للطعّانين الحاقدين
الذين لا يتوقفون عن النميمة!
ويبدو أن كلامه المتكرر , وفي عدة مناسبات, عن "صلة
الرحم" لم يكن مقنعاً لسامعيه, مما كان يثير أعصابه ويدفعه أحياناً الى كلام حادّ
مُتحَدّ غاضب , من قبيل ما رواه ابن شبة
النميري في تاريخ المدينة عن سالم بن ابي الجعد :
"
دعا عثمان رضي الله عنه ناساً من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمار.
فقال
: إني سائلكم , أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر
قريشاً على سائر الناس , ويؤثر بني هاشم على
سائر قريش؟
فسكت القوم.
فقال
: لو أن مفاتيح الجنة في يدي لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم! والله
لأعطينهم ولأستعملنهم على رغم أنف من رغم"[9]
الفصل الثالث : التعيينات في قيادة الدولة
: ولاة عثمان
عثمانُ
يبدأ بتغيير سياسة عمر
ورث
عثمان عن عمر دولة شاسعة مترامية الأطراف. فعلى الرغم من أن الفتوحات الكبرى لم
تكن قد اكتملت بعد, إلاّ أن الفعل الأساسي كان قد حصل, والحسم قد تم بالفعل, ولم
يبق سوى إكمال العمل.
فالقوة الفارسية قد دُمّرت ودخل العرب إيران كفاتحين, ولم يعد
لبقايا النظام الساساني القديم سوى تجمعات غير كبيرة في مناطق متباعدة, وغير قادرة
على تشكيل تهديد جدّي وحقيقي للقوة العربية الساحقة. كانت الأرضية لإكمال الفتح
وإنجاز السيطرة التامة على كل أنحاء إيران قد وضعت على يد عمر بن الخطاب.
وكانت
سوريا الكبرى قد سقطت بالفعل في أيدي العرب, وكان قد بدأ ينشأ نوع من التوازن في
بلاد الشام بين القوة العربية وبين الروم البيزنطيين الذين كانوا قد بدأوا يسلمون
بالخسارة ولا يطمحون سوى إلى المحافظة على مواقعهم إلى الشمال من سوريا. وكذلك كان
العرب قد بدأوا بتوطيد أركان حكمهم في مصر.
إذن
كان التحدي الحقيقي أمام الخليفة عثمان يتمثل في تأصيل وتجذير السيطرة العربية على
الأقاليم المفتتحة, بالإضافة إلى متابعة الحملات العسكرية لإخضاع ما تبقى من مناطق
خارج السيطرة في تلك الأقاليم, وخاصة فارس.
كانت
الفتوحات التي حصلت في عهد عمر إنجازاً
عظيماً هائلا بكل المقاييس. وكانت مهمة
"هضم" تلك البلاد وجعلها جزءً من
الفضاء العربي, ليست بالسهلة أبدا. فتلك بلاد كان فيها نظام إداري واقتصادي قديم
جدا وفاعل, ولم يكن العرب معتادين على أمور حضارية ومَدَنية بذاك الحجم.
ولذلك
فإن مهمة الولاة العرب لتلك الأقاليم كانت في غاية الأهمية والصعوبة أيضاً. فمطلوبٌ
من الوالي أن يحسن إدارة شؤون الجيوش العربية الفاتحة التي بدأت تستقر وتستوطن في البلاد المفتتحة,
وعليه أيضا أن يتبنّى سياسة مدروسة تجاه أهل
البلاد الأصليين بما يضمن ولاءهم للحكام الجدد وبما يكفل استمرار إنتاجية تلك
الأراضي الشاسعة وما تعود به من فوائد اقتصادية هائلة
واخيرا
عليه أن يتأكد من الجاهزية العسكرية الدائمة للتجمعات العربية لمواجهة أية تحديات
أو تهديدات قد تشكلها بقايا الأنظمة الرومانية أو الساسانية في الشام أو العراق أو
مصر أو فارس.
ولكن
عثمان بن عفان أظهر سوء سياسة وسوء تقدير قل نظيرهما. لم يكن عثمان على مستوى
التحدي الحضاري الكبير الذي كان ماثلا أمام قيادة أمة
العرب.
بدأ
عثمان في تغيير سياسة عمر بن الخطاب فيما يتعلق بحكام الولايات . فعلى الرغم من أن
عمر حافظ على وضع قيادي , بشكل عام للقرشيين في دولته, إلاّ أنه كان يخضعهم إلى
متابعة ومراقبة حثيثة ودائمة. كان عمر يحاسب عماله على سياستهم, وكانت له طرق أخرى
في الحصول على معلومات عن وضع ولاياته , غير الولاة. كان عمر يعزل العمال, وينقلهم
ويستبدلهم, يهمّشهم ثم يعيد تفعيلهم حين يرى الوقت مناسبا. ولم يقم عمر أبدا
بتعيين أقرباء له في مناصب قيادية في الدولة.
كان
ولاة عمر يخشونه حقا, وكانوا يهابون شبَحَهُ
المخيّم عليهم, رغم بعد المسافة عن العاصمة. لم يُتِح عمر بسياسته تلك, المجالَ لولاته لكي يصنعوا ولاءً شخصيا لهم في المناطق التي كانوا
يديرونها.
وكان
الرعية , من عامة العرب ومقاتلي الجيوش وأفراد القبائل التي استوطنت في الأقاليم,
يشعرون أن أمامهم طريقا مفتوحا إلى القائد الأعلى, عمر, يستطيعون أن يسلكوه
ليوصلوا صوتهم, شكاويهم, ومطالبهم إليه. وبالتالي لم يكن هناك شعور بين الناس أن
من واجبهم التزلّف للوالي. ففي نهاية الأمر, كان الوالي هو والي عمر, وينفّذ سياسة
عمر لا سياسته هو . فإن كان الوصول إلى عمر متاحاً,
وإذا كان عمر, وهذا الأهم, مستعدا للسماع واتخاذ الاجراءات, فما الحاجة إلى النفاق
للوالي أو الولاء الشخصي له؟
بدأ
عثمان بتغيير سياسة عمر تلك, كلها!
قام
عثمان بتعيين أقربائه اللصيقين, وخاصتة من بني أمية, في كل المناصب القيادية
العليا في الدولة.
وهنا
يجب ملاحظة أن أقرباءه أولئك الذين ولاّهم قيادة الدولة, ليسوا كغيرهم من
المسلمين! فقد كانوا جميعا من العناصر التي لا تمتلك أية شرعية إسلامية على
الإطلاق. بل على العكس, كان لهم , أو
لآبائهم,
أسوأ تاريخ مع رسول الله(ص)!
وهذا من أكثر المواضيع إشكالية التي ميزت خلافة عثمان .
فهذه الشخصية تسببت في إلحاق أذى شديد باسم الخليفة وسمعته .
خلفية الوليد
الوليد من أقرباء عثمان اللصيقين, وهو من عائلته من بني
أمية, واسمه الكامل : الوليد بن عقبة بن ابي معيط بن ابي عمرو بن أمية بن عبد شمس[11].
وبالاضافة الى ذلك الوليد هو أخو الخليفة عثمان من أمه.
وكان
أبوه , عقبة بن أبي معيط , معروفاً بين
كل المسلمين بشدّة عدائه لرسول الله(ص) وإيذائه له في مكة إلى درجة فاقت الآخرين
من سادة قريش في مكة. وكان من حدّة عدائه للرسول(ص) أنه قد أمر بإعدامه هو وبضعة
أشخاص من بين أسرى قريش يوم بدر, ونفّذ الحُكم.[12]
والوليد من الطلقاء, وقد أعلن اسلامه يوم فتح مكة.[13]
والوليد نفسه,
كما أبوه, كان له نصيبٌ موفور من الرداءة في سيرته وسلوكه أيام النبي(ص),
بعد دخوله الاسلام!
وهناك
إجماعٌ بين المفسّرين أن الآية القرآنية "
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ
بنيأ فتبيّنوا. أن تصيبوا قوماً
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" نزلت فيه[14]
وهناك آية قرآنية أخرى نزلت بحق الوليد : فقد ذكر
الواحدي في أسباب النزول , وابن عساكر في تاريخ دمشق
"إن قوله تعالى (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاَ؟ لا يستوون[15])
نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي قال له :
أنا أحَدّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ للكتيبة منك.
وباختصار , لم يكن الوليد, من ناحية الخصال والشرعية الاسلامية, يمتلك ما
يؤهله لشغل أي منصب عال في دولة الاسلام. بل على العكس , كانت مثالبه والمآخذ عليه
كبيرة الى حد يجعل من مجرد التفكير في توليته مسؤوليات قيادية أمراً غريباً, بل
مستهجناً!
عزل سعد بن ابي وقاص عن ولاية الكوفة وتعيين الوليد
مكانه
في عام 25 للهجرة ( أو 24 أو 26) قرر عثمان عزل والي الكوفة الصحابي
المشهور سعد بن ابي وقاص وتعيين الوليد بن عقبة مكانه. واستمر الوليد في منصبه ذاك
الى عام 30 .
ويمكن النظر الى هذا القرار من عثمان باعتباره خطوة مهمة في اتجاهه لتغيير
ولاة عمر بن الخطاب في الولايات المهمة واستبدالهم برجاله هو, رجال مرتبطون به
ويوالونه لشخصه. فأغلب الشخصيات التي خلفها عمر بن الخطاب في مناصب حكام الولايات
كانت من الوزن الثقيل في المعايير الاسلامية : شخصيات من أوساط الصحابة أو ذات
انجازات في مجال القيادة والفتوحات من نمط سعد بن ابي وقاص وعمرو بن العاص وأبي
موسى الأشعري . وهؤلاء كانت لهم شخصياتهم
المستقلة ولم يكونوا يدينون لعثمان بمناصبهم . وربما لم يكن عثمان مرتاحاً لهامش
الاستقلالية هذا .
وأرسل عثمان الوليدَ الى الكوفة حاملاً بنفسه الخبرَ لواليها ولأهلها.
وأثار قرار
عثمان بتعيين الوليد بن عقبة والياً على
الكوفة استياء سعد بن ابي وقاص الذي لم يصدّق الخبر الذي جاءه به
الوليد نفسه .
فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين انه قال له لما
أبلغه قرار عثمان بعزله واستبداله بالوليد
بن عقبة " والله ما ادري أكِستَ بعدي, أم حمقتُ بعدك! "
وفي لفظ ابن عبد البر في الاستيعاب من رواية ابن سيرين
أن سعداً قال له " ما أدري أصلحتَ
بعدنا أم فسَدَ الناس؟ " وفي
رواية سعيد بن جبير لدى ابن عبد البر ان الوليد أجاب سعداً " لا تجزعن أبا
اسحق. فإنما هو الملك يتغدّاه قومٌ , ويتعشاه آخرون. فقال سعد : أراكم والله
ستجعلونها ملكاً" [17]
ويمكن القول ان صدمة سعد واستياءه كانت ناتجة عن شخصية الوالي الذي اختاره
عثمان , وليس عن قرار العزل بحد ذاته. وظاهرٌ من كلام سعد انه لا يرى للوليد من
الصلاح والاستقامة ما يجعله أهلاً لهذا المنصب الرفيع. وبالتالي لم يجد سعدٌ سبباً
لذلك القرار سوى قرابة الوليد اللصيقة من الخليفة.
وقد أخرج الطبري في تاريخه أربع
روايات عن سيف بن عمر التميمي يتحدث فيها عن "سبب عزل عثمان عن
الكوفة سعداً واستعماله عليها الوليد" وذلك ضمن أحداث سنة 26 هجرية . وملخص هذه الروايات
أنه كانت هناك مخالفات مالية ارتكبها سعد ولم يرضَ
أن يسكتَ عنها خازن بيت المال الذي كان وقتها عبد
الله بن مسعود. فقد استقرض سعدٌ مبلغاً
من المال من بيت مال المسلمين ولم يؤدّه . ولما طالبه ابن مسعود بالسداد رفضَ وشتمه بقول قبيح جداً:
" فأتى ابنُ مسعود سعداً فقال له : أدّ المالَ الذي قِبلكَ !
فقال له سعد :
ما أراكَ إلاّ ستلقى شراً ! هل أنت إلاّ ابن مسعود ,عبدٌ من هذيل ؟! "
ويقول سيف في هذه الروايات ان ما جرى أثار غضب الخليفة عثمان عليهما, فقام
بعزل سعد عن ولاية الكوفة بينما أقرّ ابن مسعود على بيت مالها. وكان الذي أمّره
بدل سعد هو الوليد بن عقبة "وكان عاملاً على عرب الجزيرة لعمر بن الخطاب"[18].
ولكن لا بد من التحفظ بشأن هذه الروايات في تاريخ الطبري , للأسباب التالية :
- فهذه روايات سيف بن عمر. وسيف له
منهج ثابتٌ في رواياته يتلخص بالدفاع الدائم والمتواصل عن الخليفة عثمان وكل ولاته
وسياساته. وهنا يظهر ان قيام عثمان بعزل سعد أمرٌ طبيعي بعد مشكلته تلك مع ابن
مسعود. فكل ما عمله عثمان هو تغيير الوالي الذي ارتكب مخالفة بوالٍ آخر من ولاة
عمر بن الخطاب ( وتؤكد الروايات على ان الوليد كان عاملاً لعمر على الجزيرة).
- هناك رواية تتشابه مع هذه , ذكرها ابن عبد ربه وغيره, وتتحدث عن خلاف بين
ابن مسعود ووالي الكوفة بسبب الاعتداء على بيت مال الكوفة, ولكن الوالي في هذه
الحالة كان الوليد بن عقبة نفسه ( وليس سعد ). وسيأتي الحديث عنها لاحقاً . وهناك
احتمال بأن يكون ابن مسعود قد كرر التصدي للوالي الجديد , الوليد, لما حاول ان
يحذو حذو سلفه سعد في الاقتراض من بيت المال وعدم السداد. ولكن هذا الاحتمال ضئيل
, وإلاّ لكرر عثمان موقفه المتمسك بابن مسعود الحريص على المال العام. ولكن هذا لم
يحصل , وقام عثمان بعزل ابن مسعود وتفاقم الخلاف بينهما كما سيأتي لاحقاً.
فروايات سيف بن عمر هذه تنفي عن الوليد مثلبة الاعتداء على بيت المال.
- بل ان البلاذري في أنساب
الأشراف يروي عن أبي مخنف ان ابن مسعود عبّر عن استيائه من استبدال سعد بالوليد
وقال " من غير غيرا الله ما به , ومن بدّل أسخط الله عليه. وما أرى صاحبكم
إلاّ وقد غير وبدّل, أيُعزلُ مثل سعد بن ابي وقاص ويولى الوليد؟! "
- وروايات سيف هذه تحاول أن تجد للخليفة عذراً لعزله قائداً مشهوراً , كسعد
بن ابي وقاص. ولكن عثمان بن عفان نفسه لم يكن يرى انه مضطرٌّ لمثل هذا التبرير.
فهو عزل والياً قديماً , أبا موسى الأشعري, عن البصرة وعيّن مكانه قريبه ابن عامر,
على أساس صلة الرحم لا أكثر! فلمَ لا يكون الأمرهنا في الكوفة مثل ذلك؟
- كما ان سيرة عثمان ومنهجه فيما يتعلق بالمال , تشير الى أنه كان متساهلاً
ومتسامحاً بشأن بيت المال. ومن المتوقع أن لا يثير اقتراض واليه مبلغاً من بيت
المال وعدم سداده غضب عثمان, بل تفهمه. فهو ذاته كانت له مثل تلك الممارسة التي
يعتبرها طبيعية ومشروعة ما دامت حقوق عامة المسلمين مؤداة . فهو ليس كعمر.
- كما ان في روايات سيف خللاً من حيث الشكل. فهي تدرج القضة ضمن حوادث سنة
26 للهجرة (رغم ان الطبري يصرح بأن سيف قال ان عزل سعد كان سنة 25 ). ولكن الرواية
ذاتها تقول ان الوليد قدم أميراً على الكوفة في السنة الثانية من خلافة عثمان.
ومعروفٌ أن عثمان تولى الحكم في ذي الحجة سنة 23. وسواء قال سيف ان هذه المشكلة
حصلت سنة 25 أو 26 , فهي ليست السنة الثانية من خلافة عثمان.
ممارسات الوليد بن عقبة في الكوفة
قال ابن عبد البر في الاستيعاب
عن الوليد بن عقبة " وله أخبارٌ فيها نكارة وشناعة, تقطع على سوء حاله
وقبح أفعاله, غفر الله لنا وله" وأضاف " أخبارُهُ في شرب الخمر ,
ومنادمته أبا زبيد الطائي , مشهورة كثيرة, يسمج بنا ذكرها هنا, ونذكر منها طرفاً"
كما قال :
" وخبرُ
صلاته بهم وهو سكران, وقوله : أزيدكم, بعد ان صلى الصبح أربعاً, مشهورٌ من رواية
الثقات من نقل أهل الحديث, وأهل الأخبار"
وقال عنه ابن حجر العسقلاني في
الاصابة " وقصة صلاته بالناس الصبحَ أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة. وقصة
عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضا مخرجة في الصحيحين. وعزله عثمان بعد
جلده عن الكوفة وولاها سعيدَ بن العاص"[19]
إذن كان الوليد يشرب الخمر. ويبدو انه كان يعاقر الخمر كثيراً الى حد لم
يتمكن معه من إبقاء هذا السلوك طيّ الكتمان, فافتضح أخيراً. وكانت فضيحته صارخة
صاخبة : ترنّحَ يوماً وهو ثمِلٌ بينما كان يؤمّ الناسَ في صلاة الصبح, وقال كلاماً
خليعاً عابثاً ! وهذا كان امراً لا يطاق في ذلك الزمان: فهو اعتداءٌ على أمر الله
واستهتار بتعليمات رسوله وإهانة لمشاعر عامة المسلمين.
وكانت هذه الحادثة القشة التي قصمت ظهر البعير. فلم يعد الأمرُ يحتمل
المماطلة أو التأجيل. فالوليدُ كان أحياناً يتهاون في شأن الصلاة ( ويبدو انه كان
يؤديها مرغماً بحكم واجبات منصبه), وكان له ندماء في مجالس الشرب والسمر, وكان
يسمح للسَحَرة ويستمتع بممارساتهم.
ولكن عامة الناس كانوا يهابون الوليدَ ويخشون بأسَهُ, لأنهم يعلمون أنه أخو
الخليفة ومن رجاله الثقات المقربين. وكان عثمان يقدم له الحماية والدعم المطلق
ويرفض تصديق ما يفيض من انتقادات ومآخذ عليه.
وأكد ابن حجر في فتح الباري ان
تصرفات الوليد بن عقبة ومماطلة الخليفة عثمان في معاقبته كانت من المآخذ الشائعة
عليه " وكان أكثرَ الناسُ فيما فعل به , أي من تركه إقامة الحد عليه
" وقال في موضع آخر " كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على
الوليد " ولكنه اعتذر عن الخليفة وقدم تفسيراً لسلوكه "وولى
الوليدَ لما ظهر له من كفايته لذلك وليَصِلَ رحِمَهُ , فلما ظهر له سوء سيرته عزله
. وإنما أخّرَ إقامة الحد عليه ليكشف عن حال مَن شهد عليه بذلك, فلما وضح له الأمر
أمَرَ بإقامة الحد عليه"
وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ان من جملة مآخذ الصحابة على عثمان:
" .. وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح
وهو أميرٌ
عليها سكران أربع ركعات ثم قال لهم : إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم, وتعطيله إقامة
الحد عليه وتأخيره ذلك عنه"
وقد روى ابن ابي الحديد
في شرح نهج البلاغة كيف حاول عثمان الدفاع عن أخيه الوليد وحمايته في وجه الذين
كانوا يشهدون عليه , وفي وجه الذين يطالبون بعزله عن منصبه:
فعن الزهري نقلاً عن كتاب الاغاني لأبي الفرج الاصفهاني
" خرج رهط من اهل الكوفة الى عثمان في أمر الوليد . فقال : أكلما غضب
رجلٌ على أميره رماه بالباطل؟! لئن أصبحتُ لكم لأنكلنّ بكم.
فاستجاروا بعائشة. وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً
وكلاماً فيه بعض الغلظة .
فقال : أما يجدُ فسّاق العراق ومرّاقها ملجأ إلاّ بيت
عائشة؟!
فسمعت , فرفعت نعل رسول الله(ص) وقالت : تركتَ سنة صاحب
هذا النعل! وتسامع الناس فجاؤوا حتى ملؤوا المسجد , فمن قائل : قد أحسنت, ومن قائل
: ما للنساء ولهذا؟ حتى تخاصموا وتضاربوا بالنعال .
ودخل رهط من أصحاب رسول الله(ص) على عثمان فقالوا له :
اتقِ الله ولا تعطل الحدود, واعزل أخاك عنهم.
ففعل"
وعن المدائني نقلاً عن كتاب الاغاني لأبي الفرج
الاصفهاني " قدم رجل من اهل الكوفة الى المدينة فقال لعثمان : اني صليتُ
صلاة الغداة خلف الوليد , فالتفتَ في الصلاة الى الناس, فقال : أأزيدكم؟ فإني أجد
اليوم نشاطاً! وشممنا منه رائحة الخمر.
فضرب عثمانُ الرجلَ.
فقال الناس : عطلتَ الحدود , وضربتَ الشهود!"
وقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق ما يشير الى مدى شدة إدمان الوليد .
فقد روى عن
علقمة أن الوليد بن عقبة , وهو على رأس جيشٍ للمسلمين, كان يشرب الخمر, إلى درجة أن
جنوده فكروا في إقامة الحد عليه , ثم تراجعوا من أجل المصلحة:
" ... فشرب الوليد الخمرَ, فأردنا أن
نحدّه.
فقال حذيفة : أتحدّون أميرَكم وقد دنوتم من
عدوكم, فيطمعوا فيكم..."
وأمام تواتر أخبار فسق الوليد ومجونه, والشهود الكثر على
ذلك, والأدلّة القاطعة, لم يجد عثمان بداً من إقامة الحد الشرعي عليه, وعزله عن
منصبه. ويلاحظ في كل الروايات التي تتحدث عن ذلك أن عثمان كان يوجّه خطابه دائماً
الى علي بن ابي طالب, دون غيره , ويسأله عما ينبغي عمله ويطلب منه أخيراً أن يطبق
الحد عليه. وهذا يدل على أن علياً كان بالفعل يمارس ضغطاً متواصلاً على عثمان لكي
يضع حداً للوليد وممارساته. والارجح ان الكثيرين من أهل الكوفة كانوا يلجأون الى
علي بالذات ليبثوا اليه شكاواهم على الوليد , لأنهم خافوا أن ينالهم غضب الخليفة
بسبب انحيازه لأخيه.
وقد ورد خبر شربه الخمرَ وحدّه في صحيح
مسلم , كتاب الحدود ,على النحو التالي :
عن حصين بن المنذر , ابي ساسان, قال " شهدتُ عثمان بن عفان , وأتي
بالوليد , قد صلى الصبحَ ركعتين ثم قال : أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان , أحدهما حمران
, أنه شرب الخمر , وشهد آخرُ أنه رآه يتقيأ.
فقال عثمان : انه لم يتقيأ حتى
شربها . فقال : يا علي : قم فاجلده.
فقال علي: قم يا حسن. فاجلده!
فقال الحسن : ولّ حارها مَن تولى
قارها ( فكأنه وَجَدَ عليه) . فقال : يا عبد الله بن جعفر , قم فاجلده!
فجلده, وعلي يعدّ , حتى بلغ
أربعين. فقال : أمسِك.
ثم قال : جلد النبي(ص) أربعين , وجلد أبو بكر أربعين , وعمر ثمانين. وكلٌ
سنّة. وهذا أحبّ اليّ"[20]
وروى احمد بن حنبل في مسنده خبر
جلد الوليد كما يلي :
عن حضين بن ساسان الرقاشي " انه قدِم ناسٌ من أهل الكوفة على عثمان
رضي الله عنه فأخبروه بما كان من أمر الوليد , أي بشربه الخمر. فكلمه عليٌ في ذلك
فقال : دونك ابن عمك فأقم عليه
الحد.
فقال : يا حسن قم فاجلده .
قال : ما انت من هذا في شيء , ولّ
هذا غيرك!
قال : بل ضعفتَ ووهنتَ وعجزتَ! قم يا عبد الله بن جعفر.
فجعل عبد الله يضربه ويعد علي حتى بلغ أربعين ثم قال : أمسك , أو قال كف,
جَلدَ رسولُ الله (ص) أربعين وأبو بكر أربعين , وكملها عمر ثمانين , وكلٌ سنة"[21]
ولا بدّ من التحفظ بشأن ما ورد في هذه الروايات على لسان
عليّ من إقراره اجتهاد عمر بالجلد ثمانين , خلافاً لعمل رسول الله وقوله عن ذاك
" كلٌ سُنة" . فمنهاج علي , الشديد الالتزام بأحكام النبي(ص), يتناقض
تماماً مع هذا القول المنسوب له. كما أن عصيان الحسن لأبيه حين طلب منه ان يقوم
بالجلد لا يمكن تصديقه. بل الارجح ان الهدف من هذه الدعوى القول بأن الحسن ليّنٌ
ورقيق, بخلاف أبيه.
فالرواية الأخرى التي رواها ابن شبة
عن هرار بن موسى الهمذاني تبدو أقرب للصحيح " لما كان من أمر الوليد بن
عقبة ما كان, حيث شهدوا عليه أنه شرب الخمر. فأتي به عثمان رضي الله عنه . فلما
ثبتت الشهادة قال علي : انا جلادُ قريش سائرَ اليوم فضرَبَهُ الحَدّ..."
ثم يتابع فيقول ان علياً ذكر أن بني اسرائيل هلكوا بسبب تعطيلهم الحدود عن أشرافهم
ولذلك لا يجوز للمسلمين ان يكونوا مثلهم.
فمن البيّن أن الخليفة أمر بإقامة الحد على الوليد ,
مُرغماً غير راغب, وأن ذلك كان ظاهراً على حاله وقوله, مما جعل الناسَ يهابون
تطبيق حد الجلد على الوليد. وهذا ايضاً ما
جعل علياً أكثرَ إصراراً على تطبيق الحد ولو بنفسه. فتلك مسألة مبدأ لدى علي: فحكم
الله يجب ان يطبق على أيّ كان, مهما كان منصبه ومرتبته.
روى ابن أبي الحديد في شرح
نهج البلاغة المزيد من التفاصيل :
قال ابو الفرج الاصفهاني نقلا عن ابي عبيدة وهشام بن الكلبي والاصمعي " كان الوليد زانيا يشرب الخمر .
فشربَ بالكوفة, وقام ليصلي بهم الصبحَ في المسجد الجامع.
فصلى بهم أربعَ ركعات!
ثم التفتَ إليهم فقال : أزيدكم؟
وتقيأ في
المحراب بعد أن
قرأ بهم رافعاً
صوته في الصلاة :
علق
القلب ربابا بعدما شابت وشابا
فشخص اهل الكوفة الى عثمان فأخبروه بخبره , وشهدوا عليه بشرب الخمر .
فأتى به. فأمر رجلاً من المسلمين أن يضربه الحد. فلما دنا منه قال : نشدتك
الله وقرابتي من أمير المؤمنين! فتركه.
فخاف علي بن ابي طالب عليه السلام أن يعطل الحد , فقام اليه فحدّه بيده
فقال الوليد : نشدتك الله والقرابة !
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : اسكت ابا وهب, فإنما هلك بنو اسرائيل
لتعطيلهم الحدود .
فلما ضربه وفرغ منه قال : لتدعوني قريش بعدها جلاداً "
وروى ابو الفرج ايضا عن ابي الضحى " كان ناس من اهل الكوفة يتطلبون
عثرة الوليد بن عقبة, منهم أبو زينب الازدي, وأبو مورع.
فجاءا يوماً ولم
يحضر الوليد الصلاة, فسألا عنه, فتلطفا حتى علما أنه يشرب, فاقتحما الدار فوجداه
يقيئ . فاحتملاه وهو سكران حتى وضعاه على سريره , وأخذا خاتمه من يده.
فأفاق, فافتقد خاتمه, فسأل عنه أهله فقالوا : لا ندري. وقد رأينا رجلين
دخلا عليك فاحتملاك فوضعاك على سريرك. فقال : صِفوهما لي. فقالوا: أحدهما آدم طوال
حسن الوجه, والآخر عريض مربوع عليه خميصة. فقال : هذا ابو زينب وهذا ابو مورع.
ولقي ابو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما
فأخبروهم . فقالوا : اشخصوا الى أمير المؤمنين فاعلموه. وقال بعضهم : انه لا يقبل
قولكم في أخيه.
فشخصوا اليه فقالوا : إنا جئناك في أمر , ونحن مخرجوه اليك من أعناقنا. وقد
قيل انك لا تقبله.
قال : وما هو؟
قالوا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها , وهذا خاتمه أخذناه من يده
وهو لا يعقل.
فأرسل عثمان الى علي (عليه السلام) فأخبره , فقال : أرى أن تشخصه فإذا
شهدوا عليه بمحضر منه حددته.
قكتب عثمان الى الوليد فقدم عليه. فشهد عليه ابو زينب وأبو مورع وجندب
الأزدي وسعد بن مالك الاشعري.
فقال عثمان لعلي : قم يا ابا الحسن فاجلده..."
وروى ابو الفرج عن الشعبي ان الشاعر الحطيئة قال
"شهِدَ الحطيئة يوم يلقى ربّهُ انّ الوليدَ أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم أأزيدكم – سكراً – ولم يدرِ
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا لقرنتَ بين الشفع والوترِ
ويبدو أن الظرفاء من الرواة قد أدخلوا بعض التفاصيل الطريفة في أخبار سيرة
الوليد في الكوفة. فموقف الوليد وهو يؤم الناسَ سكرانا مسطولا يثير الخيالَ ويطلق
العنان للرواة للاستفاضة في التفاصيل . وهكذا ظهر شعرٌ كثير منسوب لنديمه ابي زبيد
وللشاعر النصراني الحطيئة حول الوليد وشربه[23].
ولكن مع ذلك فإن فسقَ الوليد وخلاعته أمرٌ متواتر لا يرقى إليه الشك.
وقد
ازدادت صورته سوءً بعد توليه
إدارة شؤون الكوفة, فعُرف
بتقريب صديقه النصراني أبي زبيد, الذي أنزله في دار الضيافة بالقرب من منزله,
وأدخله المسجدَ برغم نصرانيته, وأقام له الموائد
الشهرية التي تتصدرها الخمور. وتمادى الوليد في تجاوزاته , فأدخل أحد السَحَرة
إلى المسجد ليقيم ألعابه, مما أثار الناس عليه, حتى وصل الخبر إلى المدينة. وهناك
اخبار كثيرة جدا حول ذلك[24].
منها ما رواه ابن ابي الحديد في
شرح نهج البلاغة عن ابي الفرج الاصفهاني أن الوليد استقبل صديقه القديم , أبا زبيد
الطائي, لما قدم عليه الكوفة , وأنزله داراً قريبة للمسجد, بعد أن كان استوهبها من
صاحبها عقيل بن ابي طالب. فطعن أهل الكوفة على الوليد " لأن أبا زبيد كان
يخرج من داره حتى يشق المسجد الى الوليد فيسمر عنده, ويشرب معه, ويخرج فيشق المسجد
وهو سكران. فذاك نبههم عليه" وقال في رواية أخرى " فكان مما احتج
به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج اليه من داره وهو نصراني يخترق المسجد
فيجعله طريقاً"
وقد روى الذهبي في سير اعلام
النبلاء عدة روايات عن حادثة الساحر الذي كان يلعب عند الوليد في المسجد ,
مما أثار استهجان الصالحين من الناس وخاصة الصحابي جندب الآزدي الذي اندفع الى قتل
الساحر والدخول في مشكلة مع الوليد الذي عاقبه بسبب ذلك. فعن ابي عثمان النهدي
" ان ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة الامير . فكان يأخذ سيفه فيذبح
نفسه , ولا يضرّه. فقام جندب الى السيف فأخذه فضرب عنقه ثم قرأ ( أفتأتون السحر
وأنتم تبصرون) "
وأضاف في رواية عن ابي مخنف ان الساحر كان يدخل في جوف حمار ويخرج من دبره,
ويضرب عنق الرجل ثم يحييه! فقتله جندب بن كعب
" فأراد الوليد بن عقبة قتله , فلم يستطع. فحبسه"
وقال أيضاً في رواية عن ابي الأسود " فسجنه الوليد . فهرّبه السجان
لصلاحه"
ويبدو ان علاقة السمر والشرب بين الوليد بن عقبة وصديقه ابي زبيد الطائي
كانت وثيقة الى حد أنهما دفنا الى جوار بعضهما البعض في الرقة . روى ابن عساكر في تاريخ دمشق :
" مر مسلمة بن عبد الملك بقبر الوليد بن عقبة بن ابي معيط بالرقة
فقال : قبرُ مَن هذا ؟
قيل : قبر الوليد بن عقبة.
قال : رحم الله ابا وهب وجعل يثني عليه.
فقبر مَن هذا الآخر؟
قيل : قبرُ ابي زبيد الطائي الشاعر .
قال : وهذا فرحمه الله
فقيل : انه كان نصرانياً.
قال : انه كان كريماً"
وقد لخص اليعقوبي في تاريخه ضمن
كلامه عن احداث سنة 26 للهجرة أخبار الوليد بن عقبة فقال" وفيها ولي
الوليد بن عقبة بن ابي معيط الكوفة , مكان سعد, وصلى بالناس الغداة , وهو سكران,
اربع ركعات, ثم تهوع في المحراب, والتفت الى مَن كان خلفه فقال : أزيدكم؟
ثم جلس في صحن المسجد وأتي بساحر يدعى بطروى من الكوفة, فاجتمع الناس عليه
, فجعل يدخل من دبر الناقة ويخرج من فيها , ويعمل أعاجيب.
فرآه جندب بن كعب الازدي فخرج الى بعض الصياقلة , فأخذ منه سيفا ثم أقبل في
الزحام وقد ستر السيف حتى ضرب عنقه ثم قال له : احيِ نفسك إن كنتَ صادقاً!
فأخذه الوليد فأراد أن يضرب عنقه
فقام قومٌ من الازد فقالوا : لا تقتل
والله صاحبنا!
فصيره في الحبس. وكان يصلي الليل كله , فنظر اليه السجان , وكان يكنى ابا
سنان, فقال : ما عذري عند الله إن حبستك على الوليد يقتلك؟ فأطلقه.
فصار جندب الى المدينة , وأخذ الوليد ابا سنان فضربه مائتي سوط, فوثب عليه
جرير بن عبد الله , وعدي بن حاتم, وحذيفة بن اليمان , والاشعث بن قيس, وكتبوا الى
عثمان مع رسلهم
فعزله وولى سعيد بن العاص مكانه.
فلما قدم الوليد قال عثمان : مَن
يضربه؟ فأحجم الناس لقرابته , وكان أخا عثمان لأمه, فقام عليٌ فضربه.
ثم بعث به عثمان على صدقات كلب وبلقين"
أكاذيب سيف بن عمر
لم يكتفِ سيفُ بن عمر بالتغاضي عن سلبيات الوليد او التخفيف من حدة بعض
الأخبار المتعلقة به ولا حتى بالدفاع عنه في بعض مواقفه وسياساته بل قدم منظومة
متكاملة من الروايات الملفقة حول ممارسات الوليد بن عقبة خلال عهده في الكوفة تؤدي
نتيجتها الى صورة تختلف تماماً عن كل ما ذكره الآخرون.
ولما كانت مسألة شرب الخمر واقامة الحد عليه بسبب ذلك هي الفضيحة الأكثر
لصوقاً بالوليد وسمعته, فقد لجأ سيف الى مواجهتها بشكل محترف وعلى النحو التالي :
فهو أولا تطرق الى سبب "الوشاية" التي تعرض لها الوليد . وقد
أرجع الأمر الى "حقد شخصي" تجاه الوليد أضمره مجموعة من أهل الكوفة لا
ذنب للوليد فيه إلا قيامه بتطبيق القانون وتنفيذ واجبات منصبه! فقد روى الطبري في
تاريخه عن سيف ان الوليد " كان أحبّ الناس في الناس وأرفقهم بهم, فكان ذلك
خمس سنين وليس على داره باب" ثم
بدأ يتحدث عن مشكلة وقعت بين مجموعة من شباب الكوفة قامت خلالها مجموعة منهم زهير
بن جندب الأزدي ومورع بن ابي مورع الأسدي وشبل بن أبي الأزدي بالاعتداء على شاب
آخر هو ابن الحيسمان الخزاعي وقتله. فشهد عليهم لدى الوليد ابو شريح الخزاعي وابنه
" فكتبَ فيهم الى عثمان, فكتب اليه في قتلهم, فقتلهم على باب القصر"
. ويضيف سيف انه بسبب تلك الحادثة , التي لا ذنب فيها للوليد على الاطلاق, أصبح
آباء الشبان المعدومين , وخاصة جندب وأبي مورع, أعداء شخصيين للوليد , يتربصون به
ويحاولون الايقاع به !
ثم انتقل سيف ليعالج المسألة الأصعب وهي شرب الخمر , وإذ به , وبجرأة
وصفاقة نادرة, ينفيها من أصولها! ولم يأبه بالأخبار المتواترة , ولا بالصحاح,
ليجعل الأمر كله تلفيقاً تعرض له الوليد "المظلوم" على يد المجموعة
الحاقدة! وهكذا خرّج سيف قصته كما رواها الطبري
في تاريخه وابن عساكر في تاريخ دمشق :
فهو يقول ان جندب الأزدي ومَن معه اطلقوا "اشاعة" ان الوليد يشرب الخمر
" جاء جندب ومن معه الى ابن مسعود فقالوا : الوليد يعتكف على الخمر! وأذاعوا
ذلك حتى طرح على ألسن الناس. فقال ابن مسعود : مَن استتر عنا بشيء لم نتتبع
عورته ولم نهتك ستره.."
ثم تناول سيف موضوع أبي زبيد
الطائي, نديم الوليد في جلسات الشرب كما يلي :
" كان عمر بن الخطاب قد استعمل الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة
فنزل في بني تغلب. وكان ابو زبيد في الجاهلية والاسلام في بني تغلب حتى أسلم وكانت
بنو تغلب أخواله. فاضطهده أخوالُه دَينا له, فأخذ له الوليد بحقه, فشكرها له ابو
زبيد وانقطع اليه وغشيه بالمدينة . فلما ولي الوليد الكوفة اتاه مسلماً معظماً على
مثل ما كان يأتيه بالجزيرة والمدينة , فنزل دار الضيفان , وآخر قدمة قدمها ابو
زبيد على الوليد وقد كان ينتجعه ويرجع, وكان نصرانياً قبل ذلك فلم يزل الوليد
به وعنه حتى أسلم في آخر إمارة الوليد وحَسُن اسلامُه فاستدخله الوليد. وكان
عربياً شاعراً حين قام على الاسلام .
فأتى آتٍ أبا زينب وأبا مورع وجندباً وهم يحقدون له مذ قتل ابناءهم
ويضعون له العيون فقال لهم : هل لكم في الوليد يشارب ابا زبيد ؟ فثاروا في ذلك
. فقال ابوزينب وابو مورع وجندب لأناس من وجوه اهل الكوفة : هذا أميركم وابو زبيد
خيرته وهما عاكفان على الخمر . فقاموا معهم ومنزل الوليد في الرحبة مع عمارة بن
عقبة وليس عليه باب . فاقتحموا عليه من المسجد وبابه الى المسجد.
فلم يفجأ الوليد إلا بهم, فنحّى شيئاً فأدخله تحت السرير . فأدخل بعضهم يده
فأخرجه لا يؤامره. فإذا طبقٌ عليه تفاريق عنب! وانما نحاه استحياء أن يروا
طبقه ليس عليه الا تفاريق عنب.
فقاموا فخرجوا على الناس فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون . وسمع الناس بذلك
فأقبل الناس عليهم يسبونهم ويلعنونهم ويقولون أقوام غضب الله لعمله وبعضهم أرغمه
الكتاب فدعاهم ذلك الى التحسس والبحث. فستر عليهم الوليد وطواه عن عثمان. ولم
يدخل بين الناس في ذلك بشيء وكره ان يفسد بينهم فسكت عن ذلك وصبر"
ويلاحظ في سياق رواية سيف ان الوليد يستحق الثناء والتقدير على اخلاصه في
سبيل دين الله ونجاحه في إدخال صديقه النصراني في الاسلام! كما لا بد من التنويه
بحسن خصال الوليد الذي يصبر على الأذى ويكره ان يضر هؤلاء الحاقدين فلا يبلغ
الخليفة بما جرى!
واما كيف حُدّ الوليد وعُزل ؟ فيقول سيف ان الحاقدين انفسهم تابعوا
مؤامراتهم ضد الوليد من أجل عزله
" فغشوا الوليد وأكبوا عليه . فبيناهم معه يوما في البيت وله
امراتان في المخدع بينهما وبين القوم ستر, احداهما بنت ذي الخمار والاخرى بنت ابي
عقيل.
فنامَ الوليدُ.
وتفرق القوم عنه. وثبت ابو زينب
وابو مورع, فتناول احدهما خاتمه, ثم خرجا.
فاستيقظ الوليد وامرأتاه عند رأسه فلم يرَ خاتمه فسألهما عنه فلم يجد
عندهما منه علماً. قال : فأي القوم تخلف عنهم ؟ قالتا : رجلان لا نعرفهما ما غشياك
الا مذ قريب. قال : حلياهما. فقالتا: على احدهما خميصة وعلى الآخر مطرف وصاحب
المطرف ابعدهما منك فقال : الطوال؟ فقالتا : نعم فقال : والقصير ؟ فقالتا : نعم.
وقد رأينا يده على يدك.
قال: ذاك ابو زينب والآخر ابو مورع وقد أرادا داهية فليت شعري ماذا يريدان؟
فطلبهما فلم يقدر عليهما . وكان وجههما الى المدينة
فقدما على عثمان ومعهما نفر ممن يعرف ممن يعرف عثمان ممن قد عزل الوليد عن
الاعمال
فقالوا له.
فقال : مَن يشهد؟ قالوا: ابو زينب وابو مورع. وكاع الآخران.
قال: كيف رأيتما؟
قالا: كنا من غاشيته فدخلنا عليه وهو يقيء الخمر
فقال : ما يقيء الخمر الا شاربها
فبعث اليه فلما دخل على عثمان رآهما فقال متمثلا:
ما إن خشيت على أمر خلوتُ به
فلم أخفك على امثالها حار
فحلف له الوليد وأخبره خبرهم
فقال: نقيمُ الحدودَ ويبوء شاهدُ الزور بالنار. فاصْبرْ يا أخي.
فأمر سعيدَ بن العاص فجلده . فأورث ذلك عداوة بين ولديهما حتى اليوم"
وهكذا يحاول سيف
بن عمر أن يظهر الوليد بن عقبة, الفاسق بالإجماع , وبالنص
القرآني, وابن أعتى أعداء رسول الله(ص), بمظهر
الوالي الطيب المسكين الذي يأكل قطفاً من
عنبٍ لا غير! بينما يحاول "الأشرار" الإساءة إليه,
حتى أنهم يجرّدونه خاتمه من على إصبعه دون أن يشعر بهم لأنه نائم! ثم شهدوا عليه زوراً عند عثمان الذي اضطر – رغم اقتناعه
ببراءة الوليد – الى تطبيق الحد عليه.
وقد علق العلامة ابن عبد البر
في الاستيعاب على هذه القصة كما يلي " وقد رُوي , فيما ذكر الطبري, أنه
تعصّبَ عليه قوم من أهل الكوفة بغياً وحسداً, وشهدوا عليه زوراً أنه تقيّأ الخمر,
وذكر القصة, وفيها أن عثمان قال له : يا أخي اصبر , فإن الله يأجرك, ويبوء القوم
بإثمك.
وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصحّ عند أهل الحديث , ولا له عند أهل
العلم أصل"
ومن المفيد التامل في الرواية التالية لملاحظة التلاعب الذي قام به سيف بن
عمر :
فقد روى ابن شبة في تاريخ
المدينة عن ابي الضحى:
" كان ابو زينب الأزدي ,
وأبو مروع, يلتمسان عثرة الوليد. فجاءا يوماً – ولم يحضر الصلاة – فسألا عنه
وتلطفا حتى علما انه يشرب . فاقتحما الدار فوجداه يقيء , فاحتملاه وهو سكران
فوضعاه على سريره , وأخذا خاتمه وخرجاه. فأفاق , فتفقد خاتمه , فسأل , فقالوا
: قد رأينا رجلين دخلا (الدار فاحتملاك فوضعاك على سريرك). فقال : صفوهما.
فوصفوهما . فقال : هذان ابو زينب وابو مروع.ولقي ابو زينب وابو مروع عبدَ الله بن
جبير الاسدي , وعقبة بن يزيد البكري , وغيرهما فأخبراهم فقالوا : اشخصوا الى امير
المؤمنين فأعلموه. فشخصوا .
فقالوا له : انا جئناك لأمر نحن مخرجوه اليك من أعناقنا .
قال : وما هو؟
قالوا : رأينا الوليدَ سكرانَ من خمر قد شربها , وهذا خاتمه أخذناه وهو لا
يعقل.
فأرسل الى علي رضي الله عنه يشاوره .فقال : أرى أن تشخصه فإن شهدوا عليه
بمحضر منه حددته.
فكتب اليه عثمان رضي الله عنه فقدِم. فشهدوا عليه – ابو زينب وابو مروع
وجندب الاسدي وسعد بن مالك الاشعري – ثم شهد عليه الايمان .فقال عثمان رضي الله
عنه لعلي : قم فاضربه...."
وهذه الرواية كما لا يخفى أكثر وجاهة من رواية سيف . فهي تختلف عنها في
نقطة رئيسية : إثبات شرب الخمر. وطبعاً انتزاع خاتم الوليد من يده وهو سكران أمرٌ
ممكن, بعكس ما يدعيه سيف بأنهم انتزعوا خاتمه من يده وهو نائم , ودون أن يفيق!
ثانياً
: تعيين سعيد بن العاص واليا على الكوفة[25]
إذن قام عثمان في عام 29 أو 30 للهجرة باستبدال الوليد بن عقبة في منصب والي
الكوفة بسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية
وسعيد بن العاص هذا كان قد
نشأ في حجر عثمان, بالاضافة طبعاً الى كونه من أبناء عمومته.
ذكر ابن عبد البر في ترجمته في
الاستيعاب وابن الاثير في أسد الغابة:
" ولد عام الهجرة , وقيل : بل ولد سنة احدى. وقتل أبوه العاص بن
سعيد بن العاص يوم بدر كافراً, قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. روي عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه انه قال : رأيته يوم بدر يبحث التراب عنه كالأسد, فصمد إليه
علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله....
وكان سعيد بن العاص هذا أحد أشراف قريش , ممن جمع السخاء والفصاحة, وهو أحد
الذين كتبوا المصحف لعثمان رضي الله عنه
استعمله عثمان على الكوفة. وغزا بالناس طبرستان فافتتحها . ويقال انه افتتح
أيضا جُرجان في زمن عثمان سنة 29 أو سنة 30"
ومن المؤكد أن هذا التعيين الجديد سبّب خيبة أمل شديدة
في أوساط الكوفيين. فما يرونه أمامهم هو مجرد تغيير في الاسم, لا في المضمون.
فالوالي الجديد يشترك مع الوليد بن عقبة في المعالم الرئيسية : فكلاهما من أقرباء
الخليفة من العائلة الأموية. وكلاهما ابنٌ لواحدٍ من أشرس أعداء رسول الله(ص) ممن
قتلهم علي بن أبي طالب يوم بدر. وكلاهما رمزٌ لقريش وسلطانها. والفارق هنا أن
الوالي الجديد أصغر سناً , فهو يبلغ من العمر 29 عاماً فقط.
وبعد كل تلك المشاكل والفضائح التي سببها الوليد بن عقبة
في الكوفة, كان من المتوقع أن يعين الخليفة والياً له خبرة واستقامة لإصلاح الضرر.
ولكن عثمان لم يفعل, وفضل تعيين قريبه الشاب في ذلك المنصب الحساس.
وقد روى ابن ابي الحديد
في شرح نهج البلاغة وابن عبد البر في
الاستيعاب شعراً قاله أحدهم معبّراً فيه عن رأي الناس في هذا التعيين الجديد :
فَرَرتُ من الوليد إلى سعيد كأهل الحجر إذ فزعوا فباروا
يلينا من قريش كل عامٍ أميرٌ محدَث أو مستشار
لنا نارٌ تحرقنا فنخشى وليس لهم – ولا
يخشون – نارُ
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى
عن عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي, وكرره عنه ابن
عساكر في تاريخ دمشق :
" فلما قدم الكوفة قدِمها شاباً مُترفاً ليست له سابقة.
فقال : لا أصعد
المنبر حتى يُطهر! فأمر به فغسل.
ثم صعد المنبر
فخطب أهل الكوفة وتكلم بكلام قصر بهم فيه ونسَبهم إلى الشقاق والخلاف. فقال : إنما هذا السواد
بستانٌ لأغيلمةٍ من قريش!
فشكوه الى عثمان فقال : كلما رأى أحدكم من أميره جفوة أرادنا أن نعزله!"
وعبارة "انما هذا السواد بستان قريش" التي قالها سعيد بن
العاص سوف تشتهر وتنتشر وسوف يكون لها تأثير مهم على مستقبل الأحداث في الكوفة
وعلى مصير الخليفة ذاته. وسيأتي الحديث عنها لاحقاً.
وفي رواية للواقدي في تاريخ الطبري
" ان عثمان بعث سعيد بن العاص الى الكوفة أميراً عليها حين شهد على الوليد
بن عقبة بشرب الخمر من شهد عليه , وأمره أن يبعث اليه الوليد بن عقبة.
فقدم سعيد بن العاص الكوفة فأرسل الى الوليد : أن أمير
المؤمنين يأمرك أن تلحق به.
فتضجع أياماً. فقال له : انطلق الى أخيك فإنه قد أمرني
أن أبعثك اليه.
وما صعد منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل! فناشده رجال من
قريش كانوا قد خرجوا معه من بني أمية وقالوا : ان هذا قبيح ! والله لو أراد هذا
غيرك لكان حقاً أن تذب عنه! يلزمه عار هذا أبدا
فأبى إلاّ أن يفعل. فغسله
وأرسل الى الوليد أن يتحول من دار الامارة . فتحول منها
ونزل دار عمارة بن عقبة"
وذكر المسعودي في مروج الذهب " ... فلما دخل سعيد الكوفة والياً أبى أن يصعد
المنبر حتى يغسل, وأمر بغسله وقال : ان الوليد كان نجساً رجساً "
وقد عبر ابن عبد البر
في الاستيعاب عن خيبة أمل الناس واحباطهم من تعيينات الخليفة, خاصة بعد أن شاهدوا
سياسات سعيد :
" فكتبوا الى عثمان : لا حاجة لنا في سعيدك ولا
وليدك!
وكان في سعيد تجبّرٌ وغلظة, وشدة سلطان.
وكان الوليد أسخى منه وآنس وألينَ جانباً , فلما عزل
الوليد وانصرف قال بعض شعرائهم:
يا ويلنا قد ذهب
الوليدُ وجاءنا من بعده
سعيدُ
ينقص في الصاع ولا يزيدُ"
استطراد
بشأن فروع بني أمية
ومبادرة سعيد بن العاص الى " غسل المنبر " في الكوفة قبل ان
يصعده, لتطهيره من "رجس " الوليد بن عقبة, والتي تدل على احتقاره الشديد
له, تعتبر مدخلاً مناسباً للتطرق الى بطون العائلة الأموية.
فيمكن تقسيم بني امية الى أربعة بطون :
آل حرب : وهؤلاء ابناء وسلالة حرب
بن أمية . ومن هؤلاء أبوسفيان صخر بن حرب , وابنه معاوية وحفيده يزيد بن معاوية.
وهذا الفرع الأموي له سؤدد سياسي وماليٌ في مكة. فحرب بن أمية كان يقود جموع قريش
في معاركها. وكذلك ابنه صخر الذي تابع درب ابيه فتولى قيادة قريش, على مدار سبعة
أعوام, في حروبها ضد النبي (ص) بعد مصرع القيادات الكبيرة يوم بدر. وبالإضافة الى
نزعته السياسية والقيادية, يمتاز هذا الفرع الأموي بغناه ونشاطه التجاري البارز.
وهذا الفرع الاموي هو الاشهر والابرز , وأخباره ذائعة ومعروفة.
آل العاص : ومن أبرز هؤلاء سعيد بن
العاص بن أمية, الملقب بأبي أحيحة, الذي كان عظيم الشأن في قريش, ثريّاً, مهاباً
مطاعاً, حتى يروى أنه كانت له عمامة زرقاء وكان يمنع أي أحد من قريش أن يرتدي
مثلها! قال ابن الاثير في اسد
الغابة" كان أبو أحيحة إذا اعتمّ بمكة لا يعتمّ أحدٌ بلون عمامته إعظاماً
له. وكان يقال له : ذو التاج" وقد كان ابو أحيحة هذا شديد العداء لمحمد
(ص) ودعوته في مكة رغم كونه طاعناً في السن. فلما سمعَ أن ابنه خالداً
قد أسلمَ سراً
وتبعَ محمداً(ص):
" فدعاه
, وكلمه أن يدع ما هو عليه.
فقال خالد: لا
أدع دين محمدٍ حتى
أموت عليه!
فضربه أبو أحيحة
بقراعةٍ في يده حتى كسرها على رأسه ثم أمَرَ به
إلى الحبس. وضيّقَ عليه, وأجاعَه وأعطشه. حتى لقد مكث في حَرّ مكة ثلاثاً ما يذوق ماء..."[26]
وحتى بعد أن هرب
ابنه منه وهاجر مع المسلمين إلى الحبشة, بقي سعيد بن العاص بن أمية غاضباً وحاقداً على محمد(ص), حتى أنه مرضَ مرة:
" ... فقال
: لئن رفعني الله من مرضي هذا, لا يُعبد إله ابن أبي كبشة ببطن مكة .."
وقد قتل ابنه العاص بن سعيد كافراً في معركة بدر على يد علي بن ابي طالب.
ويشتهر من هذا الفرع الاموي سعيد بن العاص, والي الكوفة أيام عثمان, ووالي المدينة
أيام معاوية. وهو ابن القتيل في بدر, ويحمل نفس اسم جده ابي أحيحة , فاسمه الكامل
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية. ولذلك يحصل تشوّش لدى الكثير من الباحثين
بسبب تشابه الاسم بين الجد والحفيد.
وتجدر الاشارة الى ان هذا الفرع الاموي قد خرج منه جناحٌ
آمن بالاسلام مبكراً. وقد مرّ ذكر خالد بن سعيد ومشكلته مع أبيه بسبب ذلك. بل ان
خالد بن سعيد , رغم كونه أموياً بالنسب, يمكن وصفه بأنه شيعي! فبعد وفاة النبي (ص)
كان
يقول : لا أبايع إلاّ علياً, وبقي لفترة طويلة مُصراً
على رفضه لبيعة أبي بكر.
وكان
خالد يقول لبني هاشم " أنتم الظهرُ والبطن والشعارُ دون الدثار, والعصا دون اللحا, فإذا رضيتم رضينا
وإذا سخطتم سخطنا ..... أما والله يا بني هاشم : إنكم الطوالُ الشجر , الطيبو
الثمر.."[27]
"
وبقي خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر"[28]
وقد حاول أبو بكر أن يستميله ويسترضيه. فبعد عودته من
اليمن , التي كان النبي(ص) قد بعثه عليها, قرر الخليفة الجديد تعيينه قائداً لأحد
الجيوش المتجهة لفتح الشام. ولكن
عمر بن الخطاب تدخل لدى أبي بكر من اجل عزله. فقام أبو بكر بعزله وعيّن مكانه يزيد
بن أبي سفيان وأعطاه لواءه.
والسبب
كان شكّ عمر في ولائه للقيادة الجديدة
لأنه
كان ممن رفض بيعة أبي بكر , وكان هواه مع عليّ , كما روى ابن سعد في الطبقات الكبرى" وأقام خالد
ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر. ثم مر عليه أبو بكر بعد ذلك مظهرا وهو في داره فسلم
عليه. فقال له خالد: أتحبّ أن أبايعك؟ فقال أبو بكر: أحب أن تدخل في صلح ما دخل
فيه المسلمون. قال : موعدك العشية أبايعك. فجاء وأبو بكر على المنبر فبايعه. وكان
رأي أبي بكر فيه حسنا وكان معظما له, فلما بعث أبو بكر الجنود على الشام عقد له
المسلمين, وجاء باللواء إلى بيته. فكلم عمرُ أبا بكر وقال : تولي خالدا وهو القائلُ ما قال؟
فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي فقال إن خليفة رسول الله(ص) يقول لك: اردد
إلينا لواءنا. فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم ولا ساءنا عزلكم
وإن المليم غيرك"
ورغم هذا الخلاف مع ابي بكر, إلاّ أن خالداً , ومعه
اخواه عمرو وأبان, خرجوا مع الجيوش المتجهة الى الشام. وكان بلاؤهم حسناً
فاستشهدوا جميعاً في معارك اجنادين, ومرج الصفر واليرموك.
والخلاصة ان فرع آل العاص هو أكرم فروع بني أمية وأكثرها
شموخاً واعتداداً بالنفس. ورغم ان سعيد بن العاص,
كان بالتأكيد ملتزماً بالخط الأموي العام أثناء عمله لعثمان ومعاوية من
بعده, إلاّ انه كان يظهر لديه في بعض المواقف ما يشير الى كرم الأصل والمنبت .
فكان يأبى ان يمارس سلوكاً ينمّ عن خسّةٍ مما تعافه النفس السوية, بخلاف أقربائه
الأمويين من البطون الأخرى وبالذات مروان بن الحكم والوليد بن عقبة. فمثلاً هو كان
يرفض ان يشتم الامام علي بن ابي طالب على المنبر في المدينة. كما انه لم يمانع ان
يُدفن الامام الحسن بن علي عند قبر جده رسول الله(ص) لما توفي ولم يتدخل فيما جرى
بين بني هاشم ومروان بن الحكم, رغم كونه الوالي على المدينة آنذاك. عدا عن ان سعيد بن العاص لم يحارب الامام علي في
الجمل وصفين, وبقي في مكة ورفض أن يتابع المسير مع عائشة الى البصرة, ولم يذهب الى
معاوية إلاّ بعد أن بويع بالخلافة.
آل أبي العاص : وهؤلاء سلالة ابي العاص بن أمية, وأبرزهم الخليفة عثمان بن عفان بن ابي
العاص, وابن عمه مروان بن الحكم بن ابي العاص, ومن بعده ابنه عبد الملك وبقية
خلفاء بني أمية حتى انهيار دولتهم. وهذا الفرع لم يكن بارزاً ولا معروفاً بالسيادة
والعلوّ. فهو لا يعدّ ندّاً لآل حرب ولا آل العاص من أمية. بل ان في ممارسات
وسلوكيات الحكم بن ابي العاص, بعد أن اضطرّ للدخول في الاسلام, ما يشير الى نزعة
للتهتك والخلاعة مما تأباه الأنفس الكريمة.
آل أبي مُعيط : وهؤلاء سلالة ابي معيط بن ابي عمرو بن أمية. وهذا الفرع هو الأكثر
خمولاً وسفالة من بين بطون أمية. بل ان هناك عدة روايات تطعن في صحة نسب هذا
الفرع. فيقال ان ابا عمرو بن أمية , واسمه الاصلي ذكوان , كان في الحقيقة عبداً
لأمية , اشتراه من صفورية من الشام, وتبناه واستلحقه فيما بعد. ومن أشهر شخصيات
هذا الفرع عقبة بن ابي معيط الذي أعدمه رسول الله (ص) يوم بدر, وابنه الوليد بن
عقبة , والي عثمان على الكوفة, وقد مرّ ذكره.
وهذه البطون الأموية كانت تتنافس فيما بينها , وتتحاسد, وتتفاخر. ومن الامثلة على ذلك, كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة, أن بطن أبي العاص الاموي, رأى في قيام معاوية بن ابي سفيان باستلحاق زياد بن أبيه بنسبه محاولة لتقوية فرع آل حرب على حسابه ! حتى أن عبد الرحمن بن الحكم بن ابي العاص قال لمعاوية " لو لم تجد إلاّ الزّنجَ لاستكثرتَ بهم علينا"
وفي ختام هذا الاستطراد لا بد من الاشارة الى مجموعة
أخرى من الشخصيات البارزة التي يمكن اعتبارها أموية رغم عدم انتسابها لأمية من
الناحية السلالية. فأمية هو ابن عبد شمس بن عبد مناف. وعبد شمس هذا له عقبٌ غير
أمية, وهو أخوه حبيب وابنه ربيعة . وهناك شخصيات لعبت أدواراً مهمة تنتمي الى
ربيعة بن حبيب بن عبد شمس, منها من عظماء قريش وأعداء النبي (ص) في مكة: عتبة بن ربيعة
, وأخوه شيبة, وابنته هند زوجة ابي سفيان. ومن الجيل اللاحق اشتهر عبد الله بن
عامر بن كريز, والي عثمان على البصرة, وكذلك محمد بن ابي حذيفة بن عتبة, عدو عثمان
في مصر! فهؤلاء جميعاً هم من بني عبد شمس , وبنو أمية كلهم من بني عبد شمس
أيضاً. وفي الاجمال هناك تداخل بين الجهتين , من ناحية القرابة اللصيقة, والمواقف
والسلوك ايضاً , حتى يمكن اعتبارهم كلهم شيئاً واحداً.
ثالثاً
: تعيين عبد الله بن عامر والياً على البصرة[29]
قال ابن عبد البر في ترجمته في
الاستيعاب" عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد
مناف بن قصي, القرشي العبشمي, ابن خال عثمان بن عفان رضي الله عنه. أم عثمان أروى
بنت كريز....
وُلِدَ على عهد رسول الله (ص)...
قال صالح بن الوجيه وخليفة بن خياط : وفي سنة 29 عزل عثمانُ أبا موسى
الأشعري عن البصرة, وعثمانَ بن ابي العاص عن فارس , وجمعَ ذلك كله لعبد الله بن
عامر بن كريز. وقال صالح : وهو ابن 24 سنة"
قال ابن الاثير في ترجمته في
اسد الغابة " واستعمله عثمان على
البصرة سنة 29 بعد ابي موسى . وولاه أيضا بلاد فارس بعد عثمان بن ابي العاص. وكان
عمره لما ولي البصرة أربعاً أو خمساً وعشرين سنة"
وبشأن الأهلية الاسلامية لعبد الله بن عامر : بما أنه قد ولد في السنة
الرابعة للهجرة , لا يمكن الحديث عن أي دور له شخصياً في الفترة النبوية لا سلبا
ولا ايجاباً, لأن عمره حين توفي النبي (ص) لم يكن يتجاوز السادسة الا قليلا. واما
أبوه , فلا يوجد له ذكرٌ في أحداث الفترة النبوية. فلا هو معروفٌ ضمن أعداء النبي
(ص) من قيادات قريش في مكة, ولا هو من الذين أسلموا واتبعوا النبي(ص). بل كل ما
يذكر عنه انه كان من الطلقاء من مسلمة الفتح. وأغلب الظن أنه كان شخصية خاملة رغم
نسبه الرفيع. والظاهر أنه اكتفى بدور التابع البسيط لأعمامه عتبة وشيبة ابني ربيعة
الذين كانا يتصدران أهل مكة في مواجهة محمد(ص).
وهكذا يكون عثمان قد تابع مسلسل تعييناته لأقربائه وأبناء عائلته في
المناصب القيادية العليا في الدولة. وهو هنا يعين قريبه من بني عبد شمس وابن خاله والياً على البصرة عام 29 للهجرة بعد أن عزل واليها الصحابي القديم أبا موسى الأشعري .
وهناك منحَهُ صلاحيات واسعة , رغم صِغر سنّه الذي لم
يتجاوز الخمسة وعشرين, ثم ولاّه أيضاً
بلادَ فارس بعد عزل عثمان
ابن أبي العاص الثقفي.
ومثلما كان رد فعل سعد بن ابي وقاص حينما عُزل عن الكوفة وعُيّن مكانه
الوليد الوليد بن عقبة, كان رد ابي موسى :
الاستياء والاستنكار :
قال خليفة بن خياط في تاريخه عن
أحداث عام 29 للهجرة " فيها عزل عثمان بن عفان أبا موسى الاشعري عن البصرة
, وعثمانَ بن ابي العاص عن فارس, وجمع ذلك أجمع لعبد الله بن عامر بن كريز.
فحدثني الوليد بن هشام قال : حدثني ابي عن جدي عن الحسن قال : قال ابو
موسى : يقدم عليكم غلامٌ كريمُ الجدات والعمات , يجمع له الجندان. فقدم ابن
عامر.
وسمعت ابا اليقظان ذكر نحو ذلك وقال : قدم ابن عامر وهو ابن اربع أو خمس
وعشرين سنة"
قال اليعقوبي
في تاريخه"
وعزل أبا موسى الأشعري وولّى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز وهو يومئذ ابن خمس
وعشرين سنة. فلما بلغ أبا موسى ولاية عبد الله بن عامر قام خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على نبيّه ثم قال : قد جاءكم غلامٌ كثير العمات
والخالات والجدّات في قريش, يفيض عليكم المال فيضاً"
وفي رواية للطبري عن ابي بكر
الهذلي أن ابا موسى قال لأهل البصرة لما استبدِل بابن عامر " يأتيكم
غلامٌ خراج ولاج, كريم الجدات والخالات والعمات, يُجمع له الجندان.
قال الحسن : فقدم ابن عامر. فجمع له جند ابي موسى وجند عثمان بن ابي العاص
الثقفي"
وكدأبه المتواصل وعادته في الدفاع عن عثمان وسياساته,
كائناً ما كانت, لم يفت سيف بن عمر أن يجد تبريراً لقرار عزل ابي موسى
وتعيين ابن عامر مكانه. فانفرد الطبري ,
في روايته عن سيف , في ذكر قصة طويلة ملخصها ان اهل (إيذج والاكراد) قد ارتدوا
فندَبَ الوالي ابو موسى الناسَ للخروج للجهاد حتى لو كانوا راجلين فاستجابوا,
ولكنهم فوجئوا أن ابا موسى لما خرج معهم " أخرج ثقله من قصره على أربعين
بغلاً" مما أثار استياءهم " ومضوا فأتوا عثمانَ فاستعفوه منه
وقالوا : ما كل ما نعلم نحب أن نقوله. فأبدلنا به.
فقال : مَن تحبون؟
فقال غيلان بن خرشة: في كل أحدٍ عوض من هذا العبد
الذي قد أكل أرضنا وأحيا أمر الجاهلية فينا. فلا ننفك من أشعري كان يعظم ملكه
عن الأشعريين ويستصغر ملك البصرة. وإذا أمّرتَ علينا صغيراً كان فيه عوض منه أو
مهتراًَ كان فيه عوض منه, ومن بين ذلك من جميع الناس خير منه.
فدعا عبد الله بن عامر وأمّره على البصرة"
وهذا الوصف الوارد في رواية سيف هذه في نعت ابي موسى
"العبد الذي قد أكل أرضنا وأحيا أمر الجاهلية فينا" هو قاسٍ جداً
بحقه , ولا يوجد له نظير في المصادر الأخرى, التي هي في إجمالها تشير الى ان أبا
موسى كان والياً ناجحاً. وكلمة (العبد) المستعملة هنا غريبة ومستهجنة, فأبو موسى
صريحٌ من عرب اليمن وليس من الموالي حتى يشتمه عدوه بقوله عنه "عبد".
وهناك رواية أخرى في الطبري عن علي بن مجاهد , ربما أمكن
قبولها , وهي تذكر ان غيلان بن خرشة هذا قال لعثمان " أما منكم خسيسٌ
فترفعوه ؟ أما منكم فقيرٌ فتجبروه؟ يا معشر قريش حتى متى يأكل هذا الشيخ الأشعري
هذه البلاد؟
فانتبه لها الشيخ فلاها عبد الله بن عامر"
وهذه الرواية أخف وطأة من رواية سيف, فلا يستبعد أن يكون
غيلان هذا قد اقترح على عثمان استبدال ابي موسى بواحد من قومه , تزلفاً ونفاقاً
للخليفة وتقرباً منه. فالارجح ان سيف بن عمر قد أخذ هذه الرواية وحرفها واضاف اليه
فقرة الأربعين بغلاً والاوصاف المسيئة بحق ابي موسى. كل ذلك من أجل إيجاد عذر
لعثمان في عزله.
والظاهر أن غيلان بن خرشة هذا قد نال مكافأة من عبد الله
بن عامر بعدما تولى. فقد ذكر البلاذري
في فتوح البلدان أن من ضمن الأنهار التي كان ابن عامر يحفرها في البصرة واحداً عرف
باسم أمه : نهر ام عبدالله دجاجة " وتولاه غيلان بن خرشة الضبي".
ولستُ متأكدا من المقصود ب " تولاه" هنا, ولكن
أظنها تعني امتلاك حقوقه والسيطرة عليه.
وعلى كل حال فإن عثمان لم يرَ نفسَه مضطراً الى شرح
أسباب عزله لأبي موسى الأشعري واكتفى بان كتب له " اني لم أعزلك عن عجز ولا خيانة ... واني لأعرف فضلك وانك
من المهاجرين الأولين ولكني أردتُ أن أصل قرابة عبد الله بن عامر..." كما ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عساكر في تاريخ دمشق.
رابعاً
: تعيين عبد الله بن سعد بن ابي السرح واليا على مصر[30]
هو عبدالله بن سعد بن أبي السرح القرشي
العامري . وهو
أخو عثمان بن عفان من الرضاعة.
خلفية ابن ابي السرح
من
الضروري التذكير بأن هذا الشخص كان من أخبث رجالات قريش منذ القدم. فبخلاف غيره من
سادة قريش الذين رفضوا دعوة محمد(ص) وحاربوه علناً وبكل صراحة, فضّل هو محاربة
محمد(ص) بطريقةٍ أخبث وألأم! فقد تظاهر بالإيمان بدعوة محمد(ص) وهو مستضعفٌ في مكة, وتقرّب منه إلى أن جعله من
الذين يكتبون الوحي القرآني. وبعد ذلك ارتدّ وعاد إلى إخوانه في قريش ليقولَ لهم
إن محمدا(ص) كذاب وليس نبيّا : " ما يدري ما يقول! إني لأكتب له ما شئت! "
وليس هناك اختلافٌ يُذكر بين أصحاب السير والحديث والاخبار حول سيرة ابن
ابي السرح. فمثلاً قال عنه ابن اسحق,
صاحب السيرة , كما يروي ابن هشام " أنه قد كان أسلم , وكان يكتب
لرسول الله(ص) الوحي , فارتدّ مشركاً راجعاً إلى قريش" وذكر ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمته " وكان يكتب الوحي لرسول الله (ص) ثم ارتدّ مشركاً وصار
الى قريش بمكة فقال لهم : اني كنتُ أصرف محمداً حيث أريد. كان يملي علي عزيز حكيم
فأقول : أو عليم حكيم . فيقول : نعم كلٌ صواب!" وقال الواحدي في أسباب
النزول, وقريبٌ منه ما رواه الحاكم
النيسابوري في المستدرك على الصحيحين , أن الآية (ومن قال
سأنزل مثل ما أنزل الله) قد أنزلت فيه , وذلك
حين دعاه رسول الله (ص) ليكتب له آية خلق الإنسان حيث قال : " لئن كان
محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه, ولئن كان كاذبا لقد قلتُ كما قال . وارتدّ عن الإسلام"
وروى الواقدي في كتاب المغازي أن ابن
أبي السرح ارتدّ ورجع ليقول لقريش " ما كان يعلّمه إلاّ ابن قمّطة , عبدٌ
نصرانيٌ. قد كنتُ
أكتب له فأحوّلُ ما
أردتُ. فأنزل الله عز وجل ( ولقد نعلم أنهم
يقولون إنما يعلمه بشر. لسان الذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيّ مبين)"[31]
وبسبب
هذا الدور الدعائي الحقير الذي لعبه ابن أبي السرح, قرر الرسول(ص) إعدامه يوم فتح
مكة : روى ابن عساكر" قال رسول الله(ص): مَن وجد ابن أبي
السرح فليضرب عنقه, وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة"
وقد كان المسلمون حريصين جداً على تنفيذ الأمر النبوي بقتله, لولا أنّ
عثمان بن عفان خبّأه ثم أتى به إلى النبي(ص) فجأةً ليشفعَ له, فألحّ عليه كثيرا
إلى أن أحرجه فتركه وأعرضَ عنه.
وقد ورد في سنن النسائي وسنن أبي
داود, واللفظ للأول," لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله(ص) الناسَ إلاّ أربعة نفرٍ وامرأتين وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم
متعلقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل, عبد الله بن خطل, مقيس بن صبابة وعبد
الله بن سعد بن أبي السرح. فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة
فاستبقَ إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر, فسبق
سعيدٌ عماراً وكان أشبّ الرجلين فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه
الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر ........ وأما عبد الله بن سعد بن
أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله(ص) إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على
النبي(ص).
قال : يا رسول الله بايع عبدَ الله!
قال : فرفعَ رأسَه فنظرَ إليه ثلاثاً, كلّ ذلك يأبى.
فبايعه
بعد ثلاث.
ثم
أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ يقوم إلى هذا حيث رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا : وما
يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ هلاّ أومأتَ إلينا بعينك؟
وبالرغم من طريقة إسلامه هذه إلاّ أن ابن ابي السرح لم يعدم مَن يتعاطف معه
على قاعدة " عفا الله عما سلف" , ومن هؤلاء ابن
عبد البر الذي قال عنه في الاستيعاب" حسُنَ إسلامه , فلم يظهر
منه شيء ينكر عليه بعد ذلك. وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش"
عزل
عمرو بن العاص
ورغم هذه الخلفية الحافلة لابن أبي السرح, لم يرَ الخليفة بأساً في تعيينه
في منصب رفيع جداً وحساس.
ففي
مصر عيّن عثمانُ عبدالله بن سعد بن أبي السرح حاكماً بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص عام 25
للهجرة[33]
والذي حدث أن عمرو بن العاص , الداهية والسياسي والقائد المشهود له, قد
تعرّض إلى نكسة شديدة في عهد عثمان بن عفان. فقد أسفر صراعٌ باطنيّ, طويلٌ ومُضنٍ,
بين عمرو بن العاص ورجلٍ يماثله في الخلق: عبد الله بن أبي السرح, على أرض مصر ,
قِوامُه المكائد والوشايات, عن انتصار الأخير, الذي لا شكّ استغلّ علاقته الوطيدة
بالخليفة ,وكونه أخاه بالرضاعة. فقام عثمان بعزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر
وتعيين ابن أبي السرح مكانه.
وكان عزل عمرو عن ولاية مصر قد تم على مرحلتين : الأولى كفّ يده عن مالية
البلاد وتسليمها لابن ابي السرح. وطبعا لن يستقيم أمر البلاد برأسين متنافسين ولا
بد من إطاحة أحدهما . قال ابن الاثير
في الكامل ضمن كلامه عن سنة 27 " في
هذه السنة عُزل عمرو بن العاص عن خراج مصر, واستُعمِل عليه عبد الله بن سعد بن ابي
سرح, وكان أخا عثمان من الرضاعة. فتباغيا. فكتب عبد الله الى عثمان يقول : ان عمرا
كسر عليّ الخراج. وكتب عمرو يقول: ان عبد الله قد كسر عليّ مكيدة الحرب.
ولكن ابن عبد البر في الاستيعاب
يذكر سبباً مباشراً لعزل ابن العاص " في سنة 25 انتقضت الاسكندرية ,
فافتتحها عمرو بن العاص , وقتل المقاتلة وسبى الذرية. فأمر عثمانُ بردّ السبي
الذين سُبوا من القرى , ولم يصح عنده نقضهم. وعزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن
سعد بن ابي السرح[35]"
وأنا لا أظن أن عثمان قد عزل ابن العاص عن ولاية مصر بسبب خطأ إداريّ معيّن
كما توحي بذلك هذه الرواية الاخيرة لابن عبد البر وابن حبان واليعقوبي , بل
المرجّح أن عثمان أراد حاكماً لمصر يدين له شخصياً بالولاء والطاعة, فكان ابن أبي
السرح هو الحل. فابن أبي السرح يدين بحياته كلها لعثمان الذي أنقذه من حكم الإعدام
الذي كان النبي(ص) قد أصدره عليه, وإخلاصه لشخص عثمان لن تشوبه شائبة.
أو لعل ما صنعه عمرو بن العاص في سبي الاسكندرية كان ذريعة اتخذها عثمان
لتبرير قراره الذي كان مضمراً في نفسه.
وأما سيف بن عمر فإن روايته لتعيين ابن ابي السرح تصل درجة من السخف
تجعلها لا تستحق البحث الجدي. وفيما يلي ملخصها كما روى ابن عساكر في تاريخ دمشق : وحسب قول سيف فإن المسألة كلها سببها ذلك الشخص اليهودي
الشيطاني عبد الله بن سبأ! فابن سبأ قد رسَمَ لأتباعه في مصر,
وخاصة سودان بن حمران والغافقي وكنانة بن بشر, خطة جهنمية لزعزعة الأوضاع فيها.
فقرر لهم أن يطعنوا في الوالي عمرو بن العاص ويكثروا الشكوى منه وأن يطالبوا
بتعيين عبد الله بن أبي السرح مكانه! وأنهم نفّذوا تلك الخطة إلى أن نجحوا في
مسعاهم لدى عثمان بن عفان على خطوتين : فأولاً
عيّن عثمانُ ابن أبي السرح على الخراج واستبقى عمراً على الصلاة بالناس . فسعى أتباع ابن سبأ
بالإفساد بين ابن أبي السرح وابن العاص وأغروهما ببعضهما البعض! إلى أن نجحوا
ثانياً وأخيراً
في إقناع الخليفة, بناء على إصرارهم, بتعيين عبد الله ابن أبي السرح والياً مطلقاً
على مصر!
واقتبس ابن كثير في البداية والنهاية
جوهر الرواية وذكرها بدون سند ودون التصريح باسم عبد الله بن سبأ بل استبدله بلفظة
(الخوارج) فقال عن عزل عمرو وتولية ابن ابي سرح" وكان سبب ذلك ان الخوارج
من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص, مقهورين معه لايستطيعون أن يتكلموا
بسوء في خليفة ولا أمير. فما زالوا حتى شكوه الى عثمان لينزعه عنهم ويولي عليهم من
هو ألين منه . فلم يزل ذلك دابهم حتى عزل عمراً عن الحرب وتركه على الصلاة, وولى
على الحرب والخراج عبد الله بن سعد بن ابي سرح. ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع
بينهما , حتى كان بينهما كلامٌ قبيح. فأرسل عثمان فجمع لابن ابي سرح جميع عمالة
مصر , خراجها وحربها وصلاتها. وبعث الى عمرو يقول له : لا خير لك في المقام عند من
يكرهك"
خامساً
: توسيع ولاية معاوية بن ابي سفيان[36]
في الشام وسّعَ عثمان صلاحيات معاوية, وهو واحدٌ من بني
عمومته من بني أمية, وزاد في ولايته وجعلها تشمل كل بلاد الشام , دمشق
وحمص والأردن وفلسطين وأضاف لها الجزيرة, بعد أن
كانت تقتصر على دمشق , أو بعض الشام بتعبير آخر, أيام عمر.
قال ابن كثير
في البداية والنهاية ان يزيد بن ابي سفيان هو أول من تولى إمرة دمشق من المسلمين
وذلك في زمن عمر , بعد أن كان أبو بكر قد وعده بذلك حين أرسله قائداً لأحد الجيوش
الأربعة التي بعثها لفتح الشام, ولكنه توفي في طاعون عمواس القاتل" ولما
مات كان قد استخلف أخاه معاوية على دمشق. فأمضى عمر بن الخطاب له ذلك"
وذكر الطبري
في تاريخه اسماء عمال عمر بن الخطاب على الولايات عند وفاته في أواخر سنة23
للهجرة. وكان منهم " وعلى حمص عمير بن سعد[37],
وعلى دمشق معاوية بن ابي سفيان"
وكذلك روى ابن حبان
في كتاب الثقات عن عمال عمر لدى وفاته "وعلى حمص أعمالها عمير بن سعد
الضمري, وعلى دمشق معاوية بن ابي سفيان"
وقال اليعقوبي في
تاريخه عن عمال عمر لدى فاته " وعمير بن سعد الانصاري
على حمص , ومعاوية بن ابي سفيان على بعض الشام"
وقال ابن سعد في
الطبقات الكبرى عن معاوية " ولاه عمر بن الخطاب دمشقَ عملَ أخيه يزيد بن
ابي سفيان حين مات يزيد. فلم يزل والياً لعمر حتى قتل عمر رضي الله تعالى عنه . ثم
ولاه عثمان بن عفان ذلك العمل وجمع له الشامَ كلها"
وروايات البلاذري
في كتابه فتوح البلدان تفيد بأن عمير بن سعد كان قد تولى حمصَ والجزيرة لعمر بن
الخطاب, وذلك بعد أن توفي واليها السابق عياض بن غنم الذي كان له دور بارز في فتح
منطقة الجزيرة. فقام عثمان بضم كل ذلك الى عمل معاوية.
والظاهر أن ولاية الشام قد استقرت أيام عمر بن الخطاب
على اقليمين : جنوبيٌ ومركزه دمشق برئاسة معاوية ويشمل الاردن وفلسطين وجزء من
لبنان, وشماليٌ مركزه حمص برئاسة عمير بن سعد الانصاري ويشمل قنسرين والرقة وكل
منطقة الجزيرة . روى الذهبي في سير
أعلام النبلاء عن الزهري " نزع عثمان عميرَ بن سعد وجمع الشامَ لمعاوية"
وعنه أيضا " لم ينفرد معاوية بالشام حتى استخلف عثمان"
مع العلم أن طلائع جيوش الفتح العربي التي أرسلها
الخليفة أبو بكر الى الشام كانت مقسمة الى أربعة جيوش ولها أربعة اتجاهات : جند
دمشق , جند الاردن, جند فلسطين وجند حمص, وكان لها أربع قادة. ولكن بعد نجاح الفتح
استقرت الولاية على ما ذكرناه.
وثمة ملاحظة هنا : وهي ان معاوية كان هو الوحيد الذي
استبقاه الخليفة عثمان من ولاة عمر بن الخطاب. وهو قام بتغيير عمال كل الولايات
الأخرى ونزع عنها ولاة عمر. والمفارقة هنا ان عثمان كان يحتج على الذين يلومونه
بسبب وضعية معاوية العالية جدا في الدولة بقوله ان عمر قد ولاه! وللسائل أن يسأل :
ان عمر قد ولى أبا موسى الاشعري وعمرو بن العاص وغيرهم , فلماذا استبدلهم عثمان
اذن؟ ان استبقاء معاوية- الاموي- فقط من
بين عمال عمر كان يدعم نظرية كارهي الخليفة الذين قالوا انه أراد أن تسيطر عائلته
على كل مفاصل دولة الاسلام.
وبالاضافة الى توسيع حدود ولاية معاوية, غيّر عثمان
أسلوب التعامل معه عما كان أيام عمر. فبعد أن كان عمر يحكم قبضته على كل كبيرة
وصغيرة من شؤون الحكم في الولايات كلها, لجأ عثمان إلى أسلوب تفويض الصلاحيات إلى
الوالي. وسواء اتخذ عثمان هذا المنحى بسبب ضعفٍ في شخصيته, أم بسبب صعوباتٍ
موضوعية ناتجة عن بُعد المسافات وضخامة حجم الدولة, فالنتيجة واحدة وهي المزيد من
اللامركزية في الإدارة والقرارات.
فتخلص معاوية , أخيراً, من شبح عمر المُهيمن, وأصبح حراً
طليقاً في ولايته الضخمة والغنية. فعدا عن المبلغ السنوي الذي يرسله معاوية من
خراج الشام إلى مركز الخلافة في المدينة, صار معاوية مستقلاً بالفعل فيما يختص
بشؤون الجيوش والإدارة, والتجمعات العربية التي استوطنت الشام, والعلاقة مع أهل
البلاد القدماء ومع دولة الرومان في الشمال.
واستغل معاوية قرابته من عثمان وصلاته العائلية به, في
ترسيخ هيمنته وسيطرته على مقاليد الأمور في الشام. فكان يقول لرعيته إن كل ما يأمر
به ويقرره إنما هو أمر الخليفة وسياسته. ولم تكن هناك قنوات تواصل بين الخليفة في
المدينة وبين الرعية في الشام, إلاّ من خلال معاوية. وبمرور الوقت, أخذ الناس في
الشام يسلمون أن معاوية هو فقط مَن يعبّر عن مؤسسة الخلافة وينطق باسمها, ويمتلك
صلاحية القرار بالنيابة عنها.
وسوف يأتي لاحقاً الحديث عن الدور الذي صار معاوية يلعبه
في أواخر عهد عثمان, وكيف تحوّل الى الرجل القوي في الامبراطورية الاسلامية يلجأ
له الخليفة عثمان عندما يريد أن يؤدب أحداً عارضه أو يقمع خطراً هدده.
سادساً : والي اليمن يعلي بن أمية [38]
وفي اليمن كان رجل عثمان وواليه المخلص هو يعلي بن أمية
( وهو أحياناً ينسبُ الى أمه منية, فيقال له : يعلي بن منية). وعلى الرغم من أنه
لم يكن من أقرباء عثمان , بل كان من قبيلة تميم, إلاّ أنه كان من حلفاء قريش في
مكة. وكان كغيره من ولاة عثمان من الطلقاء ومسلمة الفتح.
روى ابن عبد البر
في الاستيعاب عن المدائني " استعمل أبو بكر الصديق يعلي بن أمية على بلاد
حلوان في الردّة. ثم عمل لعمر على بعض اليمن , فحمى لنفسه حمى فبلغ
ذلك عمرَ , فأمره أن يمشي على رجليه الى المدينة ! فمشى خمسة أيام, أو ستة الى
صعدة, وبلغه موت عمر فركب! فقدم
المدينة على عثمان رضي الله عنه , فاستعمله على صنعاء .
ثم قدم وافداً على عثمان, فمرّ عليٌ على باب عثمان ,
فرأى بغلته جوفاء عظيمة فقال : لمن هذه البغلة؟ فقالوا : هي ليعلي. قال : ليعلي
والله !
وكان عظيم الشأن عند عثمان , وله يقول الشاعر :
إذا ما دعا يعلي وزيد بن
ثابتٍ لأمرٍ ينوب الناسَ أو
لخطوبِ "
وقال عنه ابن الاثير
في اسد الغابة:
" أسلم يوم الفتح. وشهد حنيناً والطائف وتبوك.
..
وهو حليف بني نوفل بن عبد مناف . واستعمله عمر بن الخطاب
على بعض اليمن , واستعمله عثمان على صنعاء.
وقدم على عثمان, فمرّ علي بن ابي طالب على باب عثمان
فرأى بغلة جوفاء عظيمة , فقال : لمن هذه البغلة ؟ قالوا : ليعلي. قال : ليعلي
والله!
وكان ذا منزلة
عظيمة عند عثمان"
وقول علي " ليعلي والله" هو من قبيل الاستهجان
والاستنكار لمنزلة ذلك الطليق الرفيعة عند الخليفة.
ورغم تصريح ابن الاثير أنه شهد غزوات حنين والطائف وتبوك
مع النبي(ص) بعد فتح مكة, إلاّ أن هناك ما يشير الى أنه كان يفعل ذلك مداراة, وانه
كان يتحين الفرص والأعذار للتخلف ما أمكنه ذلك. ومن ذلك ما ذكره الكاندهلوي في حياة الصحابة عن البيهقي " ان
يعلي بن منية رضي الله عنه قال : أذن رسول الله (ص) بالغزو , وأنا شيخ كبير ليس لي
خادم , فالتمستُ أجيراً, وأجري له سهمه, فوجدتُ رجلاً ..."
فكيف يكون يعلي شيخاً كبيراً بينما كان له دور ملحوظ في
حرب الجمل بعد حوالي 25 عاماً ؟ وكيف يكون بلا خادم وهو يقول انه استأجر رجلاً
ليذهب مكانه للغزو مع النبي(ص)؟
وسوف يأتي الحديث عن دوره في التحضيرات لحرب الجمل لاحقاً.
وهناك رواية تقول بأن يعلي بن منيه
كان هو بالذات سببا في محاولة اغتيال تعرض لها عثمان بن عفان في السابق نتيجة
لظلمه للناس. فقد جاء في تاريخ المدينة المنورة لابن
شبة النميري أن رجلا أراد قتل عثمان بالخنجر فكمن له ولكنه فشل في
محاولته وقبض عليه , ولما سأله عثمان عن السبب الذي دفعه لذلك أجابه"
ظلمني عاملك باليمن" فأمر به عثمان فبقي في الحبس حتى مات.
ورغم أني لم أجد هذا الخبر في مصدر آخر, إلاً أن علاقة
يعلي الوطيدة الوطيدة بالخليفة هي أمر مؤكد, وكذلك اغتناؤه من منصبه الرفيع في
زمان عثمان. وقد أشار معاوية بن أبي سفيان في رسالة منه الى يعلي بعد مقتل عثمان
أن من المآخذ التي عيبت على عثمان تعيينه يعلي على اليمن لفترة طويلة. وفيما يلي
نص الرسالة كما ذكرها ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة :
"وكتب
إلى يعلى بن أمية : حاطك الله بكلاءته ، وأيدك بتوفيقه . كتبت إليك صبيحة ورد على
كتاب مروان بخبر قتل أمير المؤمنين ، وشرح الحال فيه . وإن أمير المؤمنين طال به
العمر حتى نقصت قواه ، وثقلت نهضته ، وظهرت الرعشة في أعضائه ، فلما رأى ذلك أقوام
لم يكونوا عنده موضعا للإمامة والأمانة وتقليد الولاية ، وثبوا به ، وألبوا عليه ،
فكان أعظم ما نقموا عليه وعابوه به ، ولايتك اليمن وطول مدتك عليها . ثم
ترامى بهم الامر حالا بعد حال ، حتى ذبحوه ذبح النطيحة.....
واعلم يا بن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء
لاستنطاف ما حوته يداك من المال ، فاعلم ذلك واعمل على حسبه ..."
وكان جواب يعلي "وكتب إليه يعلى
بن أمية : إنا وأنتم يا بنى أمية كالحجر لا يبنى بغير مدر ، وكالسيف لا يقطع إلا
بضاربه . وصل كتابك بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها
الموت لينحرن ذابحه نحر البدنة وافى بها الهدى الاجل ! ثكلتني من أنا ابنها إن نمت
عن طلب وتر عثمان ، أو يقال : لم يبق فيه رمق ! إني أرى العيش بعد قتل عثمان مرا ،
إن أدلج القوم فإني مدلج ، وأما قصدهم ما حوته يدي من المال ، فالمال أيسر مفقود
إن دفعوا إلينا قتلة عثمان ، وإن أبوا ذلك أنفقنا المال على قتالهم ، وإن لنا ولهم
لمعركة نتناحر فيها نحر القدار النقائع ، عن قليل تصل لحومها ..."
*****
كلمة
بشأن أهلية وكفاءة ولاة عثمان[39]
لا بد من الاشارة الى خطأ يقع فيه الكثيرون, ممن تدهشهم وتثير استنكارهم
قرارات الخليفة عثمان بتعيين أقربائه اللصيقين الذين بعضهم شبانٌ بلا خبرة في تلك
المناصب المهمة. والخطأ يتمثل في القفز للاستنتاج بأن هؤلاء الولاة كانوا مجموعة
من التافهين وعديمي الكفاءة الذين انصرفوا الى اللهو والدعة. وربما يكون في بعض سلوكيات وممارسات هؤلاء
الولاة, وخاصة الوليد بن عقبة, ناهيك عن تحدرهم من العائلة الأموية الغنية
والارستقراطية, ما يدفع الى ذلك الاستنتاج.
ولكن ذلك الاستنتاج ليس صحيحاً .
فإذا تجاوزنا النظر الى الأمور من الزاوية الدينية الشرعية المحضة, أو
الأخلاقية والروحية, سنجد أن عمال عثمان هؤلاء كانوا في الحقيقة أصحاب قدرات
قيادية مميزة . بل أكثر من ذلك انهم يستحقون الثناءَ والتقريظ على نجاحهم في قيادة
الجيوش والقوات, وإدارة الرجال والمقاتلين, وقوتهم في مواجهة أشرس الأعداء
والانتصار عليهم في الميدان, وعلى جرأتهم وذكائهم .
فرغم فساد أخلاقه وسوء سلوكه, إلاّ أنه لا ينبغي الاعتقاد بأن الوليد بن
عقبة بن ابي معيط كان رخواً أو متقاعساً عن أداء مهام منصبه الأساسية. فهو كان
يقوم بمسؤولياته في تنظيم القوات ومتابعة الفتوحات. وهو قاد الجيش
الذي هاجم آذربيجان وأرمينيا سنة 26 للهجرة وعاد من هناك ظافراً بعد أن هزمت قواته أهلها , كما ذكر الطبري
في تاريخه. فالوليد كان له سهمٌ ظاهرٌ في
الفتوح وقتال الأعاجم. وروى البلاذري في فتوح البلدان
أن الوليد بن عقبة لما تولى " غزا الديلمَ مما يلي قزوين , وغزا اذربيجان,
وغزا جيلان وموقان, والبير, والطيلسان"
وبشأن سعيد بن العاص, ذكر ابن عبد البر
في الاستيعاب وابن الاثير في
أسد الغابة :
" استعمله عثمان على الكوفة. وغزا بالناس
طبرستان فافتتحها . ويقال انه افتتح أيضا جُرجان في زمن عثمان سنة 29 أو سنة 30"
وروى البلاذري في فتوح البلدان ان سعيد
بن العاص أيضا " غزا الديلمَ ومصّرَ قزوين, فكانت ثغرَ أهل الكوفة وفيها
بنيانهم"
وأما عبد الله بن عامر فقد قال عنه ابن الاثير في أسد الغابة " افتتح
خراسان كلها, وأطرافَ فارس وسجستان وكرمان وزابلستان, وهي أعمال غزنة. أرسل
الجيوشَ ففتح هذه الفتوح كلها. وفي ولايته قتل كسرى يزدجرد, فأحرم ابن عامر من
نيسابور بعمرة وحجة شكر الله عز وجل على ما فتح عليه"
وكذلك فإن عبد الله بن سعد بن أبي السرح,
كانت له صولات وجولات في الغزو والقتال. وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق تفاصيل حملاته التي نوجزها كما يلي :
فهو قاد الجيش الذي توغّل في إفريقية سنة 27
للهجرة حتى وصل القيروان وعاد ظافراً.
ثم إنه غزا
النوبة والسودان والحبشة سنة 31 للهجرة
كما انه كان
قائد غزوة ذات الصواري البحرية العظيمة التي ألحق فيها المسلمون هزيمة مدوّية
بالرومان وأسطولهم البحري سنة 34 للهجرة.
وقال عنه ابن الاثير
في اسد الغابة " ... وكان على ميمنة عمرو بن العاص لما افتتح مصر وفي
حروبه هناك كلها
.... ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة 25 , ففتح الله على
يديه افريقية, وكان فتحاً عظيماً بلغ سهم الفارس ثلاثة آلآف مثقال ذهباً وسهم
الرجل ألف مثقال
... وغزا عبد الله بن سعد بعد افريقية الاساود من أرض
النوبة سنة احدى وثلاثين وهو الذي هادنهم الهدنة الباقية الى اليوم
وغزا غزوة الصواري في البحر الى الروم "
واما معاوية بن ابي سفيان فقد كان مشاركاً في حركة الفتوحات في
الشام منذ بداياتها , وخبرته في هذا المجال طويلة. ومؤهلاته وقدراته الفذة في
القيادة والادارة والتخطيط مشهورة ومعروفة.
فولاة عثمان هؤلاء كانت لهم مهمة أساسية أرسلهم عثمان لتنفيذها وهي متابعة
حركة الفتوحات التي كانت أيام عمر بن الخطاب. ويبدو أن هذا كان معيار النجاح
والفشل بنظر الخليفة. وهم كانوا يدركون ذلك فصرفوا جهدهم في اتجاه الحملات
العسكرية التي كانوا يباشرونها بأنفسهم حيناً وعن طريق قادة يختارونهم أحياناً
أخرى.
وعلى الصعيد الشخصي , وبعيداً عن مقاييس التقوى والورع والايمان, كان هؤلاء
أهل كفاية وثقافة. فالوليد بن عقبة كان شاعراً وصاحب بلاغة وقوي الشكيمة. وسعيد بن
العاص كان كذلك فصيحاً الى الحد الذي جعل عثمان يضمه الى لجنة نسخ المصحف. وابن
عامر كان كريماً وقوي الشخصية. وكان ابن ابي السرح ذكياً ومتعلماً وقوياً.
والعائلة الأموية باجمالها كانت متعلمة وغنية وذات نفوذ قديم . فلا عجب أن
يكون أبناؤها مؤهلين للمناصب القيادية.
وسوف تثبت مجريات الأحداث كيف كان هؤلاء فعّالين ومؤثرين في الصراع الكبير
الذي خاضوه ضد الامام علي بقيادة معاوية.
لقد كان بنو أمية على أتم استعداد وجاهزية لاهتبال الفرصة الذهبية التي
يوفرها لهم الخليفة عثمان. فتِحت الأبواب أمامهم وأشرعت للوصول إلى قمة الهرم
ومفاصل الحكم والإدارة في الدولة, ولم يكونوا في وارد إضاعة هذه الفرصة الثمينة
التي ربما لا تتكرر. وكانت القيادات الأموية من العناصر الشابة, الذكية والقوية,
تعلم أن شيخها لن يدوم لها طويلاً. فعثمان رجلٌ عجوز وبالتالي ينبغي التصرف بسرعة
وتركيز من أجل تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الموارد اللامحدودة والهائلة التي
تتدفق على خزينة الدولة , والتي أصبحت فعلياً بين أيديهم. ونجح الأمويون , وبالأخص
معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم, في السيطرة تماماً على أجهزة الحكم في
الدولة : الإدارية والتنظيمية والعسكرية , وقاموا ببناء شبكة واسعة من "
قيادات الصف الثاني " المرتبطة مصلحياً وعضوياً بهم, لتعمل معهم وفي خدمتهم.
وفي كل بلاد المسلمين , أوجدَ الأمويون طبقة تدين لهم بالولاء ولا ترى مستقبلها
إلا معهم ولا تعرف رؤساء لها سواهم. وسواء اتفق الخليفة مع مخططات
وطموحات القيادات الأموية أم لم يتفق, فإن قدرة هؤلاء مؤكدة على ترويض عثمان, إن
هو أبدى بعض التحفّظ والممانعة في الانسياق وراء تحقيق الأحلام الأموية. وذلك الذي
حدث. فقد تمكن الاتجاه الأموي من شلّ الخليفة والاستحواذ على القرار بشكل كامل.
ولذلك كله لم يتورع مروان بن الحكم
, في أواخر أيام عثمان من قولها علانية : إنه المُلك
الأمويّ الصريح!
فقد
قال مروان أمام حشود المتمردين من أهل الكوفة والبصرة ومصر :
"
جئتم تريدون أن تنزعوا مُلكنا
من أيدينا . أخرجوا عنا. أما والله لئن رمتمونا ليمرّنّ عليكم أمر يسؤكم. ولا
تحمدوا غبّه. ارجعوا إلى منازلكم: فوالله ما نحن مغلوبين على ما بأيدينا"[40]
فبنظر
مروان فإن دولة بني أمية قد قامت بالفعل , وهو ونظراؤه لن يفرطوا بها!
وبعد ذلك, أنا
لا أستبعد أن تكون رواية ابن أبي الحديد والمقريزي
صحيحة :
" قال أبو
سفيان في أيام عثمان , وقد مرّ بقبر حمزة, وضرَبَه برجله وقال : يا أبا عمارة : إن الأمر
الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به"[41]
فقولٌ كهذا ليس
غريباً على شخصية أبي سفيان.
[1] مصادر هذا البحث : الطبقات
الكبرى لابن سعد ( ج5 ص15-17), تاريخ الطبري (ج3 ص302-303), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص163), الاستيعاب في معرفة
الاصحاب لابن عبد البر (ص 461), أسد
الغابة لابن الأثير ( ج3 ص342-343),
البداية والنهاية لابن كثير (ج7 ص167),
والمنمق في أخبار قريش لمحمد بن حبيب
البغدادي (ص
395).
[2] مصادر هذا البحث : الطبقات
الكبرى لابن سعد ( ج3 ص64), تاريخ
المدينة المنورة لابن شبة (ج3 ص1092),
الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص50),
تاريخ الطبري (ج3 ص314 , ص382), أنساب
الأشراف للبلاذري (ج6 ص137 وص
208-209), تاريخ اليعقوبي ( ج2 ص164,
166, 168, 173), الاستيعاب في معرفة الاصحاب لابن
عبد البر (ص 453), أسد الغابة لابن
الأثير (ج2 ص34, ج3 ص116), شرح
نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ج1
ص198-199), تاريخ
دمشق لابن
عساكر
(ج57
ص 244) ,تاريخ الخلفاء للسيوطي (
ص187), الاصابة لابن حجر العسقلاني (ج4
ص5), سير أعلام النبلاء للذهبي (ج2
ص108, ص482) وكنز العمال للمتقي الهندي
(ج5 ص714) والكامل في التاريخ لابن الاثير
( ص372-373) ,مسند أحمد بن حنبل (ج1
ص64), السيرة
النبوية لابن هشام (ج2 ص 57), كتاب الجمل للشيخ المفيد
(ص97) ,و كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي
(ج
2 - ص 370 – 371)
[3] والعديد من المصادر ذكرت أن عائشة قالت نفس هذه العبارة
لمروان أثناء خلافه من أخيها عبد الرحمن . ومنهم ابن
الاثير في أسد الغابة وقال: ان القصة مشهورة.
[4] وروى نفس هذا النص
السيوطي في تاريخ الخلفاء نقلاً عن ابن سعد , مع استبدال عبارة "
خمس مصر " بعبارة " خمس افريقية"
وذكر المتقي الهندي
, وهو من أصحاب الحديث, في كنز العمال أن عثمان " كتب لمروان بخمس مصر, وأعطى
أقرباءه المالَ وقال : ان أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما . واني أخذته
فقسمته في أقربائي ". وهذه نفس رواية ابن سعد.
[5] وهذه الرواية تذكر اسم زيد بن أرقم كخازن بيت المال الذي
اختلف مع عثمان. وقد ورد سابقاً أنه عبد الله بن أرقم. فربما حصل لبس لدى ابن ابي
الحديد.
[6] مصادر هذا المبحث : مسند أحمد بن حنبل (ج1 ص62), الطبقات الكبرى لابن سعد ( ج3 ص66 , ج5 ص45), تاريخ المدينة
المنورة لابن شبة (ج3 ص1099), الامامة
والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص46), تاريخ الطبري (ج3 ص382), العقد الفريد لابن عبد ربه (5 ص55), أسد الغابة لابن الأثير ( ج3 ص380), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج32 ص82, ج39 ص253)
كما روى هذا الحديث بتمامه, عن سالم بن ابي الجعد, أحمد بن حنبل في مسنده وابن الاثير في اسد الغابة , ولكن بدون عبارة
" والله لأعطينهم ولأستعملنهم على رغم أنف من رغم " في آخره.
[10] مصادر هذا البحث : البداية
والنهاية لابن كثير (ج7 ص174 ), تاريخ الطبري (ج3 ص307, ص311-312, ص325, ص327-330),
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص)184(, الامامة والسياسة لابن قتيبة )ج1 ص50(, التاريخ الصغير للبخاري )ج1 ص117(, أسباب النزول للواحدي (ص 236 + ص261), الاستيعاب لابن عبد البر (ص751-753 + ص762), سيرة ابن هشام )ج3 ص300(, تاريخ دمشق لابن عساكر (ج63 ص220 ,ص235,ص239, ص242-244, ص250), أنساب الأشراف للبلاذري (ج6 ص141 , ص146), الاصابة لابن حجر العسقلاني )ج6 ص482(, صحيح مسلم (كتاب الحدود) ص657, تاريخ اليعقوبي
)ج2 ص165(, تفسير ابن كثير (ج3 ص460 + ج4 ص224), سير اعلام
النبلاء للذهبي )ج3 ص174(, فقه السنة لسيد سابق )ص174(, الكامل في التاريخ لابن الاثير )ص371(, المستدرك على الصحيحين للحاكم النسيابوري )ج3 ص101(, فتح الباري لابن حجر العسقلاني )ج7 ص45(, شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ج17 ص230-236), تاريخ المدينة
المنورة لابن شبة (ج3 ص972-975 )ومسند أحمد بن حنبل ( ج1 ص82 , ص144).
[11] وهناك مَن يطعن في صحة نسبه : فتوجد رواياتٌ تقول ان أبا
عمرو , واسمه ذكوان, لم يكن في الحقيقة ابناً لأمية , بل كان عبداً له فاستلحقه
وتبناه. ولكن ليس هذا الموضوع هنا.
وبالاضافة الى كونه من أبناء عمومة عثمان, كان الوليد
أيضاً أخاه من أمه, وهي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
[12] وقد روى أصحاب السير والحديث
أخباراً شنيعة جداً بشأن ممارسات عقبة بحق النبي(ص) في مكة. وبالامكان مراجعتها في
مصادرها.
[13] وقد كان قبل ذلك متصلباً في عدائه للاسلام الى حد أنه
حاول رد أخته أم كلثوم بنت عقبة الى مكة, بعد أن كانت قد أسلمت وهاجرت بعد صلح
الحديبية. فقدم هو وأخوه عمارة الى المدينة وطالبا النبي(ص) بتسليمهما إياها, ولكن
النبي(ص) رفض وردهما خائبين. روى ذلك ابن هشام
في سيرته.
[14] ومن هؤلاء الإمام البخاري الذي قال في
التاريخ الصغير أن الآية (رقم
6 من سورة الحجرات ) نزلت
في الوليد
وقال ابن عبد البر
في الاستيعاب " ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن , فيما علمتُ, أن
قوله تعالى (إن جاءكم فاسقٌ بنبأ) نزلت في الوليد بن عقبة"
ويمكن
مراجعة تفسير ابن كثير وأيضا الواحدي في أسباب النزول للاطلاع على تفاصيل
الحادثة المشينة التي كان بطلها الوليد بن عقبة الذي خان الامانة وتعمد الكذب على
رسول الله (ص) من أجل الاضرار ببني
المصطلق الذين كان بينه وبينهم عداوة قديمة. وقد فضحه القرآن ونعته بالفاسق.
[16] وقد أخطأ ابن
كثير في تفسيره حين قال" وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما
انها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط" لأنه وجّه سبب النزول
الى عقبة بن ابي معيط, بدلا من ابنه الوليد! ولكن ما ذهب اليه الواحدي وابن
عساكر هو الاصح , ولعدة أسباب : فعقبة بن ابي معيط أعدم بأمر النبي(ص)
بعد أن أسر يوم بدر, وبالتالي لا تنطبق عليه تماماً صفة الفاسق المذكورة في الآية.
فهو كافر ومشرك بلا لبس ولم يدخل الاسلام يوما حتى يقال له فاسق, بخلاف ابنه
الوليد. كما أن فارق السن بين علي بن ابي طالب وعقبة بن ابي معيط كبير جدا لدرجة
تجعل من المستبعد أن يخوضا جدالا من أي نوع. فعقبة كان كبيرا وكان يتصدى للنبي (ص)
ذاته . واما الوليد فكان عدوه الرئيسي علي.
[18] وقال ابن حجر
في فتح الباري ان عثمان عزل سعد بن ابي وقاص واستبدله بالوليد" وكان سبب
ذلك ان سعدا كان أميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال . فاقترض سعدٌ منه
مالاً . فجاءه يتقاضاه, فاختصما. فبلغ عثمانَ فغضب عليهما وعزل سعداً , واستحضر
الوليد – وكان عاملاً بالجزيرة على عسر بها – فولاه الكوفة. وذكر ذلك الطبري في
تاريخه"
وهذه الرواية ظاهرها ان الخلاف كان أساساً بين ابن مسعود وسعد وان عثمان حل
الإشكالية بينهما , وكان الوليد هو الحل!
[19] وحادثة
صلاته
بالمسلمين الصبحَ
أربعَ
ركعات وهو مخمور, وأنه
قال لهم لما نبهوه : هل أزيدكم, مذكورة في كل كتب التاريخ. ومنها مثلاً : تاريخ الخلفاء للسيوطي, وحتى أن الشيخ الفقيه سيد سابق ذكرها في كتابه المشهور "فقه
السنة".
[20] وأمام ثبوت صحة الرواية لم يجد ابن كثير بداً من الاعتراف بحادثة صلاة الوليد
بالناس مخموراً وشهادة الشهود عليه ولكنه أخرجها في البداية والنهاية باختصار شديد
وأشار إلى أن عثمان أمر بجلده.
وقد أخرج ابن شبة في تاريخ
المدينة نفس رواية ابي ساسان التي في صحيح مسلم,
مع زيادة تنسب لعلي تعنيفه ابنه الحسن لرفضه تنفيذ الجلد .
[21] ووردت نفس الرواية مرة اخرى في مسند احمد عن حضين بن المنذر بن الحرث بن وعلة,
ولكن في مقدمتها " ان الوليد بن عقبة صلى بالناس الصبح أربعاً ثم التفتَ
اليهم فقال : أزيدكم؟ "
[22]كما روى ابن شبة في
تاريخ المدينة أيضا الشعر الذي قاله الحطيئة بتلك المناسبة, وفيه اختلافات طفيفة.
كما روى عن خالد بن سعد أبياتاً قالها صديقه المقرب ابو زبيد الطائي "
وكان نديما للوليد وكان نصرانيا"
وقال ابن عساكر
في تاريخ دمشق ان الناس قد زادوا البيتين التاليين الى شعر الحطيئة :
نادى
وقد تمّت صلاتهم أأزيدكم؟
ثمِلاً وما يدري
ليزيدهم
خبراً ولو فعلوا لأتت
صلاتهم على العشر
وهذا كله يدل على اشتهار حادثة
صلاة الوليد بن عقبة بالناس وهو سكران وذيوعها, حتى أصبحت مثار تندّر
"تكلم في الصلاة وزاد فيها علانية وجاهر بالنفاقِ
ومجّ الخمرَ في ستر المصلى ونادى والجميع الى افتراقِ
أزيدكمُ على أن تحمدوني فما لكم وما لي من خلاقِ"
[25] مصادر هذا البحث : الطبقات
الكبرى لابن سعد (ج4
ص95-97 و ج5 ص32 ) , شرح نهج البلاغة لابن
ابي الحديد (ج17 ص242 و ج2 ص 59 و ج16
ص188), الاستيعاب لابن عبد
البر (ص 272 + ص753), أسد الغابة لابن
الاثير (ج2 ص310 ), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج21 ص114 ), تاريخ الطبري
(ج3 ص364) و كنز العمال للمتقي الهندي (ج5
ص623 ) ومروج الذهب للمسعودي (ج2 ص265)
[27] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
[29] مصادر هذا البحث : اسد
الغابة لابن الاثير (ج3 ص191),
الاستيعاب لابن عبد البر (ص427), تاريخ خليفة بن
خياط (ص116), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص166), تاريخ الطبري (ج3 ص321), الطبقات الكبرى لابن
سعد (ج5 ص45) , تاريخ دمشق لابن عساكر
(ج32 ص82 ) و فتوح البلدان للبلاذري (ج2
ص441).
[30] مصادر هذا البحث: السيرة
النبوية لابن هشام (ج4 ص44), أسد
الغابة لابن الاثير (ج3 ص173), أسباب
النزول للواحدي (ص148), المستدرك على الصحيحين للحاكم
النيسابوري (ج3 ص45) و (ج2 ص54), كتاب المغازي
للواقدي (ج1 ص74), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج29
ص32-33-34) و( ج39 ص301), الاصابة لابن حجر العسقلاني
(ج4 ص95), البداية والنهاية لابن كثير
(ج7 ص190) , سنن
النسائي (ج7
ص106 ), سنن
أبي داود (ج1
ص127), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج2
ص141), الاستيعاب لابن عبد
البر (ص435), الكامل لابن الاثير
(ص372), تاريخ
الطبري (ج3 ص315), كتاب الثقات لابن
حبان (ج2 ص244), تاريخ اليعقوبي
(ج2 ص164).
[32] سنن النسائي . وسنن أبي
داود , باب قتل الأسير لا يعرض عليه الإسلام. وكذلك روى ابن عساكر في تاريخ دمشق. والجزء الأول من الرواية ورد في المستدرك على الصحيحين
للحاكم النيسابوري. وأيضاً وردت
القصة بألفاظ مختلفة لدى ابن سعد
في الطبقات الكبري و ابن الأثير في
أسد الغابة وابن
حجر العسقلاني في الاصابة.
[34] وهذه الرواية منقولة
بالتأكيد عن تارخ الطبري الذي وردت فيه
بصيغة " قال ابن عمرو حدثني اسامة بن زيد عن يزيد بن ابي حبيب"
[36] مصادر هذا البحث : البداية
والنهاية لابن كثير (ج7 ص109), تاريخ الطبري (ج3 ص304), كتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص241), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص 161), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج7
ص406) و (ج4 ص375), فتوح البلدان للبلاذري
(ج1 ), سير أعلام النبلاء للذهبي (ج3
ص135)
[37] وقد ذكر ابن سعد
في طبقاته ان عمير بن سعد هو صحابيٌ أنصاريٌ , كان أبوه قد شهد بدراً , واستشهد في
معركة القادسية. وذكر له بسنده خطبة تدل على حرصه على الرعية وعلى العدل
والحق" كان يقول وهو أمير على المنبر على حمص, وهو من أصحاب النبي(ص) :
ألا ان الاسلام حائط منيع وباب وثيق. فحائط الاسلام العدل وبابه الحق. فاذا نقض
الحائط وحطم الباب استفتح السلام. فلا يزال الاسلام منيعا ما اشتد السلطان. وليس
شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضرباً بالسوط , ولكن قضاء بالحق وأخذا بالعدل"
[38] مصادر هذا البحث : الاستيعاب
لابن عبد البر ( ص765), اسد الغابة لابن الاثير ( ج5 ص128), حياة الصحابة للكاندهلوي (ج1 ص564), تاريخ المدينة
المنورة لابن شبة النميري (ج3 ص1028)
,شرح نهج البلاغة -لابن أبي الحديد ( ج
10 , ص 239 – 244)
[39] مصادر هذا البحث : تاريخ الطبري ( ج3 ص307), فتوح البلدان للبلاذري
(ج2 ص395), الاستيعاب لابن عبد البر
(ص272) ,أسد الغابة لابن الاثير (ج2
ص310) و (ج3 ص191+ ص174) , تاريخ
دمشق لابن عساكر ( ج29 ص36-39),
البداية والنهاية لابن كثير ( ج7
ص193), شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
(ج16 ص136) و النزاع والتخاصم
للمقريزي (ص87).
[40] البداية والنهاية لابن كثير
[41] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
(ج16 ص136). وفي رواية المقريزي
,( ص87 ) من النزاع والتخاصم, إضافة على لسان أبي سفيان " وكنا أحق به من
تيم وعدي ".