الجزء العاشر : الخوارج



على الرغم من رواياتٍ تناقضُ ذلك, إلاّ أن المنطق يقول أن القرّاء , الذين أصبحوا خوارج فيما بعد, كانوا ولا شك ضمن الأقلية التي عارضت وقفَ القتال والقبولَ بالتحكيم منذ البداية. وإن نجاح دعوة الخوارج في استقطاب وجذب أعدادٍ كبيرة نسبياً من العراقيين, دليلٌ على أنها كانت دعوة تتمتع بمنطقٍ مقنع قادر على جذب الأنصار. ولا يمكن تصوّر دعوةٍ تجتذب عشرات الألوف من الناس على أساس قولها : إنا كفرنا لمّا قبلنا التحكيم, والآن نحن نتوب إلى الله ونعود إلى الإيمان! بل الأرجح أن تكون الدعوة قامت على أساس : ألم نقل لكم أن التحكيم غيرُ جائز أصلاً؟ وقد عارضناه في حين قبله عليّ. وأثبتت الأيام صِحّة موقفنا.

تعود بداية نشوء حركة الخوارج إلى مسألة التحكيم ووقف القتال في صفين. وأورد الدينوري[1] أسماء أفراد من مختلف القبائل عارضوا " تحكيم الرجال في أمر الله" عند وقف القتال في صفين. فمثلاً قام الأخوان جعد ومعدان , من قبيلة عنزة, برفض وقف القتال وأصرّا على الاستمرار في الهجوم إلى أن قتلا. وكذلك عارضَ القرارَ أشخاصٌ من قبائل مراد وتميم وبني راسب. وقام بعضهم , وللمرة الأولى , باتهام عليّ " بالكفر بعد الإيمان". روى البلاذري[2] " فأتى رجل من بني يشكر عليا فقال : يا علي ارتددتَ بعد ايمان وشككتَ بعد يقين ! اللهم اني أبرأ اليك من صحيفتهم وما فيها ". وتدريجياً تطوّر خطاب الخوارج إلى أن وصل إلى شعار " لا حكم إلاّ لله" الذي أصبح العلامة المميزة لهم, يرفعونه في حروبهم, ويكتبونه في خطاباتهم, ويمتحنون الناسَ عليه!

كانت طروحات الخوارج الأولين بسيطة ومباشرة :
-         إنّ القرآن قد أدان معاوية ومَن معه وأصدر حكمه عليهم. فليس هناك مجالٌ لحلّ وسطٍ معهم. فهم ليس فقط باغين ومفسِدين بل أصبحوا كفاراً بسبب إصرارهم على الغيّ, وحكمُ الله قاطعٌ فيهم. فهم قالوا لابن عباس " وقد أمضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يُقتلوا أو يرجعوا "
-         إنّ قبول عليّ للتحكيم هو شكٌ في عدالة القضية التي قاتل الناس من أجلها معه. وهذا القبول هو ارتدادٌ بعد إيمان, وشكٌ بعد يقين. وهو خروجٌ على مبادئ الحق والعدل التي استشهد من أجلها قتلاهم في الجمل وصفين.
-         لا يجوز تحكيم الرجال في أمر الله.
وإلى ما قبل مؤتمر التحكيم, كانت معارضة الخوارج لعليّ لم تتخذ الشكل المسلّح. فقد كانت هناك حالة انتظار لذلك المؤتمر المرتقب وما سيسفر عنه. ورفض عليّ مطالب الخوارج الأولين بنقض كتاب الصلح مع أهل الشام والعودة الفورية لحرب معاوية من دون انتظار التحكيم, وأصرّ على الالتزام بالعهد وإعطاء الجهود السلمية فرصة. وهو قال لهم أنه بعد إبرام العهد فلا بد من الوفاء به, وأنه ما دام التحكيم شراً فكان ينبغي رفضه من البداية , وليس نقضه بعد الاتفاق عليه:
" قالوا : نريد أن نخرج نحن وأنت ومَن كان معنا بصفين ثلاث ليال, ونتوب إلى الله من أمر الحكمين, ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه.
فقال عليّ : فهلاّ قلتم هذا حين بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد, وأعطيناهموه؟! ألا قلتم هذا حينئذ؟!
قالوا : كنا قد طالت الحرب علينا, واشتدّ البأس, وكثر الجراح, وخلا الكراع والسلاح.
فقال لهم : أفحينَ اشتدّ البأسُ عليكم عاهدتم, فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد؟! إنّ رسول الله كان يفي للمشركين أفتأمرونني بنقضه؟!"[3]

وكانت مهزلة التحكيم وما جرى فيها من استهتار بمصلحة الأمة, بالإضافة إلى حالة اللاحسم التي آلت إليها الأمور, والانقسام الأفقي الكبير في أمة الإسلام وتصدّع مؤسسة الخلافة بما يهدد مستقبل الأمة, ونجاح معاوية وابن العاص في المحافظة على مواقعهم وخروجهم سالمين من مواجهة صفين, هي العوامل الرئيسية التي جعلت الكثيرين في الجانب العراقي يتقبلون دعوة الخوارج. وكانت الخسائر البشرية الضخمة يوم صفين , وشعور الكثيرين أن هذه الدماء كلها سالت بلا نتيجة , وأن التضحيات العظيمة ضاعت هباءً, تقدّم ذخيرة مهمة لدعوة الخوارج الذين كانوا يحمّلون علياً مسؤولية ما جرى.


بدءُ الانشقاق الفِعلي: تبْ إلى الله يا عليّ ![4]

عند العودة إلى العراق, انشقّ على عليّ اثنا عشر ألف مقاتل[5] من جيشه, ونزلوا حروراء ( قرب الكوفة ). وكان من أبرز وجوههم عبد الله بن الكواء اليشكري, وشبث بن ربعي التميمي وحرقوص بن زهير السعدي[6] وزيد بن الحصين الطائي وعبد الله بن وهب الراسبي. وبسبب الموقع الذي اختاروه صاروا يعرفون بالـ " حروريّة ".
ولمّا علم عليّ بذلك التجمع المتمرّد, قرر بذل كل جهدٍ ممكن لإرجاعهم إلى طاعته, بالحسنى. فحتى تلك اللحظة كانت الأمور لا تتعدى خلافا سياسياً / دينياً في الاجتهاد, ولم تصل الأمور إلى رفع السلاح. وهم كانوا من جماعته , من عسكره , من جيشه, وليس له اي مصلحة في تصعيد الأمور معهم. وكان عليّ واثقاً بقدرته على اقناعهم بصوابية مواقفه وبامتصاص غضبهم وامتعاضهم مما جرى. 
وبدأت المحاججة بين عليّ وبين "الحروريّة" . وكانت على مرحلتين : في الاول أرسل اليهم عبد الله بن عباس ليحاورهم , ومن ثم انتقل هو بنفسه ليتكلم معهم.
ومن أكثر الامور التي ترد في المصادر بشأن ما طرحوه على عليّ وجهة نظرهم الرافضة لـ " تحكيم الرجال في دين الله"[7]. ورداَ على ذلك حاول عليّ في نقاشاته معهم أن يشرح لهم أن القرآن بحدّ ذاته لا ينطق:
 " .... وهذا القرآن إنما هو خطّ مستورٌ بين الدفتين,  لاينطق بلسان, ولا بدّ له من ترجمان. وإنما ينطق عنه الرجال..."[8] . وروى الامام احمد بن حنبل أنه عندما قال الحرورية " ثم انطلقتَ فحكمتَ في دين الله. فلا حكم إلاّ لله تعالى" رد علي , في معرض إثباته أن كتاب الله لا يتكلم بنفسه , بأن جمعَ الناسَ وقراءَ القرآن وأخذ يخاطب المصحفَ أمامهم طالباً منه أن يتكلم, ثم قال للناس في معرض تفنيده لمقولتهم ان الله قد أمر في كتابه بالتحكيم بين الرجل والمرأة إن خيف الشقاق بينهما " فأمة محمد (ص) أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل"
وفي المصدر الشيعي , كشف الغمة , يقول ابن ابي الفتح الاربلي ان علياً أجابهم بشأن التحكيم انه كان قصده أن يثبته الحكمان في الخلافة , ولم يكن قبوله شكاً منه في موقفه. وأنه في التحكيم أيضا يقتدي برسول الله(ص) الذي حكّم سعدَ بن معاذ في يهود بني قريظة.
وتقول المصادر ان "الحرورية" أخذوا علي عليّ موافقته على محو لقب " أمير المؤمنين" في كتاب القضية , واعتبروا ذلك تنازلا منه عن الخلافة  " انسلختَ من قميصٍ ألبَسَكه الله واسمٍ سمّاكَ به الله[9] ".
وهذه النقطة بالذات كان لعليّ رد مُفحمٌ عليها. فقد أجاب مستشهداً بحادثة يوم الحديبية المشهورة وموقف النبي (ص) من سهيل بن عمرو يومها. قال الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين انه عندما قال الحرورية " انه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين" رد عليهم ابن عباس " وأما قولكم : محا اسمه من أمير المؤمنين, فأنا آتيكم بمن ترضون وأريكم : قد سمعتم ان النبي(ص) يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله(ص) لأمير المؤمنين : اكتب يا علي , هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله. فقال المشركون : لا والله ما نعلم انك رسول الله. لو نعلم انك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله : اللهم انك تعلم أني رسول الله. اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله. فوالله لرسول الله خيرٌ من علي, وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه"
ولامَه بعضهم على أنه" قاتلَ ولم يسبِ ولم يغنمْ. فلئن كان الذي قاتل كفاراً, لقد حلّ سبيهم وغنيمتهم. ولئن كانوا مؤمنين ما حلّ قتالهم"[10] وقد رد ابن عباس عليهم , حسب رواية الحاكم في المستدرك, بطريقة تحرجهم : لقد قاتلنا أم المؤمنين عائشة , فما رأيكم اذن " وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم, أتسْبون أمكم عائشة؟ ثم يستحلون منها ما يستحلون من غيرها. فلئن فعلتم فقد كفرتم وهي أمكم , ولئن قلتم : ليست أمنا لقد كفرتم. فإن الله يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم. فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم اليها صرتم الى ضلالة."[11]

ويمكن القول ان جهود عليّ الحوارية مع الحرورية قد نجحت , وإن بشكل جزئي ومؤقت . وبعض المصادر تقول ان كلهم اقتنعوا بوجهة نظره وعادوا معه الى الكوفة, ولكن البعض يقول ان قسماً منهم , النواة الصلبة , بقوا على رأيهم ورفضوا العودة معه[12].

وأما رواية اليعقوبي في تاريخه فتبدو متأثرة تماما بالايدولوجية المذهبية الشيعية , ولا يمكن أخذها بجدية من ناحية تاريخية. حيث يقول ان الخوارج عددوا اسبابا ثلاثة لنقمتهم على عليّ:
 " محا اسمه من إمرة أمير المؤمنين يوم كتب الى معاوية.
ورجعنا عنه يوم صفين فلم يضربنا بسيفه حتى نفيء الى أمر الله[13]. وحكّم الحكمين
وزعم انه وصيّ, فضيع الوصية"
ويبدو ذلك جلياً في البند الثالث والكلام عن الوصيّ . ويقول اليعقوبي ان علياً (من خلال ابن عباس) رد عليهم مذكرا اياهم بما فعله الرسول (ص) يوم صلح الحديبية , بشأن النقطة الاولى , وأنه قال بخصوص النقطة الثانية  " واما قولكم أني لم أضربكم بسيفي يوم صفين حتى تفيئوا الى أمر الله , فإن الله عز وجل يقول: ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة, وكنتم عددا جماً, وأنا واهل بيتي في عدة يسيرة.
وأما قولكم اني حكمتُ الحكمين , فإن الله عز وجل حكّمَ في أرنبٍ يباع بربع درهم فقال : يحكم به ذوا عدل منكم. ولو حكَمَ الحكمان بما في كتاب الله لما وسعني الخروج من حكمهما"
ثم أضاف رداً على النقطة الثالثة كلاماً لا يمكن أن يصدر الا عن جماعة المذهبية الشيعية في فترة لاحقة " واما قولكم اني كنتُ وصياً فضيعتُ الوصية , فإن الله عز وجل يقول : ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين. أفرأيتم هذا البيت , لو لم يحجُج اليه أحد كان البيت يكفر؟ ان هذا البيت لو تركه من استطاع اليه سبيلا كفر, وأنتم كفرتم بترككم إياي لا أنا كفرت بتركي إياكم"

وتبدو لي رواية الزهري لدى البلاذري في أنساب الأشراف من افضل الروايات التي تتحدث عن موضوع الحرورية وكيف تعامل معهم علي. فهي أكثر موضوعية في ذكر اخبار المحاججات بين علي والخوارج. و يمكن الاستنباط منها أن الرد على الحرورية لم يكن على ذلك النحو المبسط والناجح , وأن الخوارج كانوا أكثر تماسكاً في مواقفهم , وأكثر ترابطاً في منطقهم, وأنهم أحرجوا عليا (أو ابن عباس ) واضطروه الى موقف دفاعي في جداله معهم. يقول الزهري : انه قبيل توجيه أبي موسى الى مؤتمر التحكيم جاء رؤوس الخوارج, حرقوص بن زهير التميمي وزيد بن حصين الطائي وزرعة بن البرج الطائي, الى علي وقالوا له :
" اتقِ الله وسِر الى عدوك وعدونا, وتبْ الى الله من الخطيئة, وارجع عن القضية.
فقال علي : أما عدوكم فإني أردتكم على قتالهم وأنتم في دارهم, فتواكلتم ووهنتم وأصابكم ألم الجراح فجزعتم وعصيتموني. واما القضية فليست بذنب, ولكنها تقصير وعجز أتيتموه وأنا له كاره, وأنا أستغفر الله من كل ذنب"
وأخرج البلاذري رواية أخرى عن الشعبي , وفيها أنه لما رجع الحرورية مع علي ودخلوا الكوفة " جعل الناس يقولون: تاب أمير المؤمنين وزعم أن الحكومة كفر وضلال. وإنما ننتظر أن يسمن الكراع ثم نشخص الى الشام. فبلغ ذلك عليا فقال : كذب من قال أني رجعت عن القضية وقلت ان الحكومة ضلال.
وكانت الحرورية قد سكنت , فعادت بعد الى التحكيم
فالظاهر أن عليا أراد أن يساير هؤلاء المعارضين ويستميلهم الى صفه, خاصة وهو يعلم أنهم الأكثر تصميماً على القتال من بين أتباعه وبالتالي ليس من الحكمة أن يفقدهم. فلا يبعد أن يكون استخدم معهم عبارة عامة مثل "أستغفر الله من كل ذنب" ففهموا هم أنه قد وافقهم على رأيهم. ولكن الفراق حصل حين بدأ علي يسمع ما يشيعوه من توبته وندمه, وبالتالي عزمه على نقض اتفاق التحكيم مع أهل الشام, فقرر أن يضع النقاط على الحروف ويوضح لهم انه لا يمكن له أن يغدر أو ينقض العهود والمواثيق.
وقد أشار ابن ابي الحديد الى قريب من هذا الرأي , مع تخصيص الأشعث بن قيس باللوم لأنه هو بالذات الذي أصرّ على استيضاح رأي علي علناً مما أفسد عليه الخوارج الذين كانوا اكتفوا منه بمقولته التي فهموها على رأيهم . وقد بالغ في كلامه عن الاشعث الى حد القول أنه لولاه لما وقعت حرب النهروان. قال ابن ابي الحديد " كل فساد كان في خلافة علي, وكل اضطراب حدث فأصله الأشعث. ولولا محاقته أمير المؤمنين في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب النهروان, ولكان أمير المؤمنين ينهض بهم الى معاوية ويملك الشام. فإنه عليه السلام حاول ان يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة. وفي المثل النبوي صلوات الله على قائله : الحرب خدعة. وذاك انهم قالوا له : تب الى الله مما فعلتَ كما تبنا, ننهض معك الى حرب أهل الشام. فقال لهم كلمة مجملة مرسلة قولها الانبياء والمعصومون وهي قوله: أستغفر الله من كل ذنب. فرضوا بها وعدوها إجابة لهم الى سؤلهم وصفت له نياتهم. واستخلص بها ضمائرهم, من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافاً بكفر أو ذنب. فلم يتركه الاشعث وجاء اليه مستفسرا وكاشفاً عن الحالف, وهاتكاً ستر التورية والكناية, ومخرجا لها من مظلمة الاجمال وستر الحيلة الى تفسيرها بما يفسد التدبير ويوغر الصدور ويعيد الفتنة. ولم يستفسره عنها إلاّ بحضور من لا يمكنه عليه السلام أن يجعلها معه هدنة على دخن, ولا توقيفا عن صبوح. وألجأه بتضييق الخناق عليه الى أن يكشف ما في نفسه, ولا يترك الكلمة على احتمالها, ولا يطويها على غرها . فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة فانتقض ما دبّره, وعادت الخوارج الى شبهتها الاولى..."

وأخرج الطبري في تاريخه روايات عن أبي مخنف تقارب ما رواه البلاذري أعلاه. فرواية تقول أنه لما اجتمع الخوارج في حروراء أرسل اليهم علي ابن عباس " فرجع ولم يصنع شيئاً.
 فخرج إليهم علي فكلمهم حتى وضع الرضا بينه وبينهم. فدخلوا الكوفة.
فأتاه رجل[14] فقال : ان الناس قد تحدثوا أنك رجعتَ لهم عن كفرك!
فخطب الناسَ في صلاة الظهر , فذكرَ أمرَهم فعابَهُ. فوثبوا من نواحي المسجد يقولون لا حكم إلا لله ..."
ورواية أخرى لأبي مخنف تقول "ان عليا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فدخلا عليه فقالا له لا حكم إلا لله.
فقال علي : لا حكم إلا لله.
فقال له حرقوص : تبْ من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا الى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا.
فقال لهم علي : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني, وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا وقد قال الله عز وجل ( واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون)
فقال له حرقوص : ذلك ذنبٌ ينبغي أن تتوب منه
فقال علي : ما هو ذنبٌ, ولكنه عجز من الرأي وضعفٌ من الفعل. وقد تقدمتُ اليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه..."
ويلاحظ في الروايات تكرار الخوارج قولهم لعلي أنهم يرفضون "إعطاء الدنية في ديننا, فإن إعطاء الدنية في الدين إدهان في أمر الله عز وجل, وذل راجع بأهله الى سخط الله"

في الطريق الى النهروان : اشهد على نفسك بالكفر يا علي![15]

رغم ان علياً نجح مؤقتاً في احتواء أزمة " الحرورية " وأقنعهم , أو أغلبهم , بالعودة معه الى الكوفة, إلّا أن التطورات المتلاحقة سرعان ما نقضت كل عمله وأضاعت كل جهوده. فقد ظهرت نتائج مؤتمر التحكيم الكارثية بالنسبة الى عليّ. وكانت هذه الفاصلة بينه وبين الخوارج. فمن جهةٍ رفض عليّ النتائج وأعلن أن كل ما صدر عن الحكمين باطل , وبدأ الاستعداد لجولة جديدة من العمل العسكري ضد معاوية وأهل الشام. ومن جهة أخرى رأى الخوراج , أو الحرورية, أو المحكّمة, أو كل الذين كانوا قد عارضوا وقف القتال واللجوء للتحكيم, في مهزلة التحكيم ما يدعم حجتهم ويقوّي موقفهم. ولسان حالهم يقول : أرأيتم , هذا ما حذرنا منه وعارضناه, بينما قبله عليّ.
عندها حاول عليّ أن يتواصل معهم ليقول : هلموا بنا من جديد الى حرب اهل الشام . هذا ما أردتم وهذا ما أريده الآن, فهيا بنا يداً واحدة من جديد الى قتال البغاة : معاوية واهل الشام. ولكن هيهات . لم يكن الأمر سهلاً كما ظنه عليّ. فهؤلاء قد أسقطوه من اعتبارهم كزعيمٍ وخليفة , ولم يعد يصلح للقيادة وليس لديهم استعداد أن يسيروا تحت رايته من جديد. ولذلك قابلوه بشرطٍ تعجيزيّ : اشهدْ على نفسك بالكفر أولاً ! وبدأ الخوارج في الكتابة إلى مَن هو على رأيهم من أهل البصرة, فانضمّ إليهم 500 رجل بقيادة مسعر بن فدك التميمي والأشرس بن عوف الشيباني.
روى الدينوري في الاخبار الطوال ان عليا أرسل كتاباً موجهاً الى قيادات الحرورية, عبد الله بن وهب الراسبي ويزيد بن الحصين " ومن قبلهما " , وكانوا قد تجمعوا من جديد واتجهوا الى النهروان , وهو مكان قرب بغداد الحالية, يقول فيه "فإن الرجلين الذين ارتضيناهما للحكومة خالفا كتاب الله واتبعا هواهما بغير هدى من الله. فلما لم يعملا بالسنة ولم يحكما بالقرآن تبرأنا من حكمهما ونحن على امرنا الاول. فأقبلوا إليّ رحمكم الله , فإنا سائرون الى عدونا وعدوكم لنعود لمحاربتهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين"
فكان الجواب في كتابهم " أما بعد : فإنك لم تغضب لربك, ولكن غضبتَ لنفسك! فإن شهدتَ على نفسك أنك كفرتَ فيما كان من تحكيمك الحكمين, واستأنفتَ التوبة والايمان, نظرنا فيما سألتنا من الرجوع اليك. وإن تكن الأخرى فإنا ننابذك على سواء. ان الله لا يهدي كيد الخائنين"
وروى البلاذري أن زعماء الخوارج أجابوا عليا " فقالوا : دعةتنا الى كتاب الله والعمل به فأجبناك وبايعناك وقد قتلت في طاعتك قتلانا يوم الجمل وصفين , ثم شككتَ في أمر الله وحكّمتَ عدوّك ! ونحن على أمرك الذي تركت وأنت اليوم على غيره . فلسنا منك إلّا أن تتوب وتشهد على نفسك بالضلالة "
وروى ابن قتيبة في الامامة والسياسة " كتب عليّ إلى الخوارج حينما تجمعوا في النهروان بينما هو قد شرع في المسير إلى أهل الشام بجيوشه :
".... ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة, وأخبرتكم أن طلب القوم لها مكيدة؟
وأنبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن, وأني أعرف بهم منكم: قد عرفتهم أطفالاً وعرفتهم رجالاً! فهم شر رجال , وشر أطفال! وهم أهل المكر والغدر.
وإنكم إن فارقتموني ورأيي , جانبتم الخير والحزم. فعصيتموني وأكرهتموني حتى حكّمتُ. فلما أن فعلتُ, شرطتُ واستوثقتُ. وأخذتُ على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن, وأن يُميتا ما أمات القرآن. فاختلفا, وخالفا حكم الكتاب والسنة وعمِلا بالهوى
فنبذنا أمرهم. ونحن على أمرنا الأول. فما نبؤكم ومن أين أتيتم؟
قالوا له : إنا حيث حكّمنا الرجلين أخطأنا بذلك, وكنا كافرين, وقد تبنا من ذلك. فإن شهدتَ على نفسك بالكفر, وتبتَ كما تبنا وأشهدنا, فنحن معك ومنك! وإلاّ فاعتزلنا. وإن أبيتَ فنحن منابذوك على سواء.
فقال عليّ : أبعدَ إيماني بالله, وهجرتي وجهادي مع رسول الله, أبوء وأشهد على نفسي بالكفر؟! لقد ضللتُ إذن وما أنا من المهتدين. ويحكم ! بما استحللتم قتالنا والخروج من جماعتنا؟ أئن اختار الناس رجلين فقالوا لهما : انظرا بالحق فيما يصلح العامة, ليُعزل رجلٌ, ويوضع آخر مكانه, أحل لكم أن تضعوا سيوفكم على عواتقكم, فتضربون بها هامات الناس وتسفكون دماءهم؟ إن هذا لهو الخسران المبين.
فتنادوا : لا تخاطبوهم ولا تكلموهم. تهيؤوا للقاء الحرب. الرواح الرواح إلى الجنة!"
وفي هذا النص يذكّر عليّ الخارجين عليه بأنه لم يُرد وقف القتال في صفين , وأنه إنما فعل ذلك تحت الضغط. وهو أيضا يحاول أن يبسّط لهم مسألة التحكيم التي جرت , على أساس أنها كانت في الأساس من أجل عزل معاوية وإعلان حق عليّ , لا أكثر. وأنه لما لم يحصل ذلك فالواجب هو مواصلة الجهاد ضد أهل المكيدة!

وطبعاً كان جواب الخوارج مُحبطاً جداً لعلي , فيئس منهم وقرر أن يتركهم وشأنهم, وأن يسير هو وقواته الى الشام بدونهم. روى الامام  أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن شداد في معرض وصفه لعائشة أم المؤمنين لما جرى , ان أهل حروراء الذين بقوا على رأيهم كانوا أربعة آلاف , فأرسل لهم علي يقول انه سيتركهم على حالهم ولن يتعرض لهم على" أن لا تسفكوا دماً حراماً , أو سبيلاً أو تظلموا ذا ذمة, فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء , إن الله لا يحب الخائنين."

وقفة : روايات تسفيهية للخوارج

ان مُحاجَجَة عليّ للخوارج قبيل معركة النهروان مناسبة لكي تكون مثالاً على الروايات الكثيرة المصممة لذمّهم والقدح فيهم واظهارهم بلا حجة ولا منطق. ورغم ان المصادر الشيعية التي تتحدث عن محاججة الخوارج قبيل معركة النهروان لا تختلف في إطارها العام عما ورد في غيرها, الّا اني سوف آخذ أحدها كمثال على الفكرة.  فابن ابي الفتح الاربلي في كتابه كشف الغمة[16] اورد روايتين حول الجدالات مع الخوارج. وفي كلتيهما ان الذي حاجج الخوارج هو علي نفسُه بعد ان لم ينجح ابن عباس في اقناعهم أو لم يرغبوا في سماعه.
وفي الرواية الاولى يظهر ابن الكوا, زعيم الخوارج , في غاية الضعف أثناء الجدال, ويكتفي بالموافقة على كل ما يقوله علي ببساطة! وفي النهاية يرجع عن رأيه ويعود مع علي بعد وعد منه بالعودة الى قتال اهل الشام حين تنتهي المدة المعقودة. وليس في الرواية أي دفع من جانب ابن الكواء لحجج علي , ولا دفاع عن رأي الخوارج . تقول الرواية ان عليا قال له بشأن رفع المصاحف على الرماح وامر الحكمين :
" ألم أقل لكم ان أهل الشام يخدعونكم بها , فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم؟! ألم أرد أن أنصب ابن عمي حكماً, وقلتُ انه لا ينخدع فأبيتم إلاّ أبا موسى الاشعري؟! وقلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها, ولو وجدتُ في ذلك الوقت أعواناً غيركم لما أجبتكم. وشرطتُ على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته الى خاتمته والسنة الجامعة, وانهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي.
كان ذلك أم لم يكن؟
قال ابن الكوا : صدقتَ . قد كان هذا كله! فلم لا ترجع الآن الى محاربة القوم؟
فقال : حتى تنقضي المدة التي بيننا وبينهم.
قال ابن الكوا : وأنت مجمع على ذلك؟
قال : نعم ولا يسعني غيره.
فعاد ابن الكوا والعشرة الذين معه الى اصحاب علي عليه السلام راجعين عن دين الخوارج وتفرق الباقون وهم يقولون : لا حكم إلا لله"
والرواية الثانية تتحدث عن جولة أخرى للجدال خاضها علي مع بقية الخوارج. وهو يجيبهم على اعتراضهم بأنه لم يُبح سبي النساء يوم الجمل بأن هؤلاء مسلمون وذراريهم لا ذنب لهم, وان القتال كان موجها لمن حملوا السلاح من اهل البصرة. ويجيبهم بأنه محا إمرة المؤمنين من اسمه اقتداء برسول الله (ص) يوم الحديبية. وبشأن التحكيم يقول لهم انه كان قصده أن يثبته الحكمان في الخلافة , ولم يكن قبوله شكاً منه في موقفه. وانه ليس مسؤلا عن خداع ابن العاص لأبي موسى. وأنه في التحكيم أيضا يقتدي برسول الله(ص) الذي حكم سعد بن معاذ في يهود بني قريظة. وقال لهم علي بعد ذلك :
" فهل بقي عندكم شيئ؟ فسكتوا . وصاح جماعة منهم من كل ناحية: التوبة التوبة يا أمير المؤمنين! واستأمن إليه ثمانية آلاف, وبقي على حربه أربعة آلاف"

ممارسات الخوارج الفظيعة[17]

وترجم الخوارج تشنجهم الفكري إلى جرائم وحشية ارتكبها عناصرهم ضد مسلمين كثيرين ممن هم في طاعة عليّ . وكان أبرز تلك الحوادث ما صنعوه بعبد الله بن خباب بن الأرت, الذي هو ابن واحدٍ من الصحابة الأولين, والذي كان مع عليّ في الجمل وصفين. ألقى عناصر من الخوارج القبض عليه واستجوبوه. ولما عبّر عن رأي إيجابيّ بعليّ قتلوه بلا رحمة.   وهناك اجماع في الروايات على ذلك.
وفيما يلي رواية ابي مخنف في تاريخ الطبري حول مقتل عبد الله بن خباب على يد الخوارج.
 " ان الخارجة التي أقبلت من البصرة جاءت حتى دنت من اخوانها بالنهر. فخرجت عصابة منهم فإذا هم برجل يسوق بامرأة على حمار. فعبروا اليه فدعوه, فتهددوه وأفزعوه وقالوا له : من انت؟ قال : انا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله(ص) .
ثم أهوى الى ثوبه يتناوله من الارض وكان سقط عنه لما أفزعوه. فقالوا له : أفزعناك؟ قال : نعم.
قالوا له : لا روع عليك. فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي (ص) لعل الله ينفعنا به.
قال : حدثني ابي عن رسول الله (ص) ان فتنة تكون يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسي فيها مؤمنا ويصبح فيها كافراً ويصبح فيها كافرا ويمسي فيها مؤمناً.
فقالوا : لهذا الحديث سألناك. فما تقول في ابي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً.
قالوا : ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال : إنه كان محقا في أولها وفي آخرها.
قالوا : فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟
قال : انه أعلم بالله منكم وأشدّ توقياً على دينه وأنفذ بصيرة.
فقالوا : انك تتبع الهوى وتوالي الرجال على اسمائها لا على أفعالها. والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً !
فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به بامرأته وهي حبلى متم, حتى نزلوا تحت نخل مواقر فسقطت منه رطبة فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه. فقال أحدهم : بغير حلها وبغير ثمن؟ فلفظها من فمه. ثم أخذ سيفه فأخذ يمينه فمرّ به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه فقالوا : هذا فساد في الارض. فأتى صاحبَ الخنزير فأرضاه من خنزيره.
فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال : لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم بأس. اني لمسلم ما أحدثت في الاسلام حدثاً, ولقد آمنتموني.
قال : لا روع عليك.
فجاؤوا به فأضجعوه فذبحوه. وسال دمه في الماء. وأقبلوا الى المرأة فقالت : اني إنما أنا امرأة, ألا تتقون الله؟! فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طيء وقتلوا ام سنان الصيداوية.
فبلغ ذلك عليا ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله بن خباب واعتراضهم الناسَ. فبعث اليهم الحارث بن مرة العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم ويكتب به اليه على وجهه ولا يكتمه . فخرج حتى انتهى الى النهر ليسائلهم فخرج القوم اليه فقتلوه..."[18]

ويبدو لي أن هناك من الرواة من أراد تضخيم ممارسات الخوارج وما ارتكبوه من مخالفات أو جرائم. وذلك ظاهر من النصوص التي تتحدث عن قتلهم لابن خباب . فالروايات لا تشير الى سبب مقنع دفعهم الى ارتكاب تلك الجريمة. وهناك تناقض في الروايات نفسها التي تتحدث عن اعتذارهم عن قتل خنزير لأهل الذمة بغير إذن وبين إقدامهم على قتل ابن صحابي مسلم بلا سبب. ومن بلغ به الورع الى حد استنكاره تناول تمرة عن الارض لا يمكن أن يقدم على القتل بكل بساطة. فلا شك أن هذه الروايات تم تشويهها لكي تسيء الى سمعة الخوارج ولتبرر للإمام علي قتلهم فيما بعد. ومن ثنايا رواية ابي مخنف يمكن الحصول على بعض الضوء عما قد حصل بالفعل. فما يمكن ملاحظته أن الذين قتلوا ابن خباب هم الخوارج القادمون من البصرة ( ومعروف ان هؤلاء كان يقودهم مسعر بن فدكي التميمي)  وليس نواة الخوراج المجتمعين في النهروان. وبالتالي فالجريمة ارتكبها الفرع وليس الأصل.  كما يظهر أن الجريمة قد حصلت بعد أخذ ورد فيما بينهم وبينه ( فدعوه فتهددوه) ربما يكون قد استفزهم خلاله برفضه لآرائهم.
وأما بقرهم لبطن الحبلى فلا يمكن تصديق ذلك , مهما بلغ بنا سوء الظن بالخوارج.
ونحن لا نحاول تبرئة الخوارج من دم ابن خباب, ولكن نحاول وضع ما حصل في سياقه الصحيح.

وقال الدينوري في الاخبار الطوال أن الخوارج الذين قدموا من البصرة كانوا 500 رجل وأنهم "كانوا في جميع مسيرهم لا يلقون أحداً إلاّ قالوا له: ما تقول في الحكمين؟ فإن تبرأ منهما تركوه, وإن أبى قتلوه"
وأضاف ان علياً لما نوى التوجه الى الشام مرة أخرى " فلما تهيأ للمسير أتاه عن الخوارج أخبار فظيعة, من قتلهم عبد الله بن خباب وامراته. وذلك أنهم لقوهما فقالوا لهما : أرضيتما بالحكمين؟ قالا : نعم. فقتلوهما, وقتلوا ام سنان الصيداوية, واعتراضهم الناسَ يقتلونهم. فلما بلغه ذلك بعث اليهم الحارث بن مرة الفقعسي ليأتيه بخبرهم فأخذوه فقتلوه"

وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن شداد في معرض وصفه لعائشة أم المؤمنين لما جرى ,في العراق ...
"فقالت له عائشة رضي الله عنها : يا ابن شداد , فقد قتلهم؟
فقال : والله ما بعث اليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم واستحلوا أهل الذمة



وتابع هؤلاء غلوّهم . وشاعت أخبار ممارساتهم بين العامة, حتى لجأ البعض إلى التعامل معهم بالطريقة التي يفهمونها . روى ابن ابي الحديد :
" قال ابو العباس : ثم مضى القوم الى النهروان , وقد كانوا ارادوا المضي الى المدائن . فمن طريف أخبارهم  انهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً, فقتلوا المسلمَ لأنه عندهم كافر, إذ كان على خلاف معتقدهم, واستوصوا بالنصراني, وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم!
قال ابو العباس : ونحو ذلك  إن واصل بن عطاء رحمه الله تعالى أقبل في رفقةٍ فأحسّوا بالخوارج. فقال واصل لأهل الرفقة : إن هذا ليس من شأنكم, فاعتزلوا ودعوني وإياهم, وقد كانوا أشرفوا على العطب. فقالوا : شأنك. فخرج إليهم.
فقالوا : ما أنت وأصحابك؟
قال : قومٌ مشركون مستجيرون بكم, ليسمعوا كلام الله, ويفهموا حدوده.
قالوا : قد أجرناكم.
قال : فعلمونا.
فجعلوا يعلمونهم أحكامهم ويقول واصل: قد قبلت أنا ومَن معي.
قالوا: فامضوا مصاحبين فقد صرتم إخواننا.
فقال : بل تبلغوننا مأمننا , لأن الله تعالى يقول: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه.
قال : فينظر بعضهم إلى بعض. ثم قالوا: ذاك لكم. فساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم المأمن"

النهروان: مذبحة الخوارج[19]

ولم يعد عليّ قادراً على تجاهل الخوارج أكثر من ذلك, بعد تلك الروح العدائية الخطيرة التي أظهروها. فمتابعة المسير إلى الشام وترك هؤلاء في الكوفة يحمل في طياته خطراً شديداً على عاصمة عليّ ومعقله.  لا يجوز لعليّ أن يسير بكل قواته بعيداً, ويترك عاصمته بلا دفاع تحت رحمة أولئك المهووسين. وقد كان احتمال قيامهم بالاستيلاء الفعلي على الكوفة وغيرها من البلاد العراقية كبيراً جداً. فكيف سيكون شعور جيشه وهم يجاهدون أهل الشام فتصلهم أنباء لا تسرّ, عن وقوع أهلهم وذراريهم وأموالهم بأيدي هؤلاء الخوارج؟
كانت الامور تسير باتجاه المواجهة العسكرية. وتوجّه عليّ في شعبان[20] من عام 38 بجشيه الى النهروان حيث مكان تجمعهم. ولكن قبل الاشتباك بذل عليّ محاولة أخيرة لاقناعهم بالتراجع عن تمردهم بالحسنى , فدخل في جدال عبثيّ من جديد ,,, نفس الحجج ونفس المجادلة التي كانت بحروراء تتكرر الان !
روى الدينوري في الاخبار الطوال انه قبيل معركة النهروان , طلب علي من الخوارج أن يخرجوا له رجلاً مفوضاً منهم ليكلمه قبل بدء القتال, فأخرجوا له عبد الله بن الكواء :
" فقال علي رضي الله عنه : يا ابن الكواء , ما الذي نقمتم علي بعد رضاكم بولايتي وجهادكم معي وطاعتكم لي؟ فهلا برئتم مني يوم الجمل؟
قال ابن الكواء : لم يكن هناك تحكيم.
فقال علي : يا ابن الكواء , أنا أهدى أم رسول الله(ص) ؟
قال ابن الكواء : بل رسول الله(ص).
قال : فما سمعتَ قول الله عز وجل (فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم). أكان الله يشك انهم هم الكاذبون؟
قال : ان ذلك احتجاجٌ عليهم. وأنتَ شككتَ في نفسك حين رضيتَ بالحكمين. فنحن أحرى أن نشك فيك.
قال : وان الله تعالى يقول فأتوا بكتاب من عند الله, هو اهدى منهما , اتبعه.
قال ابن الكواء : ذلك أيضاً احتجاجٌ منه عليهم.
فلم يزل علي عليه السلام يحاج ابن الكواء بهذا وشبهه.
فقال ابن الكواء : أنتَ صادق في جميع ما تقول . غير انك كفرتَ حين حكمتَ الحكمين.
فقال علي : ويحك يا ابن الكواء ! اني إنما حكمتُ أبا موسى وحده, وحكم معاوية عمراً.
قال ابن الكواء : فإن أبا موسى كان كافراً
فقال علي: ويحك ! متى كفر؟ أحين بعثته أم حين حكم؟
قال : لا. بل حين حكم.
قال : أفلا ترى أني إنما بعثته مسلماً , فكفر في قولك بعد أن بعثته ؟ أرأيتَ لو أن رسول الله(ص) بعث رجلاً من المسلمين الى أناس من الكافرين, ليدعوهم الى الله, فدعاهم الى غيره, هل كان على رسول الله(ص) من ذلك شيء؟
قال : لا.
قال : ويحك ! فما كان عليّ أن ضلّ أبو موسى؟ أفيحلّ لكم بضلالة أبي موسى أن تضعوا سيوفكم على عواتقكم فتعترضوا بها الناس؟
فلما سمع عظماء الخوارج ذلك قالوا لابن الكواء : انصرفْ ودعْ  عنك مخاطبة الرجل. فانصرف الى أصحابه. وأبى القومُ إلاّ التمادي في الغيّ "
وبكل تأكيد, لم يكن عليّ يريد إبادة هؤلاء أو قتلهم, وكان مصرّا على إعطائهم فرصة التراجع والاستسلام حتى آخر لحظة.  فبَسَط لهم راية أمانٍ مع أبي أيوب الأنصاري, الصحابي القديم, لكي يلجأ إليها مَن أراد الخروج من جيشهم وأمَره أن يصيح بهم :
" مَن جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمن , ومَن دخل المَصرَ فهو آمن, ومَن انصرف إلى العراق وترك هذه الجماعة فهو آمن, فإنه لا حاجة لنا في سفك دمائكم"[21]
وأدّت مجهودات عليّ الى تراجع قسم من الخوارج عن موقفهم . يبدو أن العناصر التي لم تكن مؤدلجة كثيراً استشعرت بالجدية وبالخطر فقررت التراجع. قال الطبري (عن ابي مخنف) انه بعد أن حاججهم علي انسحب فروة بن نوفل الاشجعي, وكان من رؤسائهم, ومعه 500 فارس حتى نزلوا البندنيجين والدسكرة, واعتزلوا القتال, بعد أن شك في شرعية قتال علي .وخرجت طائفة أخرى منهم متفرقين فتركوا النهروان وعادوا الى الكوفة, وانضم منهم الى علي نحوٌ من مائة. وأضاف الدينوري أن ألفاً آخرين قد لجأوا الى راية الامان التي نصبها علي.
 ولكن القاعدة الصلبة من الخوراج بقيت على حالها, مصممة على رأيها. روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابي عبيدة معمر بن المثنى :
" استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبد الله بن خباب , فأقروا به.
فقال : انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة.
 فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الاخرى, بقتل ابن خباب.
وقالوا : ولنقتلنك كما قتلناه!"
وروى الطبري في تاريخه ان علياً بعث اليهم " ادفعوا الينا قتلة اخواننا منكم, نقتلهم بهم, ثم أنا تارككم وكافٌ عنكم, حتى ألقى أهل الشام. فلعلّ الله يقلب قلوبكم ويردكم الى خير مما أنتم عليه من أمركم.
فبعثوا اليه فقالوا : كلنا قتلتهم! وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم"

لقد فشلت كل محاولات عليّ في إقناع القاعدة الصلبة من الخوارج بالعودة إلى صفوفه, فاضطرّ اخيراً إلى الدخول في المجابهة المسلّحة. روى الدينوري في الاخبار الطوال  "فقال علي لأصحابه : لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدأوكم. فتنادت الخوارج: لا حكم إلاّ لله وإن كره المشركون.
ثم شدوا على أصحاب علي شدة رجل واحد, فلم تثبت خيل علي لشدتهم. وافترقت الخوارج فرقتين, فرقة أخذت نحو الميمنة وفرقة أخرى نحو الميسرة.
وعطف عليهم أصحاب علي , وحمل قيس بن معاوية البرجمي , من أصحاب علي , على شريح بن ابي اوفى فضربه بالسيف على ساقه, فأبانها. فجعل يقاتل برجل واحدة وهو يقول: الفحل يحمي شوله محمولا. فحمل عليه قيس بن سعد فقتله. وقتلت الخوارج كلها ربضة واحدة"[22]
و بعد أن أمر عليّ قواته بالهجوم, تحول الأمر إلى ما يشبه المذبحة لهؤلاء الخوارج. فأعداد أولئك الذين أصرّوا على موقفهم وقرروا القتال تراوحت ما بين 2800 – 4000 [23] رجل حسب معظم الروايات. وتحدث خليفة بن خياط في تاريخه عن القيادة العسكرية الميدانية لقوات الخوارج , وذكر أسماء قياداتهم الذين خاضوا المعركة وهم : عبد الله بن وهب الراسبي (رئيسهم كلهم), وحرقوص بن زهير السعدي (على الميمنة), وشبيب بن بجرة الأشجعي (على الميسرة), وشريح بن اوفى العبسي (صاحب رايتهم ).[24]
وواجههم عليّ بجيش من 14000 رجل .فلم يكن هناك تكافؤ عسكري بين الطرفين.
ورغم ذلك اثبت هؤلاء الخوارج صلابتهم الشديدة وتصميمهم الفريد[25]. قاتلوا بأسلوبٍ عقائديّ واضح. وتشير الروايات إلى أن جميع جيشهم قد قتل في المعركة, باستثناء الذين جرحوا وأصيبوا, وهم حوالي ال 400 رجل, قرر عليّ ردّهم إلى قبائلهم.
والمصادر تتحدث بشكل غريب عن خسائر المعركة , حيث يبدو وكأن الأمر مقتلة من جانب واحد ! فبعض الروايات تقول ان من قتل من طرف جيش عليّ كانوا عشرة فقط ! أو حسب تعبير رواية اليعقوبي " والتحمت الحرب بينهم مع زوال الشمس , فأقامت مقدار ساعتين من النهار, فقتلوا من عند آخرهم , وقتل ذو الثدية, ولم يفلت من القوم إلاّ أقل من عشرة, ولم يقتل من اصحاب علي إلاّ أقل من عشرة"
وقال خليفة بن خياط في تاريخه : انه نجا منهم أبو بلال مرداس بن أدية , وشبيب بن بجرة, والمستورد بن علفة, والبرك صاحب معاوية, ووردان بن مجمع العكلي. وقتل من أصحاب علي يزيد بن نويرة الانصاري وابو نعيم عقبة بن عامر الجهني. وأضاف :
" فقتل عبد الله بن وهب وأصحابه, إلاّ قليلاً منهم..... لقيهم علي فقتلوا , وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً" .

ولكن طبعاً لا يمكن تصديق هكذا روايات . فلا يعقل أن يُباد جيش الخوارج برمّته , وهم حوالي 4000 رجل من المتحمّسين شديدي البأس , دون أن يقتلوا من جيش عليّ سوى عشرة ! فالأصح هو ما أورده نصر بن مزاحم من أرقام بشان خسائر جيش عليّ في معركة النهروان, حيث ارتفع بالرقم الى 1300 رجل. هذا رقم يمكن تصديقه اذا سلّمنا بأن جيش الخوارج الذي قد يصل الى 4000 رجل قد أبيد كله , أو غالبيته الساحقة.
وقد صف الطبري القتال فقال ان الخوارج " تنادوا : الرواح الرواح الى الجنة! فشدّوا على الناس, والخيل أمام الرجال, فلم تلبث خيل المسلمين لشدتهم. وافترقت الخيل فرقتين : فرقة نحو الميمنة واخرى نحو الميسرة. وأقبلوا نحو الرجال فأستقبلت المرامية وجوههم بالنبل, وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة, ونهض اليهم الرجال بالرماح والسيوف. فوالله ما لبثوهم أن اناموهم.
ثم ان حمزة بن سنان صاحب خيلهم لما رأى الهلاك نادى أصحابه أن انزلوا فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حتى حمل عليهم الاسود بن قيس المرادي وجاءتهم الخيل من نحو علي فأهمدوا في الساعة"
وأضاف ابو مخنف رواية أخرى عن حكيم بن سعد قال" ما هو إلاّ أن لقينا أهل البصرة فما لبثناهم. فكانما قيل لهم موتوا فماتوا قبل أن تشتد شوكتهم وتعظم نكايتهم"
ثم أخرج الطبري رواية اخرى عن ابي مخنف يظهر فيها مدى الاستبسال في القتال الذي أظهرته العناصر المتحمسة من الخوارج :
" ووقع شريح بن أوفى الى جانب جدار فقاتل على ثلمة فيه طويلاً من نهار. وكان قتل ثلاثة من همدان . فكان يرتجز ويقول :
قد علمت جارية عبسية                                 ناعمة في أهلها مكفية
أني سأحمي ثلمتي العشية
فشدّ عليه قيس بن معاوية الدهني فقطع رجله. فجعل يقاتلهم ويقول :
القرمُ يحمي شوله معقولا
ثم شدّ عليه قيس بن معاوية فقتله. فقال الناسُ :
اقتتلت همدانُ يوماً ورجُلْ                                   اقتتلوا من غدوةٍ حتى الاصلْ
ففتحَ اللهُ لهمدانَ الرجُلْ
وقال شريح :
أضربهم ولو أرى أبا حسن                                     ضربته بالسيف حتى يطمئن
وقال :
أضربهم ولو أرى عليا                                         ألبسته أبيضَ مشرفيا"
وهكذا فإن الناسَ قد عابوا على قبيلة همدان الضخمة عجزها عن قتل رجل من الخوارج, حتى استهزؤوا بهم ووصفوا قتلها له أخيراً بالفتح ! وذلك يدل على مدى الشجاعة التي تميز بها شريح. ولا شك أن الكثيرين غيره كانوا لا يقلون عنه حماساً وهم يصرخون : الرواح الى الجنة!
فهل يعقل ان هؤلاء لم يقتلوا من جيش علي سوى عشرة؟!

****

وكان الذي حصل في معركة النهروان, مأساة حقيقية, تضاف إلى سلسلة الكوارث التي ألمّت بعليّ , وبالجانب العراقي ككل. فهذا الاقتتال الداخليّ الطاحن, والذي خلّف آلاف القتلى, هو آخر ما يحتاجه العراقيون بعد الجمل وصفين.
مرة أخرى, وجدت القبائل العربية في العراق, التي هي بمجملها موالية للخليفة عليّ, مجبرة على قتل عدد كبير من أبنائها هي بالذات.
وانصرف العراقيون بعد تلك المعركة الطاحنة إلى لملمة جراحهم, وعدّ خسائرهم, وتقييم ما جرى.

والمفارقة ان كل هذه الحرب والقتال كانت بين فريقين يتفقان على ضرورة وجوب العودة إلى قتال معاوية وجيشه! فعليّ يريد ذلك ويسعى له بكل قوته. والخوارج كذلك, بل هم يتطرفون تجاه أهل الشام أكثر من عليّ, فاعتبروهم كفاراً وقتالهم جزءٌ من صحة العقيدة بينما اعتبرهم عليّ قاسطين وفاسقين وضالين ولكن ليس كفاراً.
والنتيجة كانت أن علياً, بقتله معظم قوات الخوارج, سوف يفقد العناصرَ الأشدّ حماسة واستعداداً من بين أهل العراق لاستئناف الحرب ضد معاوية. وسوف يعاني عليّ الأمرين وهو يحاول حشد بقية جيوشه وأهل العراق للعودة إلى الحرب. ولن ينجح.
كان ذلك تطوراً عجيباً للأحداث , وذا أثرٍ مدمرٍ على مستقبل عليّ في العراق.

وكان الأثر الاجتماعي لما حصل عظيماً , حتى أن امرأة أتت علياً وهو جالسٌ في المسجد وقالت له :
" يا مَن قتلَ الرجال, وسفكَ الدماء, وأيتمَ الصبيان, وأرملَ النساء!"[26]

****

وهناك شواهد على ان الخوارج كانوا يزدادون اقتناعا بصحة مواقفهم التي اتخذوها كلما مر الوقت وتطورت احداث الصراع الدامي بين علي ومعاوية. ويبدو أنهم كانوا يعتبرون كل ما يقوم به علي تخبطاً وفشلاً يصل الى حد الضلال! ومن ذلك ما رواه ابن كثير في البداية والنهاية نقلا عن الهيثم بن عدي " أنه خرج على عليّ بعد النهروان الحارث بن راشد الناجي, قدم مع اهل البصرة.
فقال لعلي : انك قد قاتلتَ اهلَ النهروان في كونهم أنكروا عليك قصة التحكيم, وتزعم انك قد أعطيتَ اهل الشام عهودك مواثيقك, وانك لستَ بناقضها. وهذان الحكمان قد اتفقا على خلعك, ثم اختلفا في ولاية معاوية: فولاه عمرو وامتنع ابو موسى من ذلك, فأنتَ مخلوع باتفاقهما. وانا قد خلعتك وخلعت معاوية معك.
وتبع الحارث هذا بشر كثير من قومه"
فهنا يتابعُ الخوارجُ لومَهم لعلي : فأنت يا علي وافقتَ على وقف القتال, وأعطيتَ اهل الشام عهودا , وأصريتَ على الوفاء وإمضاء التحكيم رغم معارضتنا لكل ذلك. وها هي النتيجة : خلعك من الخلافة على يد الحكمين! فهذا من سوء عملك وتدبيرك, ولا يحق لك الآن أن تطالب الناس بالنهوض معك . فنحن يا علي نلزمك بما الزمتَ به نفسك : نتيجة التحكيم !




أحاديث نبوية في ذم الخوارج : ذو الثديّة, شيطان الردهة وشر الخلق والخليقة[27]!
قام العلامة ابن كثير, وهو المفسّر العلم والمؤرخ الكبير, ابن القرن الثامن الميلادي, باستعراض تفصيلي للروايات المتعددة المنسوبة للنبي(ص) بشأن الخوارج , من مصادرها المختلفة في كتب الحديث (السنية), وبأسانيدها ومتونها.
ورغم أنه لا مجال هنا لذكر كل الأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن, إلاّ أنه لا بأس من إيراد تلخيص إجمالي لها. فأشهر تلك الأحاديث يذكر أن النبي(ص) قال انه سيخرج من أمته قوم يكثرون من الصلاة والصيام والعبادة,  يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وتقول الروايات أن علامة اولئك القوم هو رجل أسود له يد مشوهة لها حلمة كثدي المرأة, وعليها شعرات بيض! وهذا الرجل, ذو الثدية, ورد ذكره في بعض الروايات على انه " شيطان الردهة" أو "المخدج". وتقول الروايات ان النبي(ص) لعنهم ودعا المسلمين الى قتلهم لأنهم "شر الخلق والخليقة". وتمضي الروايات لتضيف انه في أعقاب معركة النهروان التي هزم فيها عليٌ الخوارج, أمر عليٌ بالبحث عن ذلك الشخص ذي الثدية في صفوف قتلاهم, مصداقاً للحديث النبوي, فلما أخبره أصحابه أنهم لم يجدوه, أصرّ على الاستمرار بالبحث عنه حتى وجدوه بالفعل بينهم فكبّر عليٌ وخرّ ساجداً لله لأنه تأكد أن هؤلاء هم بالفعل ىالذين أخبره عنهم النبي(ص) وبالتالي فهو على الحق.
ففي البداية والنهاية قال ابن كثير ان الأحاديث النبوية التي تذكر الخوارج قد وردت عن عدد كبير من الصحابة , وهم : علي بن ابي طالب ( اثنتا عشرة طريقا – رواها مسلم وابو داود واحمد والبخاري وعبد الله بن احمد والخطيب البغدادي والبيهقي والبزار ), وأنس بن مالك (طريقان – رواه احمد وابو داود وابن ماجة), وجابر بن عبد الله (طريق واحدة – رواه احمد), ورافع بن عمرو الغفاري (طريق واحدة – رواه مسلم), وسعد بن ابي وقاص (طريق واحدة – رواه احمد), وابو سعيد سعد بن مالك بن سنان الانصاري (ثمان طرق – رواها أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والبزار وأبو يعلى وابن ماجة), وسهل بن حنيف ( طريق واحدة – رواه أحمد والبخاري ومسلم ), وعبد الله بن عباس( طريق واحدة – رواه ابن ماجة), وعبد الله بن عمر (طريق واحدة – رواه احمد), وعبد الله بن عمرو ( طريق واحدة – رواه أحمد), وعبد الله بن مسعود (طريق واحدة- رواه احمد والترمذي وابن ماجة), وابو ذر(طريق واحدة –رواه مسلم) وعائشة ( طريقان – رواه البيهقي والبزار ).
وعلق ابن كثير " والمقصود أن هذه طرق متواترة عن علي: إذ قد روي من طرق متعددة عن جماعة متباينة لا يمكن تواطؤهم على الكذب. فأصل القصة محفوظ وإن كان بعض الألفاظ وقع فيها اختلاف بين الرواة , ولكن معناها وأصلها الذي تواطأت الروايات عليه صحيح لا يشك فيه عن علي أنه رواه عن رسول الله(ص) انه أخبر عن صفة الخوارج وذي الثدية الذي هو علامة عليهم. وقد روي ذلك من طريق جماعة من الصحابة غير علي كما تراها بأسانيدها وألفاظها"

ومن الروايات اللافتة تلك التي تتحدث عن رجل حسن الهيئة كان يصلي بكل خشوع في بطن أحد الاودية, فرآه أبو بكر فأخبر النبي(ص) عنه, فما كان منه إلاّ أن قال له : اذهب واقتله ! فلما ذهب لينفذ وجده لا يزال يصلي فكره أن يقتله فعاد للنبي, الذي عندها امر عمر بن الخطاب أن يذهب ليقتله , فتكرر معه نفس موقف ابي بكر فعاد للنبي. وعند ذلك امر النبي(ص) علي بن ابي طالب ان يذهب ليقتله , فلما ذهب لم يجده فعاد للنبي(ص). وتقول الرواية ان ذلك الرجل الخاشع المتعبد الذي أمر النبي بقتله هو أسّ الخوارج المستقبليين وأساسهم وهم الذين سيمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية! 

وبالإضافة الى الروايات التي ذكرها ابن كثير هنالك غيرها ممن تحوي ذكراً صريحاً لكلمة " الخوارج" على لسان النبي(ص) مع شتم مباشر لهم " الخوارج هم كلاب النار " كما روى ابن ماجة في سننه والامام احمد في مسنده عن الصحابي عبد الله بن ابي أوفى[28].

وقد روى العديد من المؤرخين قصة ذلك المخدّج في معرض تناولهم لوقعة النهروان. ومنهم البلاذري في أنساب الأشراف الذي قال ان عليا لم يستقر في أعقاب المعركة وأمر أصحابه بالبحث عن ذي الثدية[29] الذي على حلمة يده خمس أو سبع شعرات رؤوسها معقفة, حتى وجدوه بين القتلى, فخرّ عليٌ وأصحابه سجوداً!
وعادة المؤرخين المسلمين أنهم إذا ما اعتقدوا بصحة حديث منسوب للنبي(ص) كانوا ميالين, هم أو رواتهم, الى تحويله الى حقيقة تاريخية.
ولذلك تبدو هذه الاحاديث النبوية التي تتحدث عن الخوارج مفصّلة تفصيلاً ومفبركة من طرف اعدائهم بقصد ذمّهم والتشنيع عليهم.
وبالنسبة لي فإني أصدّق رواية الهيثم بن عدي التي ذكرها ابن كثير " سئل علي عن أهل النهروان, أمشركون هم؟ فقال : من الشرك فروا. قيل : أفمنافقون؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلا. فقيل : فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال : إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا"
وكذلك القول المشهور للامام علي عنهم في معرض المقارنة بينهم وبين أعدائه من جماعة معاوية: طلبوا الحق فأخطأوه.
وكلام عليّ هذا يتناقض مع الأحاديث التي تذكرهم بتلك الصفات الشنيعة


تولدت المزيد من الاضطرابات داخل جبهة عليّ[30]

رغم أن القتال في النهروان قد انتهى بالفعل بانتصارٍ صريحٍ لعليّ وقواته والقضاء على النواة الصلبة للخوارج, إلاّ أن الأمر لم ينتهِ عند ذلك, بل كانت له سلسلة طويلة من ردات الفعل والتبعات والعواقب المؤلمة.
فقد ولّدت معركة النهروان شعوراً عميقاً من الاحباط لدى عموم الناس في الجانب العراقي من الصراع. وقد تجلّى ذلك عندما بدأ عليّ محاولاته لحشد الناس والنهوض لحرب اهل الشام من جديد. روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد  ان عليا بعد فراغه من النهروان حاول حشد الناس للتوجه الى الشام من جديد ولكنه ووجه بمعارضة:
" وأمر علي بالرحيل – يعني بعد فراغه من قتاله الحرورية – وقال لأصحابه: قد أعزكم الله وأذهب ما كنتم تخافون فامضوا من وجهكم هذا الى الشام.
فقال الاشعث : يا امير المؤمنين نفذت نبالنا , وكلّت سيوفنا, ونصلت أسنة رماحنا, فلو أتينا مصرنا حتى نستعد ثم نسير الى عدونا.
فرَكَن الناس الى ذلك"

وليس ذلك فحسب بل حصل ما هو أسوأ! ففي أعقاب معركة النهروان, وخلال سنة 38 للهجرة , حصلت ست حركات تمرّدٍ مسلحة[31] ضد الخليفة عليّ. ووجد عليّ نفسه مضطراً إلى إرسال الحملة تلو الأخرى للقضاء على تلك التمردات المحلية التي يقودها الخوارج وأنصارهم في أنحاء متفرقة من العراق ضد حكم عليّ.

وابتدأت تلك الحركات بتمرّد قاده شخصٌ اسمه الخريت بن راشد[32] والذي كان قد واجه الخليفة مباشرة بقوله له :
" والله لا أطعتُ أمركَ ولا صليتُ خلفكَ !
فقال له علي: ثكلتك امك! إذا تعصي ربك وتنكث عهدك ولا تضر إلاّ نفسك. ولمَ تفعل ذلك؟
قال : لأنكَ حكمتَ في الكتاب وضعفتَ عن الحق حين جد الجد, وركنتَ إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم. فأنا عليك زارٍ وعليهم ناقم! "
وخرج الخريت من الكوفة ومعه 300 رجل من بني ناجية وقد أعلنوا تمردهم, وساروا في مناطق ريفية وقتلوا بضعة أشخاص ممن لقوهم على طاعة عليّ. فأرسل عليٌ خلفهم حملة عسكرية بقيادة زياد بن خصفة الذي لاحقهم في الأرياف حتى وصلوا البصرة, فدار نقاشٌ بين زعيم المتمردين , وبين قائد حملة عليّ , قال خلاله الخريت لما سأله زياد عن أسباب تمرّده :
" لم أرضَ صاحبكم ولا سيرته , فرأيتُ أن اعتزل وأكون مع مَن دعا إلى الشورى"
وبعد قتالٍ ضارٍ هُزم المتمردون وقتل معظم مَن كانوا مع الخريت الذي فرّ إلى الأهواز ومن ثم إلى داخل ايران ,  بعد أن نجح في استقطاب أعدادٍ من الفرس والأكراد ممن كانوا نصارى أصلاً.
وأرسلَ عليّ له حملة أخرى بقيادة معقل بن قيس الرياحي في ألفي مقاتلٍ من أهل البصرة. وخاضوا معه معركة شرسة أسفرت عن مقتل المئات من العرب والعجم الذين انضموا إلى الخريت, رغم أن قوات عليّ قد نصبت راية أمانٍ لمن شاء أن يتراجع.
ومن الملاحظ أن الخريت هذا قد لجأ إلى استعمال كل الطرق الدعائية الممكنة في محاولاته استقطاب العامة لدعمه. فهو قد وصل إلى حد " الطلب بدم عثمان " حين وجد أن ذلك يفيده في إحدى المراحل! ولم يعبأ الخريت بالتناقض الصارخ بين " الطلب بدم عثمان " وبين انتقاد عليّ " لأنه حكّمَ في كتاب الله "! فالمهم هو نجاح تمرّده ضد علي, وحسب تعبير البلاذري " وكان الخريت يوهم للخوارج أنه على رأيهم, ويوهم للعثمانية أنه يطلب بدم عثمان"
ونجحت قوات عليّ أخيراً بقتل الخريت وأسر معظم مَن كان معه , فتفرّقت بقية قواته وحشوده.

وما أن انتهى أمر الخريت, حتى بلغ علياً تمرّدٌ بقيادة الأشرس بن عوف الشيباني في منطقة الأنبار, فأرسل إليه قوة بقيادة الأبرش بن حسان , إلى أن قتل الأشرس في شهر ربيع أول.

وتبعَ ذلك تمرّدٌ بقيادة هلال بن علقمة في منطقة ماسبذان. ونجحت قوات الخليفة بقيادة معقل بن قيس في القضاء على التمرد بعد معركة قتلت فيها 200 شخص في شهر جمادي الأولى.

وفي الشهر التالي حصل تمرد بقيادة الأشهب بن بشير القرني . وأسفر ذلك عن معركة في منطقة جوخا , انتصرت فيها قوات الخليفة بقيادة جارية بن قدامة التميمي وقتل المتمردون.

وفي شهر رجب وقع تمرّد بقيادة سعيد بن قفل في منطقة المدائن, فقام والي علي, سعد بن مسعود الثقفي, بالقضاء عليه وقتل 200 من أصحابه.

وفي شهر رمضان , نجح شخصٌ يدعى أبو مريم السعدي, في تأليب واستقطاب عناصر الخوارج الذين كانوا قد فارقوا أصحابهم وعادوا إلى صفوف عليّ قبيل معركة النهروان. فذكّرهم ب " شهدائهم " واستنفرهم للثأر لهم فاستجاب له المئات منهم وانضم إليه أعدادٌ من الموالي وخاضوا حرباً شرسة , في منطقة شهرزور, ضد قوات عليّ التي قادها بنفسه قبل أن يولّي مهمة متابعة الحرب إلى جارية بن قدامة. ولم ينجُ من المتمردين سوى 50 رجلاً استأمنوا فآمنهم عليّ !

وتعطّل مشروع عليّ في إعادة الهجوم على الشام[33]
لما فرغ عليّ من حرب الخوارج في النهروان أراد التوجه مباشرة بجيشه إلى الشام:
 " قام خطيباً فحمد الله ثم قال : فإن الله قد أحسن بلاءكم وأعز نصركم. فتوجهوا من فوركم هذا إلى معاوية وأشياعه القاسطين الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا. فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.
فقالوا : يا أمير المؤمنين ! نفذت نبالنا, وكلّت أذرعنا, وتقطعت سيوفنا, ونصلت أسنة رماحنا. فارجع بنا نحسّن عدتنا. ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة. فإن ذلك أقوى لنا على عدونا.
فأقبل عليّ بالناس حتى نزل بالنخيلة فعسكر بها , وأمر الناسَ أن يلزموا معه عسكرهم, ويوطنوا أنفسهم على الجهاد, وأن يقلوا من زيارة أبنائهم ونسائهم, حتى يسيروا إلى عدوهم من أهل الشام.
فأقاموا معه أياماً ثم رجعوا يتسللون ويدخلون الكوفة, ويتلذذون بنسائهم وأبنائهم ولذاتهم, حتى تركوا علياً وما معه إلاّ نفرٌ من وجوه الناس يسير, وترك العسكر خاليا"[34]
وقال البلاذري " وسار علي حتى أتى المدائن ثم مضى حتى نزل النخيلة, وجعل أصحابه يدخلون الكوفة حتى بقي في اقل من ثلاثمائة. فلما رأى ذلك دخل الكوفة وقد بطل عليه ما دبّر من إتيان الشام قاصداً اليها من النهروان.
فخطب الناس فقال : ايها الناس استعدوا للمسير الى عدوكم , ففي جهاده القربة الى الله ودرك الوسيلة عنده,,,,, فلم يصنعوا شيئا.
فتركهم اياما حتى اذا يئس منهم خطبهم فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيّه ثم قال : يا عباد الله مالكم اذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله اثّاقلتم الى الارض ! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا, وبالذل والهوان من العز والكرامة خلفا,,, "

ومن جانبه كان معاوية يرصد تطورات الأحداث في العراق بدقة. وبعد انتهاء مؤتمر التحكيم , وصلته الأخبار أن علياً قد تجهز في أهل العراق للمسير إليه مرة أخرى وانه قد خرج بجيوشه بالفعل
".. فهاله ذلك . فخرج من دمشق معسكراً وبعث إلى كور الشام فصاح بها : إن علياً قد سار إليكم. وكتب إليهم نسخة واحدة :
أما بعد, فإنا كنا كتبنا كتاباً بيننا وبين عليّ , وشرطنا فيه شروطاً, وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه, وجعلنا عهد الله وميثاقه على مَن نكث العهد ولم يُمضِ الحكم. وإن حَكمي الذي كنتُ حكمته أثبتني, وإن حكمَه خلعَه. وقد أقبل إليكم ظالماً. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.
تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز, وأعدوا آلة القتال, وأقبلوا خفافاً وثقالاً, يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال!
فاجتمع إليه الناس من كل كورة وأرادوا المسير إلى صفين.....
فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة, حتى قدمت عليهم عيونهم: إن علياً اختلف عليه أصحابه, ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة, وأنه قد رجع عنكم إليهم.
فكبر الناس سروراً لانصرافه عنهم, وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم.
فلم يزل معاوية مُعسكِراً في مكانه, منتظراً لما يكون من عليّ وأصحابه, وهل يُقبل بالناس أم لا؟
فلما برح جاء الخبر أن علياً قد قتل أولئك الخوارج, وانه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس, وأنهم استنظروه ودافعوه. فسرّ بذلك هو ومَن قبله من الناس"[35]

ومسار الاحداث التطورات شجع معاوية كثيراً الى درجةٍ جعلته يطمع في التأثير المباشر في أهل العراق , متجاوزا عليّ , ومحاولاً استمالتهم لصفه أو على اقل تقدير تحييدهم.
مكاتبات معاوية لوجوه أهل العراق : روى البلاذري في أنساب الأشراف " ان معاوية لما بويع, وبلغه قتال علي أهل النهروان, كاتبَ وجوهَ مَن معه مثل الأشعث بن قيس وغيره, ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن المسير مع علي عليه السلام. فكان يقول فلا يُلتفتُ إلى قوله ويدعو فلا يُسمع لدعوته. فكان معاوية يقول : لقد حاربتُ عليا بعد صفين بغير جيش ولا عناء أو قال : ولا عتاد"




















[1] الأخبار الطوال (ص197).
[2] انساب الاشراف (ج3 ص111).
[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج2 ص310). ولا يمكن تصديق النصف الثاني من الرواية والذي يقر فيه الخوارج بأنهم طالبوا بالسلام مع اهل الشام.
[4] مصادر هذا البحث : تاريخ الطبري (ج4 ص54) , انساب الاشراف للبلاذري (ج3 ص129), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص192), مسند احمد بن حنبل (ج1 ص86), نهج البلاغة بشرح محمد عبده ( ج2 ص 173), البداية والنهاية لابن كثير (ج7 ص310), المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري( ج2 ص151 ), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص32), كشف الغمة  لابن ابي الفتح الاربلي (ج1 ص268 ), شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ج2 ص279).
[5] هذا الرقم الذي تذكره اغلب روايات البلاذري واليعقوبي والطبري. ولكن رواية الامام احمد بن حنبل في مسنده تجعل الرقم أقل , حيث قال "خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس".
[6] وهو ذاته كان من قادة الثورة على عثمان ومن المتهمين بالمشاركة في قتله. وقد نجا بمعجزة من القتل في البصرة عندما وصلتها عائشة والزبير وطلحة , لأن قبيلته الكبيرة (تميم) حمته.
[7] حسب رواية الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين انهم قالوا "فإنه حكّم الرجال في أمر الله. وقال الله تعالى : ان الحكم إلاّ لله. وما للرجال وما للحكم!"
[8] نهج البلاغة بشرح محمد عبده.
[9] البداية والنهاية لابن كثير , وكذلك : مسند احمد بن حنبل
[10] النص هذا من رواية الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين. وواضحٌ من هذا "المأخذ" كيفية نشوء الفكر التكفري لدى الخوارج . فهم يعتبرون الناس نوعين : إما مؤمنين وإما كفار ! لا حل وسط , ولا يعترفون بأن الطرفين ممكن ان يكونا مسلمين. 
[11] وفي المصدر الشيعي الصريح , كشف الغمة , يقول ابن ابي الفتح الاربلي ان علياً رد عليهم بشأن حرب الجمل فقال بأن هؤلاء مسلمون وذراريهم لا ذنب لهم, وان القتال كان موجها لمن حملوا السلاح من اهل البصرة.
[12] في رواية الحاكم النيسابوري " فرجع من القوم ألفان" وفي مسند احمد بن حنبل "فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب, فيهم ابن الكواء". وفي رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى "فرجع منهم قوم كثير وثبت قومٌ على رايهم."
[13] وهنا تحاول الرواية أن ترسخ فكرة أن الخوارج متقلبون في مواقفهم ومتناقضون الى حد اعترافهم بأنهم كانوا يستحقون أن يُضربوا بالسيوف يوم صفين !, ويلومون علياً أنه أطاعهم ! وهذا كلام لا يمكن قبوله.
[14] وبالنظر الى كلام ابن ابي الحديد اعلاه يكون هذا الرجل هو الاشعث بن قيس.
[15] مصادر هذا البحث : انساب الاشراف للبلاذري ( ج3 ص128), الاخبار الطوال للدينوري (ص207-209), الإمامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص 168), مسند احمد بن حنبل (ج1 ص87)
[16] ج1 ص268
[17] تاريخ الطبري (ج4 ص60-61), تاريخ خليفة بن خياط (ص149), الاخبار الطوال للدينوري (ص206-207), مسند احمد بن حنبل (ج1 ص87), شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ج2 ص280 – 282).
[18] ونفس هذه الرواية أخرجها ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة نقلاً عن " أبي العباس ". وكعادته في الاختصار أخرج وأما خليفة بن خياط فكعادته في الاختصار أخرج الخبر في معرض حديثه عن سنة 38 كما يلي: "وفيها قتلت الخوارج عبد الله بن خباب بن الارت, وعليهم مسعر بن فدكي" ولم يذكر من ممارساتهم الفظيعة أو العجيبة شيئا آخر.
[19] مصادر هذا البحث : انساب الاشراف للبلاذري (ج3 ص136 وص146), الاخبار الطوال للدينوري (ص207-210), تاريخ الطبري (ج4 ص62-65), الإمامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص 169), شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ج2 ص282 وص289  و ج5 ص116), تاريخ خليفة بن خياط (ص149), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص193), وقعة صفين لنصر بن مزاحم (ص559), البداية والنهاية لابن كثير (ج7 ص342).
[20]تاريخ خليفة بن خياط. والبلاذري يقول ان مالعركة وقعت يوم 9 صفر سنة 38. واما اليعقوبي فيقول ان حرب النهروان وقعت سنة 39 !
[21] الإمامة والسياسة لابن قتيبة. وقريبٌ من ذلك ورد في تاريخ الطبري .
[22] ربضة واحدة : أي قتلوا كلهم في بقعة واحدة.
[23] اليعقوبي يقول انهم 4000 , والطبري قال : 2800 رجل. والدينوري قال "فلم يبقَ مع عبد الله بن وهب إلاّ أقل من أربعة آلاف رجل". ونصر بن مزاحم رفع العدد الى 5000 . وأما البلاذري فقد هبط بالرقم الى 1800 رجل " ويقال انهم 1500" !
[24] ورواية الدينوري فيها نفس هذه الاسماء ولكن مع ذكر يزيد بن الحصين  بدلا من شبيب بن بجرة.
[25] وسوف يبقى الاستبسال في القتال, ابتغاء مرضاة الله, صفة ملازمة للخوارج, جيلا بعد آخر. والوصف التالي الذي ورد على لسان أحد قادتهم أثناء إحدى ثوراتهم العديدة ضد الأمويين, أيام مروان بن محمد بن عبد الملك, يوضح ذلك( من شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد):
" ... نعم والله إن أصحابي لشباب مكتهلون في شبابهم, غضيضة عن الشر أعينهم, ثقيلة عن الباطل أقدامهم. قد باعوا أنفسا تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا. قد خلطوا كلالهم بكلالهم, وقيام ليلهم بصيام نهارهم. محنية أصلابهم على أجزاء القرآن. كلما مروا بآية خوف شهقوا خوفا من النار. وكلما مروا بآية رجاء شهقوا شوقا إلى الجنة. وإذا نظروا إلى السيوف وقد انتضيت, وإلى الرماح وقد أشرعت, وإلى السهام وقد فوقت, وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت, استخفوا وعيدها عند وعيد الله وانغمسوا فيها. فطوبى لهم وحسن مآب. فكم من عين في منقار طائر طالما بكى بها صاحبها من خشية الله! وكم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعا وساجدا في طاعة الله"
[26] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
[27] مصادر هذا البحث : البداية والنهاية لابن كثير(ج7 ص319-337), سنن ابن ماجة (ج1 ص61), مسند احمد بن حنبل (ج4 ص355), أنساب الأشراف للبلاذري (ص237), و ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج3 ص32).
[28] ينبغي ملاحظة أنه ورد في الرواية نفسها ان ابن ابي اوفى كان له غلام قد لحق بالخوارج , وعندها ذكر الحديث.
[29] وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى في سياق كلامه عن الخوارج ومعركة النهروان ان علياً " قتل منهم ذا الثدية "!
[30] مصادر هذا البحث : انساب الاشراف للبلاذري (ج3 ص177 و ص 239-248)., تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ج1 ص210), تاريخ الطبري (ج4 ص84-86).
[31] أخبار حركات التمرد الست هذه مأخوذة من أنساب الأشراف للبلاذري
[32] واخبار تمرد الخريت اخرجها ايضا الطبري في تاريخه بتفاصيل كثيرة نقلا عن ابي مخنف.
[33] مصادر هذا البحث : الإمامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص 170), تاريخ الطبري (ج4 ص67), شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج2 ص114), أنساب الأشراف للبلاذري ( ج3 ص 153 وص156)
[34] الإمامة والسياسة لابن قتيبة . ونفس الرواية اوردها الطبري عن ابي مخنف , وفيها زيادة ان الذي تولى مخاطبة عليّ بذلك الكلام هو الاشعث بن قيس.
[35] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. وقريبٌ من ذلك ورد في ترجمة علي بن أبي طالب في أنساب الأشراف للبلاذري