الجزء الرابع : الهجوم على عثمان وقتله


الفصل الاول : الهجوم على الخليفة
كان الأمر في البداية أشبه بمسيرة منظمة, احتجاجية, ومسلحة. في موسم الحج من عام 35 , كان من ضمن الوفود التي أمّت المدينة المنورة لأداء المناسك مجموعاتٌ من الذين جاؤوا وقد قرروا أن يستغلوا الموسم بهدف الاحتجاج المباشر على ما يَرَونه سياسات منحرفة للخليفة.

من هم الثوار[1] ؟

كان هؤلاء المحتجون من عدة أمصار: البصرة, الكوفة ومصر. وكانوا أساساً من الذين طفح بهم الكَيل ولم يقدروا على الاستمرار في تحمّل ما اعتبروه ظلماً صارخاً وفساداً مفضوحاً يمارسه الجهاز الحاكم. وكان البارزون منهم قد سبق وتعرّضوا إلى عقوباتٍ بشكل أو بآخر على يد ولاة عثمان.
ويلاحظ أن هؤلاء الثوار كانوا ينتمون الى طيف واسع من ابناء القبائل العربية. ومن الصعب ملاحظة تكتل كبير لقبيلة بعينها في صفوفهم, بل على العكس فهم كانوا ينحدرون من مناطق وقبائل متباينة ومتباعدة. فقد كان بينهم اليمانيون والعدنانيون, البدو والحضر, بل ضموا حتى عناصر من قريش وخزاعة.

وكان بعضهم ممن يمكن القول انه ينتمي الى الطبقة العريضة لصحابة النبي(ص)

 مثل جهجاه الغفاري الذي قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب " يقال : انه شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة . وكان قد شهد مع رسول الله(ص) غزوة المريسيع , وكان يومئذ أجيراً لعمر بن الخطاب , ووقع بينه وبين سنان بن وبرة الجهني في تلك الغزاة شر فنادى جهجاه الغفاري : يا للمهاجرين! ونادى سنان : يا للأنصار ! وكان حليفاً لبني عوف بن الخزرج , فكان ذلك سبب قول عبد الله بن ابي بن سلول في تلك الغزوة (لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل).... مات بعد عثمان رضي الله عنه بيسير"[2]
وأضاف يقول عنه " وروي أن جهجاه هذا هو الذي تناول العصا من يد عثمان وهو يخطب. فكسرها يومئذ. فأخته الأكلة في ركبته , وكانت عصا رسول الله(ص) "
وكذلك عمرو بن الحَمِق الخزاعي . فقد قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب " هاجر الى النبي(ص) بعد الحديبية , وقيل : بل أسلم عام حجة الوداع. والأول أصحّ.
صحبَ النبي(ص) وحفظ عنه أحاديث , وسكن الشام , ثم انتقل الى الكوفة فسكنها.
.... وكان ممن سار الى عثمان. وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا...."[3] 
وقال عنه ابن سعد في الطبقات الكبرى " صحِبَ النبي(ص) ونزل الكوفة . وشهد مع علي رضي الله عنه مشاهده. وكان فيمن سار الى عثمان وأعان على قتله. .. "

وكذلك عبد الرحمن بن عديس البلوي. قال عنه ابن الأثير في أسد الغابة " له صحبة. وشهد بيعة الرضوان وبايع فيها.
وكان امير الجيش القادمين من مصر لحصر عثمان بن عفان رضي الله عنه لما قتلوه..."[4]

وايضا محمد بن ابي بكر الصديق. فقد قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب انه ولد عام حجة الوداع وانه نشأ في حجر علي بن ابي طالب بعد ان تزوج امّه أسماء بنت عميس " وكان علي بن ابي طالب يثني على محمد بن ابي بكر , ويفضله, لأنه كانت له عبادة واجتهاد . وكان ممن حضر قتل عثمان"[5]

الثوار المصريون : عند البحث عن أسمائهم نجد أن الطبري في تاريخه يخرج ثلاث روايات :
فعن ابن اسحق " وكان أهل مصر الذين ساروا الى عثمان 600 رجل على أربعة ألوية, لها رؤوس أربعة , مع كل رجل منهم لواء. وكان جماع أمرهم جميعاً الى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي – وكان من أصحاب النبي(ص) – والى عبد الرحمن بن عديس التجيبي"[6]
وذكر الواقدي عن المصريين" وكان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس البلوي, وسودان بن حمران المرادي, وعمرو بن الحمق الخزاعي – وقد كان هذا الاسم غلب حتى كان يقال جيش ابن الحمق-  وابن النباع"
وأما سيف بن عمر فقال " خرج أهل مصر في اربع رفاق على اربعة أمراء, المقلل يقول ستمائة, والمكثر يقول ألف. على الرفاق : عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي, وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني. وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي, ولم يجترؤوا ان يعلموا الناس بخروجهم الى الحرب وإنما أخرجوا كالحجاج, ومعهم ابن السوداء"
وأما رواية أبي مخنف لدى البلاذري فتقول " وجاء أهل مصر وهم 400 , ويقال 500, ويقال 700 , ويقال 600. عليهم أربعة امراء : أبو عمرو بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي على ربع, وعبد الرحمن بن عديس البلوي على ربع, وكنانة بن بشر التجيبي على ربع, وعروة بن شييم بن البياع الكناني ثم الليثي على ربع"
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى عن الواقدي عن جابر بن عبد الله ان القادمين من مصر :
"كان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس البلوي, وسودان بن حمران المرادي, وابن البياع, وعمرو بن الحمق الخزاعي (لقد كان الاسم غلب حتى يقال : جيش عمرو بن الحمق)"
وفي رواية أخرى له عن الواقدي عن ابي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي قال " كان المصريون الذين حصروا عثمان 600 , رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي , وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي, وعمرو بن الحمق الخزاعي"
وقال اليعقوبي في تاريخه عن الثوار المصريين "وكان من يأخذون عنه محمد بن ابي بكر , ومحمد بن ابي حذيفة, وكنانة بن بشر, وابن عديس البلوي"
 وأما ابن قتيبة في الامامة والسياسة فقال " فخرج من اهل مصر 700 رجل" ثم يتحدث بالتفصيل عن نشاطهم في المدينة بقيادة محمد بن ابي بكر وجدالهم مع الخليفة وساطة الصحابة ثم رجوعهم الى مصر , حتى اكتشفوا رسول عثمان الى عامله بمصر وعودتهم للمدينة مرة أخرى, ثم أضاف " وأقبل ابن ابي حذيفة من مصر في 400 رجل"
وقال خليفة بن خياط في تاريخه " قدم أهل مصر عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي"
وقال ابن حبان في كتاب الثقات " فخرج من اهل مصر 700 رجل فيهم اربعة من الرؤساء : عبد الرحمن بن عديس البلوي, وعمرو بن الحمق الخزاعي, وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي, وسودان بن حمران المرادي"

وبشأن ثوار الكوفة :
قال الواقدي (الطبري)" وقدم الاشتر في اهل الكوفة"
قال سيف بن عمر(الطبري) " وخرج أهل الكوفة في اربع رفاق , وعلى الرفاق : زيد بن صوحان العبدي, والاشتر النخعي, وزياد بن النضر الحارثي, وعبد الله بن الاصم – أحد بني عامر بن صعصعة – وعددهم كعدد أهل مصر. وعليهم جميعاً عمرو بن الاصم "
وأما ابن قتيبة في الامامة والسياسة فقال " ثم أقبل الاشتر النخعي من الكوفة في الف رجل"
وقال ابن حبان في كتاب الثقات" وخرج من الكوفة عدي بن حاتم الطائي والاشتر مالك بن الحارث النخعي  في 200 رجل"[7]
وقال خليفة بن خياط في تاريخه عن الثوار" وأهل الكوفة فيهم الاشتر مالك بن الحارث النخعي"
وفي رواية لابن سعد في الطبقات الكبرى عن الواقدي عن ابي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي قال " والذين قدموا من الكوفة 200 , رأسهم مالك الاشتر النخعي"


وبشأن الثوار البصريين :
قال الواقدي (الطبري) " وقدم حكيم بن جبلة من البصرة في ركب"
قال سيف بن عمر(الطبري) " وخرج اهل البصرة في اربع رفاق , وعلى الرفاق : حكيم بن جبلة العبدي, وذريح بن عباد العبدي, وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي, وابن المحرش بن عبد بن عمرو الحنفي. وعددهم كعدد أهل مصر. وأميرهم جميعاً حرقوص بن زهير السعدي"
وقال أبو مخنف (البلاذري) " وخرج حكيم بن جبلة العبدي في 100 ولحق به بعد ذلك 50 فكان في 150"
وفي رواية لابن سعد في الطبقات الكبرى عن الواقدي عن ابي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي قال" والذين قدموا من البصرة 100 رجل رأسهم حكيم بن جبلة العبدي"
وقال ابن حبان في كتاب الثقات " وخرج من البصرة حكيم بن جبلة العبدي في 100 رجل, حتى قدموا المدينة يريدون خلع عثمان"
وقال خليفة بن خياط في تاريخه عن الثوار" وأهل البصرة عليهم حكيم بن جبلة العبدي"

ومن اجمالي الروايات يمكن القول ان العناصر القيادية الفاعلة في صفوف الثوار كانت محمد بن ابي بكر, والاشتر النخعي,  وعمرو بن الحمق الخزاعي, وعبد الرحمن بن عديس البلوي وحكيم بن جبلة العبدي. فهؤلاء كانوا يتصدرون النقاشات والجدالات ويعرضون المطالب ويبرمون التفاهمات بالنيابة عن عموم الثوار.
ولا يصح وصف الثوار بأنهم مجموعات من الأوباش والأوغاد والعبيد الآبقين, كما سيرد وصفهم على لسان السيدة عائشة والزبير بن العوام أو في روايات سيف بن عمر.


هل كانت هناك مؤآمرة يهودية ؟!
تذهب روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري الى أن التمرد الذي حصل في الأمصار ضد الخليفة عثمان وأدى في نهاية المطاف الى مقتله كان نتيجة لمؤامرة يهودية خبيثة حبك خيوطها شخص اسمه عبد الله بن سبأ . وابن السوداء هذا – كما يشار له احياناً – كان يهودياً من اليمن فأظهر الاسلام نفاقاً في عهد عثمان من أجل الكيد للإسلام وأهله. وتقول روايات سيف أن ابن سبأ هذا قد تنقل ما بين المدينة والبصرة والكوفة والشام ومصر وبث الاشاعات والأباطيل حول الخليفة وولاته وأنه نجح في تكوين أتباع كثر له في كل مكان بمن فيهم صحابة كبار كعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري, وبالتالي أثار القلاقل وأشعل الفتنة في ديار الاسلام بعد ان كان الناس في خير ووئام. والنظرية الكامنة وراء قصة ابن سبأ هي أنه ليست هناك أسباب موضوعية للتمرد والثورة بل ان كل ما حصل لا يعدو كونه تآمر شيطاني على الخليفة الراشد عثمان.
وانا ارى ان هذا الكلام يبلغ من السخافة حداً يجعله غير جدير بالبحث الجدي. وقد استعرضنا في الفصول السابقة العوامل الموضوعية التي سببت الاضطراب في مصر والعراق بتفاصيلها. كما يمكن الرجوع الى فصل مشكلة ابي ذر الغفاري من هذا الكتاب للاطلاع على نموذج من روايات سيف عن ابن سبأ وتفنيدنا لها. كما قمنا بتفنيد مجموعة أخرى من روايات سيف بن عمر تتعلق بالوليد بن عقبة وابن ابي السرح وعمار بن ياسر وابن مسعود وسعيد بن العاص وغيرهم من الشخصيات وما يتعلق بها من أحداث.
ولن استرسل هنا في الحديث عن روايات المؤآمرات التي حاكها ابن سبأ في الأمصار لأنها ببساطة مضيعة للوقت وإهانة للعقل. فلم تكن هناك مؤآمرة يهودية ولا ابن سبأ, وكل ذلك وهمٌ وخرافة.

ولكن هذا لا ينفي إمكانية حصول نوع من التنسيق العملي بين صفوف المتمردين القادمين من الأمصار الثلاثة. فذلك طبيعي لأن الجميع لهم مطالب متشابهة وهم قد جاؤوا ولديهم قضية واحدة وهي الاصلاح والتغيير. بل إنني أسمح لنفسي بقبول رواية لأبي مخنف تشير الى حصول نوع من التنسيق المسبق بين نشطاء من المعارضين قبل سنة من الهجوم على الخليفة.
روى البلاذري في أنساب الأشراف " حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قالوا :
التقى اهل الأمصار الثلاثة , الكوفة والبصرة ومصر, في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام . كان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة النهدي , ورئيس اهل البصرة المثنى بن مخربة العبدي, ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر بن عتاب بن عوف السكوني ثم التجيبي.
فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاءَ بما اعطى من نفسه وعاهد الله عليه. وقالوا : لا يسعنا الرضى بهذا ! فاجتمع رأيهم على أن يرجع كل واحد من هؤلاء الثلاثة الى مصره فيكون رسولَ من شهد مكة من اهل الخلاف على عثمان الى من كان على مثل رأيهم من اهل بلده. وأن يوافوا عثمانَ في العام المقبل في داره فيستعتبوه , فأن اعتبَ وإلاّ رأوا رأيهم فيه. ففعلوا ذلك"
وهذه رواية مثيرة للاهتمام وأنا أقبلها رغم تحفظي على الاسماء : فقد مر بنا أن كعب بن عبدة كان شاباً صغير السن حين كتب رسالته الى عثمان فلا يصح وصفه بـ " رئيس اهل الكوفة" إلاّ إذا كان المقصود مندوباً عن نشطاء أهل الكوفة. وكذلك مندوب البصرة " المثنى بن مخربة" لم أجد له ذكراً واضحاً في تطورات الأحداث.

وفي هذا السياق هناك رواية مثيرة أخرى لدى البلاذري ( أنساب الأشراف) , عن الواقدي هذه المرة. تقول " لما كانت سنة 34 كتب بعض أصحاب رسول الله (ص) الى بعض, يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله, وما الناسُ فيه من عماله, ويُكثرون عليه, ويسأل بعضهم بعضاً أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد"
ولم توضح هذه الرواية من هم هؤلاء الصحابة الذين يتبادلون الرسائل للشكوى من عثمان. ويبدو السياق وكان نوعاً من الاستنجاد يصدر من داخل المدينة الى الأمصار من أجل التحرك ضد الخليفة. وأنا أستبعد أن يكون كبار الصحابة القرشيين (طلحة , الزبير, سعد ) أو الامام علي أو زوجات النبي لهم علاقة بتلك الكتب. فربما تكون شخصيات ثانوية من الصحابة, من الأنصار بالذات, بادروا بالكتابة والتحريض ضد عثمان.
وعلى كل حال, تشير الرواية الى نوع من الحراك والتململ كان يحدث حتى في عاصمة الخلافة.







مطالب الثائرين[8]
وبدأ الثوار العمل بحذر وعلى مراحل. ومن المرجح أن هدفهم في البداية لم يكن قتل عثمان ولا حتى خلعه, بل تقديم مطالبهم وعرض مطاعنهم والطلب منه بحزم أن يغير سياسته والحصول على ضمانات بذلك. وعلى الرغم من أن وفد المحتجين لم يكن سلمياً, إلاّ أنه يمكن القول أنه لم تكن هناك نية مسبقة باستخدام القوة ضد الخليفة. فلو أنهم كانوا قد جاؤوا لقتل الخليفة لفعلوا ذلك من اليوم الأول لوصولهم لأنه لم يكن هنالك عائق مادي مؤثر يحول دون ذلك. فليس الأمر اغتيالاً أو جريمة قتل لفرد.

وهناك في المصادر نصوص كثيرة تذكر مطالب المتمردين من عثمان. ولكنها متداخلة جدا ومبعثرة . والظاهر أيضا ان الثائرين أنفسهم كانت مطاليبهم كثيرة ومتنوعة, وأن المفاوضات مع عثمان كانت شاقة للغاية بسبب كثرة النقاط المثارة.
وفي الاجمال لم يكن عثمان يصرّ كثيراً على صوابية مواقفه ولم يكابر كثيرا, بل كان يقرّ بأخطائه ويطلب المغفرة من الله عليها!   والنص التالي من الامامة والسياسة مثال على ذلك:
" فقام إليه رجلٌ من المهاجرين فقال له : يا عثمان , أرأيتَ ما حميتَ من الحمى: آلله أذِنَ لكم أم على الله  تفترون (يونس 59)؟
فقال عثمان : إنه قد حَمى الحِمى قبلي عمرُ لإبل الصدقة. وإنما زادت فزدت.
 فقام عمرو بن العاص فقال : يا عثمان : إنك ركبتَ بالناس نهابير من الأمر فتب إلى الله يتوبوا.
 فرفع عثمان يديه وقال : توبوا من كل ذنب. اللهم إني أول تائبٍ إليك.
 ثم قام رجل من الأنصار فقال : يا عثمان! ما بال هؤلاء النفر من أهل المدينة يأخذون العطايا ولا يغزون في سبيل الله؟! وإنما هذا المال لمن غزا فيه وقاتل عليه, إلاّ مَن كان من هذه الشيوخ من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام.
 فقال عثمان : فأستغفر الله وأتوب إليه. ثم قال : يا أهل المدينة! مَن كان له منكم ضرعٌ فليلحق بضرعه, ومَن كان له زرع فليلحق بزرعه, فإنا والله لا نعطي مال الله إلاّ لمن غزا في سبيله, إلاّ مَن كان من هذه الشيوخ من الصحابة.
 قال : فما بال هذا القاعد الشارب لا تقيم عليه الحد ( يعني الوليد بن عقبة )؟
 فقال عثمان لعليّ : دونك ابن عمك فأقم عليه الحد..."[9]
ولدى خليفة بن خياط في تاريخه ورد النص عن ابي سعيد مولى ابي اسيد الانصاري :
" سمع عثمان ان وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فقالوا : ادعُ بالمصحف. فدعا به.
فقالوا : افتح السابعة. وكانوا يسمون سورة يونس السابعة.
فقرأ حتى أتى هذه الآية ( قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) فقالوا له : قف! أرأيتَ ما حميتَ من الحمى ؟ آلله أذن لك أم على الله تفتري؟ قال : امضِه. نزلت في كذا وكذا . أما الحمى فإن عمر حماه قبلي لإبل الصدقة فلما وليتُ زادت إبل الصدقة فزدتُ في الحمى لما زاد من ابل الصدقة. امضه.
قال فجعلوا يأخذونه بالآية فيقول : امضه. نزلت في كذا فما يريدون؟
فأخذوا ميثاقه وكتبوا عليه ستاً , وأخذ عليهم ألاّ يشقوا عصا ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم.
ثم رجعوا راضين..."[10]

وفي بعض الأحيان كان الخليفة ينجح في الدفاع عن نفسه وتفسير بعض قراراته مثلما حصل حين أثار بعضهم قضية حرق المصاحف.
والنص التالي من تاريخ المدينة لابن شبة مثال على ذلك :
".. عن عروة بن الزبير قال : قدم المصريون فلقوا عثمان رضي الله عنه
فقال : ما الذي تنقمون ؟
قالوا : تمزيق المصاحف .
قال : إلى الناس لما اختلفوا في القراءة خشي عمر رضي الله عنه الفتنة فقال : من أعرب الناس ؟ فقالوا : سعيد بن العاص . قال : فمن أخطهم ؟ قالوا : زيد بن ثابت . فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد وخط زيد ، فجمع الناس ثم قرأه عليهم بالموسم فلما كان حديثا كتب إلي حذيفة : إن الرجل يلقى الرجل فيقول : قرآني أفضل من قرآنك حتى يكاد أحدهما يكفر صاحبه ، فلما رأيت ذلك أمرت الناس بقراءة المصحف الذي كتبه عمر رضي الله عنه ، وهو هذا المصحف ، وأمرتهم بترك ما سواه ، وما صنع الله بكم خير مما أردتم لأنفسكم .
وما تنقمون ؟
 قالوا : حميتَ الحمى . وذكروا أهل البوادي وما يلقون من نعم الصدقة .
فقال : إن وجدتم فيه بعيرا لآل أبي العاص فهو لكم .
وما تنقمون أيضا ؟
 قالوا : تعطيل الحدود .
قال : وأي حد عطلت ؟ ! ما وجب حد على أحد إلا أقمته عليه ، وأنا أستغفر الله من كل ذنب وأتوب إليه .."

ويمكن تلخيص المطالب التي عرضها الثوار على النحو التالي[11]:
·        مواضيع تتعلق بالسياسات المحلية المتبعة في الأقاليم
وقف ممارسات الولاة القمعية وظلمهم
وقف اجراءات النفي والطرد بحق أفاضلهم
عزل ولاتهم , وخاصة ابن أبي السرح في مصر, واستبدالهم بأشخاص يفضلونهم
·        مواضيع تتعلق بالسياسات العامة على مستوى الدولة
وقف ابتزاز ونهب بيت المال
ضرورة تطبيق العدالة في العطاء, وإنصاف الفئات المحرومة
وقف تعيين أقرباء عثمان وأبناء عائلته على الأعمال
رفض الاعتداء على صحابة ذوي فضل وسابقة ومعاقبتهم[12]

وهنا لا بد من التعليق والقول إن المطالب التي عَرَضها المتمردون تعبيرٌ حقيقيٌ عن روحية الإسلام الصافية. وبغضّ النظر عن صفاء نواياهم أو مدى صدقهم, فأن طروحاتهم كانت إسلامية تماماً. ولا يمكن لأحدٍ أن يجادل في حق الرعية في وجود ولاة صالحين لإدارة الدولة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ضرورة المحافظة على المال العام. والذي يشكو منه هؤلاء المتمردون من مظالم كان حقيقياً وملموساً. وفي كل المفاوضات التي جرت مع الخليفة, كان عثمان إعتذارياً في خطابه معهم ولم يكن يجادل في صوابية مطالبهم من حيث المبدأ.
فباختصار كان المتمردون يطالبون بالإصلاح, وبتعديل المسيرة , والعودة إلى زمن الزهد والعدل. وكانوا باحتجاجهم القوي ذاك يعلنون أنهم لن يقبلوا أن تستمر الأحوال على ما هي عليه.

ماذا كتب ابن كثير؟

قال في البداية والنهاية :

"...فانطلق علي بن أبي طالب إليهم وهم بالجحفة ، وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره ، فردهم وأنبهم وشتمهم . فرجعوا على أنفسهم بالملامة ، وقالوا : هذا الذي تحاربون الأمير بسببه ، وتحتجون عليه به ؟!
 ويقال إنه ناظرهم في عثمان ، وسألهم ماذا ينقمون عليه ، فذكروا أشياء منها أنه حمى الحمى ، وأنه خرق المصاحف ، وأنه أتم الصلاة وأنه ولى الاحداث الولايات وترك الصحابة الأكابر وأعطى بني أمية أكثر من الناس.
 فأجاب عليٌ عن ذلك : أما الحِمى فإنما حماهُ لابل الصدقة لتسمن ، ولم يحمِهِ لابلِه ولا لغنمِه وقد حماهُ عمرُ من قبله . وأما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف ، وأبقى لهم المتفق عليه ، كما ثبت في العرضة الأخيرة . وأما إتمامه الصلاة بمكة ، فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها. وأما توليته الاحداث فلم يولّ إلا رجلا سويا عدلا ، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة ، وولى أسامة بن زيد بن حارثة . وطعن الناس في إمارته فقال إنه لخليق بالامارة . وأما إيثاره قومه بني أمية , فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشا على الناس ، ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية إليها !
 ويقال إنهم عتبوا عليه في عمار ومحمد بن أبي بكر ، فذكر عثمان عذره في ذلك ، وأنه أقام فيهما ما كان يجب عليهما . وعتبوا عليه في إيوائه الحكم بن أبي العاص ، وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفاه إلى الطائف ثم ردّه ، ثم نفاه إليها ، قال فقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردّهُ ، وروى أن عثمان خطب الناس بهذا كله بمحضر من الصحابة ، وجعل يستشهد بهم فيشهدون له فيما فيه شهادة له . ويروي أنهم بعثوا طائفة فشهدوا خطبة عثمان هذه ، فلما تمهدت الاعذار وانزاحت عللهم ولم يبقَ لهم شبهة ، أشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم فصفح عنهم ، رضي الله عنه . وردهم إلى قومهم فرجعوا خائبين من حيث أتوا ، ولم ينالوا شيئا مما كانوا أملوا وراموا"

وهذا نصٌ عجيبٌ غريبٌ يورده ابن كثير دون ذكر مصدره ( ويُقال ). ومؤلف هذا النص يصرّ على ان علياً بن ابي طالب بالذات هو مَن يقوم بالدفاع عن كل سياسات الخليفة عثمان, ويفند المآخذ عليه واحداً تلو الآخر, بما في ذلك دفاعه عن تعيينات عثمان لأقربائه الشبان من بني أمية! ولم يرض مؤلف هذا النص إلاّ بالقول على لسان عليّ بالذات إن الولاة الأمويين الذين عينهم عثمان كانوا رجالاً أسوياء عادلين! وأن عثمان كان مقتدياً برسول الله(ص) في سياسته هذه لأنه "كان يؤثر قريشاً على سائر الناس" , وبالتالي فلا لوم عثمان لأنه يؤثر بني أمية على سائر الناس!
ولا داعي في الاسهاب في تفنيد هذا النص , فهو متهافتٌ وهزيلٌ بما يحول دون جدارته بنقاش جدي. فسيرة علي بن ابي طالب ومواقفه المجمع عليها , ووقائع التاريخ, تؤكد انه يستحيل أن تصدر عنه تلك المدائح في حق عثمان ورجاله من طلقاء قريش وبني أمية.
ولا يمكنني إحسان الظن بابن كثير هنا. فهو العلامة العارف , وهو المتخصص بالتاريخ وهو الاستاذ الذي لا يمكن أن يكون جاهلاً بعلاقة علي ببني امية . ولذلك أقول ان ما كتبه ابن كثير هنا دليلٌ يثبت تعصبه المذهبي الصارخ, والذي أخرجه من توازنه ودفعه الى هذا المستوى الهابط من الروايات . فكرهُهُ للشيعة وحرصُهُ على تفنيد حججهم جعله يقول لهم : ان علياً كان يحب بني أمية رغم أنفكم! ورغم أنف الحقيقة ومسار التاريخ.



عثمان يستجيب لوساطة علي: اتفاقٌ مكتوب

وقد دامت المرحلة الأولى من التمرد لمدة شهر . وهذه المرحلة "السلمية" كانت فترة طلب حسابات , وعرض مطالبات, وشرح تظلمات, ومناظرات ونقاشات ومفاوضات ووساطات, انتهت في الآخر إلى موافقة عثمان على طلبات الوفود وتوصل الطرفان إلى اتفاق مكتوب.
لم يُظهر كبار الصحابة انحيازاً واضحاً إلى أحد الفريقين[13], بل لعبوا دور الوسيط بين الخليفة والمحتجين وكانوا كفلاء للاتفاق, وأبرزهم عليّ. 
وقد كان عثمان يعلم أن علياً بن أبي طالب هو الشخص الأكثر قبولاً لدى أوساط المحتجين, وأنه الذي يمكن أن يمارس نفوذه لديهم فيردعهم عن إلحاق الأذى بالخليفة. ولذلك كان عثمان يلجأ إليه , وبإلحاح, لكي يخرج إليهم ويتفاهم معهم.
روى الطبري :
" فلما رأى عثمان ما رأى , جاء علياً, فدخل عليه بيته فقال : يا ابن عم! إنه ليس لي مترك, وإن قرابتي قريبة, ولي حقٌ عظيمٌ عليك. وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم, وهم مصبحي. وانا أعلم أن لك عند الناس قدراً وأنهم يسمعون منك. فأنا أحب أن تركب إليهم فتردّهم عنّي فإني لا أحب أن يدخلوا عليّ, فإن ذلك جرأة منهم عليّ, وليسمع بذلك غيرهم.
فقال: عليّ: علامَ أردّهم؟
قال : على أن أصير إلى ما أشرتَ به عليّ ورأيته لي. ولستُ أخرج من يديك"
ويمكن قبول هذا النص الذي يعطي فيه عثمان تفويضاً مفتوحا لعلي بالتفاهم مع الثوار بلا شروط من طرفه على أساس رغبته في التخلص من الأزمة الخطيرة التي تواجهه والتي باتت تهدده مباشرة.
وبعد هذا الطلب المباشر من الخليفة, استعمل عليٌ ثِقله كله , وبذل جهدَه مع المتمردين من أجل التوصّل إلى تفاهم يُنهي المشكلة. ونجح عليٌ في مسعاه.
والكثير من المصادر تذكر التوصل الى اتفاق ولكن دون ذكر تفصيلي لشروطه, أو تذكرها مجملة أو مختصرة. ولكن النص التالي لدى ابن شبة هو أفضل ما يوضح أساس التفاهم الذي توصل إليه علي بن أبي طالب لحل الأزمة مع الثوار :
" فأصلح عليّ بينهم, وكتبوا كتابا اشترطوا فيه خمساً:
أن المنفي يُقلب
وأن المحروم يُعطى
وأن الفيئ يوفر
وان يُعدل في القسم
وأن يُستعمل أولو القوة والأمانة"[14]

 وتتحدث رواياتٌ أخرى عن " العمل بكتاب الله وسنة نبيه" و " وأن يؤمن الخائف" و "رفع المظالم" و " وأن لا تجمّر البعوث " وكذلك " ألاّ يأخذ أهل المدينة عطاءً , فإنما هذا المال لمن قاتل عليه, ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله(ص)[15]" ولا تناقض في هذه الروايات . بل يجب النظر اليها بالاجمال على أنها تتكامل لتوضح نوعية مطالب الثوار وموافقة الخليفة على تنفيذها.


واعترف عثمان بأخطائه وتعهد بالإقلاع عن سياسته السابقة بعد تلك السجالات الطويلة. بل وتضيف الروايات أنه قام  وأعلن توبته علانيةً وعلى المنبر بعد أن طلب منه علي بن ابي طالب أن يُشهد الناسَ ويُشهد الله على ما في قلبه من النزوع والانابة. روى الطبري في تاريخه من طريق الواقدي :
" .... فقام فحمد الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد أيها الناس!
فوالله ما عابَ مَن عابَ منكم شيئاً أجهله وما جئتُ شيئاً إلاّ وأنا أعرفه.
ولكني منّتني نفسي وكذّبتني, وضلّ عني رشدي.
ولقد سمعتُ رسول الله(ص) يقول : مَن زلّ فليتب, ومَن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة. إن مَن تمادى في الجور كان أبعد من الطريق.
فأنا أول مَن اتعظ. أستغفر الله مما فعلتُ. وأتوب إليه.
فمثلي نزَعَ وتاب.....
فرقّ الناسُ له يومئذ وبكى مَن بكى منهم"

وبدوره أخذ عثمان على المحتجين شرطاً: " ألاّ يشقوا عصاً ولا يفارقوا جماعةً, ما قام لهم بشرطهم"[16].
والصحابة كانوا الشهود والكفلاء للإتفاق.

فإذن وافق المحتجون على الاستمرار بالاعتراف بسلطة الخليفة وقبلوا وعد التغيير.ورجع المحتجون إلى أمصارهم.  وبدت الأزمة وكأنها انتهت.

ولا بد لنا , قبل متابعة تسلسل الاحداث , من تامل النص الطويل التالي الذي أخرجه الطبري في تاريخه عن ابن اسحق . فهو يوضح مدى الاضطراب الذي كان سائداً في المدينة أثناء فترة المفاوضات والوساطات. والرواية يظهر منها "عدة عودات" للثوار المصريين الى الخليفة بعد "عدة اتفاقيات" تم إبرامها بتوسّط من علي الذي كان عثمان يطالبه مرة بعد أخرى بالمساعدة في ردّ الثوار. تبتدأ الرواية بالقول ان أهل مصر:
" كتبوا اليه : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد . فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . فالله الله ثم الله الله! فإنك على دنيا فاستتم معها اليها آخرة ولا تلبس نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا. واعلم أنا والله لله نغضب وفي الله نرضى. وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة أو ضلالة مجلحة مبلجة. فهذه مقالتنا لك وقضيتنا اليك والله عذيرنا منك والسلام.
وكتب أهل المدينة الى عثمان يدعونه الى التوبة ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله.
فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم : قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل الى علي بن ابي طالب فيطلب اليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداد .
فقال : إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي عهداً . وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان , فمتى أعطِهم ذلك يسألوني الوفاء به.
فقال مروان بن الحكم : يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب . فأعطِهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك فإنما هم بغوا عليك فلا عهد لهم .
فأرسل الى علي فدعاه. فلما جاءه قال : يا ابا حسن انه قد كان من الناس ما قد رأيتَ , وكان مني ما قد علمتَ . ولستُ آمنهم على قتلي , فارددهم عني فإن لهم الله عز وجل أن أعتبهم من كل ما يكرهون وأن اعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي
فقال له علي : الناس الى عدلك أحوج منهم الى قتلك . واني لأرى قوماً لا يرضون إلاّ بالرضى. وقد كنتَ  أعطيتهم في قدمتهم الاولى عهداً من الله لترجعن عن جميع ما نقموا. فرددتُهم عنك. ثم لم تفِ لهم بشيئ من ذلك . فلا تغرني هذه المرة من شيئ فإني معطيهم عليك الحق.
قال : نعم ! فأعطِهم . فوالله لأفينّ لهم !
فخرج علي الى الناس فقال : ايها الناس ! انكم انما طلبتم الحق فقد أعطيتموه . إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره , وراجعٌ عن جميع ما تكرهون , فاقبلوا منه ووكدوا عليه
قال الناس : قد قبلنا فاستوثق منه لنا , فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل
فقال لهم : عليّ ذلك لكم
ثم دخل عليه فاخبره الخبر فقال عثمان : اضرب بيني وبينهم أجلاً يكون لي فيه مهلة فإني لا اقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد
قال له علي : ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه وما غاب أجله وصول أمرك
قال : نعم ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.
قال علي: نعم. فخرج الى الناس فأخبرهم بذلك . وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجله فيه ثلاثاً على أن : يردّ كل مظلمة ويعزل كل عامل كرهوه.
ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما اخذ الله على احد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والانصار . فكفّ المسلمون عنه ورجعوا الى ان يفي لهم بما اعطاهم من نفسه"

الفصل الثاني : انهيار الاتفاق  وحصار عثمان[17]

تراجع عثمان
لم يصمد الاتفاق طويلاً ولم يأخذ طريقه الى حيز التنفيذ.
وتجمع الروايات أن مروان بن الحكم كان سبب ذلك وأنه استغل موقعه من الخليفة ليفسد كل التفاهمات التي توصل لها علي والصحابة مع الثوار وعثمان.

فمروان , بعد أن بدا له أن الخطر المباشر قد زال برجوع الثوار, بدأ في تنفيذ سياسة انتقامية كان يراها ضرورية من أجل الحفاظ على استقرار الحكم الأموي. فهو لا يرضى بأن يمرّ هذا الأمر مرور الكرام. فهؤلاء تمرّدوا على الخليفة ولا بد أن يعاقبوا, إن لم يكن في المدينة على يد عثمان, ففي غيرها من الأمصار وعلى يد غيره من الحكام. فبنظر مروان, إن تركَ هؤلاء بلا عقاب, فسوف تزيد جرأتهم وسوف يرفعون من سقف مطالباتهم في قادم الأيام, وسوف يجرؤ غيرهم.
كما أن مروان كان يعرف أن نجاح وساطة الصحابة , وعليّ بالذات, بين الخليفة والمتمردين, سيكون شؤماً عليه. وقد ذكرنا كيف كان عليّ  يلح على عثمان ويضغط عليه باستمرار لكي يتخلّص من أقربائه من بني أميّة الذين اتخذهم بطانة فاستغلّوا سلطانه وسيطروا على مفاصل الحكم. ومروان, مستشاره المقرّب والمؤتمن كان على رأس هؤلاء. وقد قال عليٌ لعثمان مرة:
 " ... فلا تكوننّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي العمر ... "[18]

ومروان كان يدرك أن أي تفاهمٍ بين الخليفة والثائرين سيكون حتماً على حسابه هو بالذات, وأضرابه من بني أمية. ولا يمكن لمروان أن يسمح بذلك. فالخليفة, بنظره, مُلكٌ لبني أمية, وهو ليس لديه استعداد لأن "يفقده"!

وبدأ مروان العمل[19].
 فكانت الخطوة الأولى بنظره هي نزع الشرعية عن الثوار ومطالبهم. وذلك يتم عن طريق الإعلان أن كل ما أثاروه من قضايا هو باطل وغير صحيح! وبالتالي إنكار أن الخليفة قدم تنازلات أو أقر بأخطائه.


 ونجح مروان في إقناع عثمان بأن يقوم على الملأ فيعلن ذلك. يروي الطبري في تاريخه من طريق الواقدي  :" ... حتى اذا كان الغد جاءه مروان فقال له : تكلم وأعلم الناسَ أن أهل مصر قد رجعوا , وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً. فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم, فيأتيكَ مَن لا تستطيع دفعَه
فأبى عثمان أن يخرج. فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد, إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمراً, فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم."

وفي رواية أخرى للواقدي لدى الطبري:
"...قال مروان : بأبي أنت وأمي ! والله لوددتُ أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيعٌ فكنتُ أول من رضى بها وأعان عليها. ولكنك قلتَ ما قلتَ حين بلغ الحزام الطبيين وخلف السبيل الزبى وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل! والله لإقامةٌ على خطيئةٍ تستغفر الله منها أجملُ من توبةٍ تخوف عليها! وإنك إن شئتَ تقربت بالتوبة ولم تقرب بالخطيئة. وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس.
 فقال عثمان : فاخرج إليهم فكلمهم فاني أستحيي أن أكلمهم.
 قال فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم؟ قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب! شاهت الوجوه! كل إنسان آخذ بإذن صاحبه ألا من أريد. جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! اخرجوا عنا. أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمرٌ لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا"[20]
ومن الطبيعي أن تؤدي خطبة مروان هذه الى إستثارة غضب علي الشديد . وكيف لا وهو يرى جهده يضيع سدى. تتابع الرواية " فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى عليا فأخبره الخبر .
فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيتَ من مروان ولا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يُقاد حيث يُسار به ؟! والله ما مروان بذى رأى في دينه ولا نفسه. وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك, وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك. أذهلتَ شرفك وغلبتَ على أمرك"[21]

وروى الطبري في تاريخه عن الواقدي ان علياً قد غضب كثيراً على عثمان بسبب تراجعاته المتكررة عن الاتفاقات التي يبرمها هو مع الثوار , ونكوصه عن تعهداته بسبب تأثير مروان بن الحكم, حتى قال علي " إني إن قعدتُ في بيتي قال لي : تركتني وقرابتي وحقي, وإني إن تكلمتُ فجاء ما يريد يلعبُ به مروان , فصار سيقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله(ص)" وقرر علي أن يوقف تدخلاته ووساطته وقال لما جاءه رسول عثمان يدعوه " فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب : قل له ما انا بداخل عليك ولا عائد". ولكن لما تعرض عثمان الى الاعتداء وهو على المنبر وسقط مغشياً عليه ذهب علي يزوره " ودخل علي بن ابي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشي عليه , وبنو امية حوله .
فقال : مالك يا أمير المؤمنين؟
فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد فقالوا : يا علي أهلكتنا وصنعتَ هذا الصنيع بأمير المؤمنين . أما والله لئن بلغتَ الذي تريد لتمرّن عليك الدنيا.
فقام عليٌ مغضباً"[22]  


  
الكتاب المزوّر وبدء حصار عثمان

ولم يكتفِ مروان بن الحكم بالضغط على عثمان للتراجع عن اتفاقاته مع المتمردين, مما أضرّ جدا بمصداقية الخليفة أمام الناس ,بل انتقلَ إلى ما هو أهم وأخطر. أصدر مروان أوامره, مستغلاً ضعف عثمان وثقته به, إلى ابن أبي السرح في مصر بقتل هؤلاء الثوار حالما يصلون أرض مصر! أصدرَ الأمرَ باسم عثمان وطبع الكتابَ بخاتم الخليفة وأرسله على وجه السرعة مع غلامٍ إلى مصر ليسبق الوفد المصري العائد. وكانت النتيجة أن ضُبِط الغلام والكتاب. فكانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير.
وتكاد تجمع المصادر على مسؤولية مروان عن ذلك الكتاب المزور.

وفيما يلي نصّ طويل من تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري نقلا عن الزهري عن سعيد بن المسيب, وفيه انه لما قدم أهل مصر يشكون واليهم, وبعد تدخل كبار الصحابة طالبين من عثمان انصافهم 
" ... فقال لهم : اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه. فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر فقالوا : استعمل علينا محمد بن أبي بكر.
فكتب عهده وولاّه وخرج معه عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح.
 فخرج محمد ومَن كان معه , فلما كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط خبطا كأنه رجل يَطلب أو يُطلب.
 فقال له أصحاب محمد : ما قصتك وما شانك ؟ كأنك هاربٌ أو طالب.
 فقال : انا غلام أمير المؤمنين . وجّهَني إلى عامل مصر.
قال له رجل : هذا عامل مصر معنا.
قال : ليس هذا أريد.
واخبروا بأمره محمد بن أبي بكر, فبعث في طلبه رجالاً فأخذوه فجاؤوا به إليه.
 فقال له : يا غلام مَن أنت ؟
 فأقبل مرة يقول غلام أمير المؤمنين ومرة يقول غلام مروان. حتى عرفه رجل أنه لعثمان.
 فقال له محمد : إلى مَن أرسِلتَ؟
 قال : إلى عامل مصر .
 قال : بماذا ؟
قال : برسالة.
قال : أمعك كتاب؟
 قال : لا.
 ففتشوه فلم يجدوا معه كتاباً. وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل. فحركوه ليخرج فلم يخرج, فشقوا الإداوة, فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح.
 فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم, ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه : إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم, وأبطل كتابه وقرّ على عملك حتى يأتيك رأي في ذلك. واحبس مَن يجيء إلي يتظلم منك ليأتيك رأي في ذلك  إن شاء الله تعالى.
 قال : فلما قرأوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة. وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه ودفع الكتاب إلى رجل منهم فقدم المدينة.
 فجمعوا طلحة والزبير وعلياً وسعداً ومَن كان من أصحاب رسول الله ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم واخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب. فلم يبقَ أحدٌ من أهل المدينة إلاّ حنِق على عثمان. وزاد ذلك مَن كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار حنقاً وغيظاً.
 وقام أصحاب محمد فلحقوا بمنازلهم.
وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تميم وغيره وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله. وكانت عائشة رضي الله عنها تقبحه كثيراً.
 فلما رأى ذلك علي , بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب النبي كلهم بدري. ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والبعير والغلام.
فقال له علي : هذا الغلام غلامك؟
 قال : نعم.
 قال : فالبعير بعيرك ؟
 قال : نعم.
 قال : وأنت كتبتَ هذا الكتاب ؟
 قال : لا! وحلف بالله : ما كتبتُ هذا الكتاب ولا أمرتُ به ولا وجهتُ هذا الغلام إلى مصر.
 فأما الخط فعرفوا انه خط مروان. وشكوا في أمر عثمان رضي الله عنه, وسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى – وكان مروان عنده في الدار – فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غِضاباً وشكوا في أمره. وعلموا أنه لا يحلف بباطل.
 إلاّ أن قوماً قالوا : لا يبرأ عثمان من قلوبنا إلاّ أن يدفع إلينا مروان حتى نثخنه, ونعرف حال الكتاب. فكيف يُؤمَرُ بقتل رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبَه عزلناه  وإن يكن  مروان كتبه على لسان عثمان, نظرنا ما يكون منا في أمر مروان.
 ولزموا بيوتهم وأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان وخشي عليه القتل. وحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء"[23]

وأما في تاريخ اليعقوبي  فتبدو الرواية مبتسرة وفيها بعض اختلاف. فهو يبتدئ بالقول " وقدم عليه أهل البلدان فتكلموا . وبلغ عثمانَ أن أهل مصر قدموا عليهم السلاح. فوجّه اليهم عمرو بن العاص وكلمهم" وبعد أن ذكر عمرو كلاماً مدح فيه النبي (ص) وخليفتيه قال للمصريين " ثم ولي عثمان, فقلتم , وقال, تلومونه ويعذر من نفسه , أفليس ذلك كذلك؟ قالوا : بلى. قال : فاصبروا له, فإن الصغير يكبر والهزيلَ يسمن , ولعل تأخير أمر خير من تقديمه. ثم نزل.
فدخل أهل عثمان عليه فقالوا له : هل عابك أحدٌ بمثل ما عابك به عمرو؟
فلما دخل عليه عمرو قال : يا ابن النابغة! والله ما زدتَ ان حرّضتَ الناسَ عليّ!
قال : والله لقد قلتُ فيك أحسن ما علمتُ. ولقد ركبتَ من الناس , وركبوها منك, فاعتزل إن لم تعتدل!
فقال : يا ابن النابغة! قمُلَ درعك[24] مذ عزلتك عن مصر!"
ثم أضاف " وسار الركبُ الذين قدموا من مصر , فلما صاروا في بعض الطريق إذا براكب على جمل , فأنكروه ففتشوه, فوجدوا معه صحيفة من عثمان الى خليفته عبد الله بن سعد : اذا قدم عليك النفر فاقطع أيديهم وأرجلهم.
 فقدموا واتفقوا على الخروج. وكان من يأخذون عنه محمد بن ابي بكر , ومحمد بن ابي حذيفة, وكنانة بن بشر, وابن عديس البلوي, فرجعوا الى المدينة"

وأما رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى فقد كانت عن جابر بن عبد الله " ان المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان ونزلوا بذي خشب , دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال : اذهب إليهم فارددهم عني وأعطهم الرضى وأخبرهم أني فاعل بالأمور التي طلبوا, ونازعٌ عن كذا بالأمور التي تكلموا فيها.
فركب محمد بن مسلمة إليهم إلى ذي خشب. قال جابر : وأرسل معه عثمان خمسين راكبا من الأنصار انا فيهم.
وكان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس البلوي, وسودان بن حمران المرادي, وابن البياع, وعمرو بن الحمق الخزاعي (لقد كان الاسم غلب حتى يقال : جيش عمرو بن الحمق)
فأتاهم محمد بن مسلمة فقال : ان أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا, وأخبرهم بقوله فلم يزل بهم حتى رجعوا.
فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلامٌ لعثمان فأخذوا متاعه ففتشوه فوجدوا فيه قصبة من رصاص فيها كتاب في جوف الادارة في الماء, إلى عبد الله بن سعد : أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا , من القوم الذين شرعوا في عثمان
فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خشب. فأرسل عثمان إلى محمد بن مسلمة فقال : اخرج فارددهم عني. فقال : لا أفعل.
فقدموا فحصروا عثمان"
ويلاحظ ان هذه الرواية في مجملها تتفقق مع تلك المفصلة لابن شبة, ولكنها تختلف بعدم ذكر علي بن أبي طالب ولا غيره من الصحابة الذين تفاوضوا مع الثوار باستثناء محمد بن مسلمة, كما انها لا تذكر مروان بن الحكم ولا اتهامه بتزوير الكتاب. وهي أيضا تخلو من ذكر محمد بن أبي بكر ودوره في قيادة المتمردين المصريين.

وقد روى خليفة بن خياط في تاريخه عن ابي سعيد مولى ابي اسيد الانصاري أنه بعد أن رجع الوفد المصري:
" فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ويفارقهم , ثم يرجع اليهم ثم يفارقهم.
فقالوا : مالك ؟ قال : انا رسول أمير المؤمنين الى عامله بمصر . ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه الى عامل مصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع ايديهم وأرجلهم.
فأقبلوا حتى قدموا المدينة فأتوا علياً فقالوا : ألم ترَ الى عدو الله كتب فينا بكذا وكذا؟ وان الله قد أحل دمه, فقم معنا اليه.
قال : والله لا أقوم معكم
قالوا : فلمَ كتبتَ الينا ؟
قال : والله ما كتبتُ اليكم كتاباً.
فنظر بعضهم الى بعض, وخرج علي من المدينة.
فانطلقوا الى عثمان فقالوا : كتبتَ فينا بكذا وكذا .
قال : انهما اثنتان : أن تقيموا رجلين من المسلمين أو يمين بالله الذي لا إله إلاّ هو ما كتبتُ ولا أمللتُ ولا علمتُ . وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم .
قالوا : قد احل الله دمك , ونقض العهد والميثاق وحصروه في القصر رضي الله عنه"
وهذه الرواية في مجملها تتفق مع تلك المفصلة لابن شبة, ولكنها تذكر علي بن أبي طالب وليس محمد بن مسلمة كمفاوض, كما انها لا تذكر مروان بن الحكم ولا اتهامه بتزوير الكتاب. وهي أيضا تخلو من ذكر محمد بن أبي بكر ودوره في قيادة المتمردين المصريين. كما ان فيها إشارة الى كتاب غامض يحرض على عثمان وصل الى الثوار من علي, ونفي علي لذلك.

ولا تختلف رواية ابن اسحق التي أخرجها الطبري في تاريخه في اطارها العام عما سبق من روايات:
" ...فأرسلوا الى عثمان : ألم نفارقك على أنك زعمتَ انك تائب من أحداثك وراجعٌ عما كرهنا منك وأعطيتنا على ذلك عهد الله ومثاقه؟
قال : بلى . انا على ذلك .
قال : فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك وكتبتَ به الى عاملك؟
قال : ما فعلتُ ولا لي علم بما تقولون
قالوا : بريدك على جملك وكتاب كاتبك عليه خاتمك
قال : أما الجمل فمسروق, وقد يشبه الخط الخط واما الخاتم فانتقش عليه
قالوا : فإنا لا نعجل عليك وإن كنا قد اتهمناك. اعزل عنا عمالك الفساق , واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا واردد علينا مظالمنا.
قال عثمان : ما أراني إذن في شيئ إن كنتُ أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم . إذن الأمر أمركم!
قالوا : والله لتفعلن أو لتعزلن أو لتقتلن, فانظر لنفسك أو دع.
فأبى عليهم وقال : لم اكن لأخلع سربالاً سربلنيه الله .
فحصروه اربعين ليلة , وطلحة يصلي بالناس"

وفي رواية الواقدي لدى الطبري  أنه لما أجابهم عثمان بأنه لا يدري مَن الذي كتب الكتاب باسمه, لم يقتنعوا بذلك فقالوا له:
" أفيجترأ عليك, فيبعث غلامك, وجمل من صدقات المسلمين, وينقش على خاتمك, ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام, وأنتَ لا تعلم؟!
قال نعم .
قالوا : فليس مثلك يلي. اخلع نفسك من هذا الامر كما خلعك الله منه
 قال لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل "
وهكذا فأنه بعد أن يئس الناسُ تماماً من وعود الخليفة لم يعد هناك سوى واحد من احتمالين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه  وتجنب القتل : إمّا أن يعزل الخليفة نفسه , أو يسلّم مروان بن الحكم. هذان كانا المطلبين الأخيرين للثوار ولم يكن ممكناً التنازل فيهما. كان واضحاً أن أهل المدينة – والأنصار خصوصاً – قرروا التخلّي عن الخليفة.  لقد تملّك الناسَ شعورٌ من اليأس من إمكانية إصلاح سياسة عثمان. كان هناك شعور جَمعيّ بأن الخليفة لا يعدو كونه ألعوبة بأيدي بني أمية الذين يسيّرون كل شيء في الدولة, وأن نجاح محاولات التغيير يعتمد على مدى استعداد الخليفة للاستغناء عن بطانته الفاسدة. ولم يكن عثمان ليوافق على التخلي عن أقربائه الأمويين لعدة أسباب : فهو أولا يحبهم من ناحية فطرية, وحتى حين كان بمكة مع الرسول(ص) وبعدها في المدينة, لم تتدهور علاقته مع قومه وبقي الودّ موجوداً حتى في ذروة فترات الصراع النبوي مع قريش بقيادة بني أمية. وكذلك فإن عثمان بسياسته المنحازة لعائلته قد أغضب عليه كبار الصحابة الذين كانوا يرون أنه قد مالَ عن سياسة أبي بكر وعمر والتي كانت قائمة على أسس قرشية عامة, وانحرف بها لتصبح سياسة عائلية أموية محضة . وبما أن عموم الأنصار وبني هاشم هم في المعسكر المعارض لسياسة الخليفة, فإن عثمان في حقيقة الأمر لم يكن يملك عملياً خيار الاستغناء عن بطانته الأموية. فبدون عائلته, على ماذا يتكئ عثمان في حكمه؟


وقد أخرج ابن شبة في تاريخ المدينة ثلاث روايات فيها اتهامٌ صريح من عثمان لعلي بأنه وراء ذلك الكتاب المختوم باسمه! وهذا إن صحّ يعكس مدى الانحدار في مستوى علاقتهما وطغيان الشك وسوء الظن بينهما : " فقال له علي رضي الله عنه: أتتهم أحداً من اهل بيتك؟ قال : نعم. قال : من تتهم؟ قال : أنت أول من أتهم!
فغضب علي رضي الله عنه فقام وقال : والله لا أعينك ولا أعين عليك حتى ألتقي أنا وأنت عند رب العالمين"
وفي الرواية الثانية ان عثمان قال لعلي" أظن كاتبي غدر , أو أظنك به يا علي!
قال علي : فلم تظنني؟
قال : لأنك مطاع في القوم فلم تردهم عني"
ويبدو أن هذا الموقف كان نهاية محاولات علي للتوسط بين عثمان والمهاجمين. فبعد هذا الاتهام الصريح له بالتآمر عليه, كيف يمكن لعلي أن يستمر في مساعيه؟!
وروى ابن شبة أيضا عن الشعبي أن أهل مصر لما عادوا وحصبوا عثمان وهو على المنبر , وجّه اتهاماً صريحاً آخر لعلي " فقال عثمان رضي الله عنه : يا علي ! قد نصبتَ القدر على أثاف[25]"
ورغم أن الباحث يميل الى عدم ترجيح أن يكون عثمان قد وجه مثل ذلك الاتهام المباشر لعلي بانه كان وراء ذلك الكتاب المزور, إلاّ أنه لا يمكن استبعاد ذلك تماماً, خصوصا بالنظر الى خلفية العلاقة الطويلة من الشقاق بين الرجلين, واخذاً بعين الاعتبار الوضع الحرج والظرف الصعب الذي كان عثمان يمر به مما قد يفقده اعصابه وتوازنه.

وهكذا بدا الحصار الأخير للخليفة عثمان في بيته. ولا يعرف على وجه الدقة كم دام ذلك , ولكنه كان طويلاً جداً حسب كل الروايات. وبالاضافة الى قول ابن اسحق انه كان 40 ليلة, ذكر ابن الاثير في اسد الغابة"قال الواقدي : حصروه 49 يوماً. وقال الزبير : حصروه شهرين وعشرين يوماً"

تأييد ابن كثير لمروان وعثمان

أعلن ابن كثير في البداية والنهاية معارضته لقيام مروان بن الحكم بتزوير ذلك الكتاب على لسان الخليفة وإرساله الى عامل مصر دون علمه أو إذنه, ولامَه على ذلك. ولكنه في ذات الوقت دافع عنه وأوجد تبريراً لتصرفه : الاجتهاد والتأويل! فقال :
" ان المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد الى أمير مصر , فيه الأمر بقتل بعضهم وصلب بعضهم وبقطع ايدي بعضهم وأرجلهم , وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان متأولاً قوله تعالى (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب أليم) – الماذدة 33 –
وعنده ان هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من جملة المفسدين في الارض – ولا شك أنهم كذلك- لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان ويكتب على لسانه بغير علمه ويزور على خطه وخاتمه ويبعث غلامه على بعيره , بعدما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين....."
ثم دافع ابن كثير عن عثمان فقال ان المهاجمين لما قالوا له " ان كنت قد كتبته فقد خنتَ , وإن لم تكن قد كتبته بل كتب على لسانك وأنت لا تعلم فقد عجزتَ . ومثلك لا يصلح للخلافة : إما لخيانتك وإما لعجزك" لم يكن لهم الحق في ذلك " وهذا الذي قالوا باطل على كل تقدير : فإنه لو فرض انه كتب الكتاب, وهو لم يكتبه في نفس الأمر, لا يضرّه ذلك , لأنه قد يكون رأى ذلك مصلحة للأمة في إزالة شوكة هؤلاء البغاة الخارجين على الامام. وأما إذا لم يكن قد علم به فأي عجز ينسب اليه اذا لم يكن قد اطلع عليه وزور على لسانه ؟
وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه رضي الله عنه . وانما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة , ظلمة مفترون "



حديث نبوي باثر رجعي : لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله [26]

ومن المفيد هنا ملاحظة كيفية تطوّر قول لواحد من الصحابة , صدر عنه في موقف معين, وفي أثناء ظرف محدد, الى حديث منسوب الى الرسول (ص). فالذي يجري هنا هو لجوء أطراف منخرطة في الصراع الى "استدعاء" رسول الله (ص), قسرا,  لدعم مواقفها في الفتنة.
فأمام مطالبات الثوار له بأن يخلعَ نفسه من الحكم, لأنه غير صالح لأن يكون خليفة ولأنهم عجزوا عن التوصّل إلى حلٍ مقبول معه, أعلن عثمانُ موقفه النهائي , وهو أن الخلافة منحةٌ إلهيةٌ له ولن يتنازل عنها أبداً وأطلق قوله المشهور "لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله عز وجل"[27]
فلنرَ كيف طُوّر كلامُه؟

فقد روى خليفة بن خياط في تاريخه" عن ام يوسف بنت ماهك عن أمها قالت " دخلتُ على عثمان وهو محصور , وفي حجره المصحف, وهم يقولون : اعتزلنا ! وهو يقول : لا أخلع سربالاً سربلنيه الله"
وهناك رواية أخرى لدى خليفة تفيد بأن صاحب فكرة القميص الالهي هو عبد الله بن عمر . فعن نافع قال " دخل ابن عمر على عثمان وعنده المغيرة بن الاخنس فقال : انظر ما يقول هؤلاء, يقولون اخلعها ولا تقتل نفسك!
فقال ابن عمر : اذا خلعتها أمخلدٌ أنت في الدنيا ؟
قال : لا.
قال : فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن يقتلوك؟
قال : لا
قال : فهل يملكون لك جنة أو ناراً؟
قال :لا
قال : فلا أرى لك ان تخلع قميصاً قمصكه الله فتكون سنة: كلما كره قومٌ خليفتهم أو امامهم قتلوه[28]"

وهاتان الروايتان عن ام يوسف بنت ماهك ونافع أخرجهما ابن سعد في الطبقات الكبرى مع اختلاف يسير : ففي الاولى قول عثمان "لا انزع سربالاً سربلنيه الله, ولكن انزع عما تكرهون" , وفي الثانية قول ابن عمر " لا ارى ان تسنّ هذه السنة في الاسلام : كلما سخط قوم على اميرهم خلعوه. لا تخلع قميصاً قمصكه الله"

وكذلك لدى البلاذري (أنساب الأشراف).
فعن أبي مخنف أن المصريين لما حاصروه قالوا له"...ما مثلك يلي أمور المسلمين, فاختلع من الخلافة!
فقال : ما كنت لأنزع قميصاً قمّصنيه الله – أو قال سربلنيه الله"
وعن نافع عن ابن عمر " قال عثمان وهو محصور : ما تقول فيما أشار به عليّ المغيرة بن الاخنس؟
قلتُ : وما هو ؟
قال : ان هؤلاء القوم يرون خلعك, فإن فعلتَ وإلاّ قتلوك! فدع امرهم اليهم.
قلت : أرأيت ان لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟
قال : لا
فقلت : فلا أرى أن تسن هذه السنة في الاسلام, فكلما سخط قوم اميرهم خلعوه. لا تخلع قميصاً قمّصكه الله"

وروى ابن شبة في تاريخ المدينة" حدثنا أحمد بن معاوية قال : حدثنا اسماعيل بن مجالد, عن الشعبي أن عثمان رضي الله عنه لما حصر أياما طلبوا اليه أن يخلع نفسه فأبى وقال : لا أخلع سربالا سربلنيه الله, ولا اخلع قميصا كسانيه الله.
فقالوا : ان الله سربلك امة محمد جميعا , تسلط على اموالهم وتستعمل اخوتك وأقربتك. عليك التوبة من هذا القول لأن هذا ليس بميراث عن ابيك , ولا عهد من رسول الله (ص) ... "

وهذه العبارة الصادرة عن عثمان , بصيغها المختلفة سواء (لا انزع قميصا) أو ( لا اخلع سربالا), مشهورة ومتواترة في جميع كتب التاريخ. وهي تنسجم مع وقائع الأحداث ومع فلسفة الخليفة ونظرته للخلافة كمنحة له من الله . وليس هناك ما يدعو الى الشك في صدورها عنه.

ورغم ان الروايات لا تشير الى أن عثمان نفسه قد نسب هذه العبارة الى رسول الله (ص) , ولا ادّعى انها وصية نبوية قديمة, إلاّ أن النعمان بن بشير, وهو رجل معاوية المخلص, قد أصرّ على ان عبارة عثمان انما هي عهدٌ قديمٌ له من النبي(ص) ذاته, وليست من لدن الخليفة! 

ورد في سنن ابن ماجه عن النعمان بن بشير عن عائشة قالت " قال رسول الله (ص) : يا عثمان, إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً , فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمّصك الله , فلا تخلعه. يقول ذلك ثلاث مرات.
قال النعمان : فقلتُ لعائشة : ما منعك أن تعلمي الناسَ بهذا؟ قالت : أنسيته"
وورد في سنن الترمذي  عن النعمان بن بشير عن عائشة ان رسول الله (ص) قال " يا عثمان : انه لعل الله يقمصك قميصاً , فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم"
وجاء في صحيح ابن حبان عن النعمان بن بشير قال " انه أرسله معاوية بن ابي سفيان بكتاب الى عائشة, فدفعه اليها. فقالت : ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول الله؟
قلت: بلى
قالت : اني عنده ذات يوم أنا وحفصة فقال رسول الله(ص) : لو كان عندنا رجل يحدثنا.
فقلتُ : يا رسول الله أبعثُ الى أبي بكر يحيئ فيحدثنا؟ قالت : فسكتَ.
فقالت حفصة : يا رسول الله أبعث الى عمر فيجيئ فيحدثنا؟ قالت : فسكت(ص)
فدعا رجلاً فأسرّ اليه بشيئ دوننا.
فذهب فجاء عثمان فأقبل عليه بوجهه. فسمعته (ص) يقول : يا عثمان إن الله لعله يقمصك قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه. ثلاثاً.
قلتُ : يا أم المؤمنين فأين كنتِ عن هذا الحديث؟
قالت : يا بني أنسيته. كأني لم أسمعه قط"

فهكذا حسب "حديث" النعمان هذا , فإنه كان يقوم بدور المرسال بين خصمي الامام علي, معاوية وعائشة, وأنه أثناء قيامه بمهمته تلك قامت ام المؤمنين عائشة "بتذكر" حديث نبوي كانت قد "نسيته"! 

ولا تخفى على اللبيب مقاصد النعمان من ترويج هذا "الحديث" : فالدفاع عن عثمان , وتبرير مواقفه أثناء الفتنة, سيؤدي بالتاكيد الى نيل رضا سيده معاوية , ونيل الحظوة عنده. وهو ما كان , فعيّنه معاوية واليا على الكوفة مكافأة له على ذلك "الحديث" النبوي المفصل على مقاس عثمان, وعلى أدواره الأخرى.

الفصل الثالث : مواقف من الهجوم على عثمان

اقتلوا نعثلاً  ![29]

تميل الكثير من المصادر الى توجيه اللوم الى ام المؤمنين عائشة وتحميلها مسؤولية التحريض على قتل الخليفة عثمان والتأليب عليه. وهنا بعض الأمثلة على ذلك :

روى اليعقوبي في تاريخه" وكان بين عثمان وعائشة منافرة, وذلك انه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب, وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله. ونادت : يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبل , وقد أبلى عثمان سنته" وأضاف انه أثناء حصار عثمان في داره " وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة" ثم قال " وصار مروان الى عائشة فقال : يا أم المؤمنين! لو قمتِ فأصلحتِ بين هذا الرجل وبين الناس؟
 قالت : قد فرغت من جهازي, وأنا أريد الحج.
 قال : فيدفع اليك بكل درهم أنفقته درهمين.
قالت : لعلك ترى اني في شك من صاحبك؟ اما والله لوددتُ أنه مقطع في غرارة من غرائري, وأني أطيق حمله, فأطرحه في البحر!"

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن سعد " وأرادت عائشة الحج وعثمان محصور. فأتاها مروان ويزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن ابي العاص فقالوا : يا أم المؤمنين لو أقمتِ ! فإن أمير المؤمنين كما ترين محصور , ومقامك مما يدفع الله به عنه.
فقالت : قد خليتُ ظهري وعريتُ غرائري ولستُ أقدر على المقام
فأعادوا عليها الكلام وأعادت عليهم مثلما قالت لهم . فقام مروان وهو يقول :
حرق قيس علي البلاد         حتى إذا استعرت أجذما
فقالت عائشة : أيها المتمثل عليّ بالأشعار , وددتُ والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحى, وأنكما في البحر! وخرجت الى مكة"

وورد في كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي :
"خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه :
 قال : وعزمت عائشة على الحج ، وكان بينها وبين عثمان قبل ذلك كلام ، وذلك أنه أخر عنها بعض أرزاقها إلى وقت من الأوقات فغضبت ، ثم قالت : يا عثمان ! أكلت أمانتك وضيقت رعيتك وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك ، لا سقاك الله الماء من فوقك وحرمك البركة من تحتك ! أما والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك قوم ذو ثياب وبصائر يذبحوك كما يذبح الجمل .
 فقال لها عثمان : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) .
قال : وكانت عائشة تحرض على قتل عثمان جهدها وطاقتها وتقول : أيها الناس ! هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل وبليت سنته ، اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا !
 قال : فلما نظرت عائشة إلى ما قد نزل بعثمان من إحصار القوم له قربت راحلتها وعزمت على الحج ، فقال لها مروان بن الحكم : يا أم المؤمنين ! لو أنك أقمت  لكان أعظم لاجرك ، فإن هذا الرجل قد حوصر فعسى الله تبارك وتعالى أن يدفع بك عن ذمه !
فقالت : الآن تقول هذا وقد أوجبت الحج على نفسي ، لا والله لا أقمت .
 وجعل مروان يتمثل بهذا البيت : ضرم قيس على البلاد دما * إذا اضطرمت يوم به أحجما .
 فقالت عائشة : قد فهمت ما قلت يا مروان !
فقال مروان : قد تبينت ما في نفسك .
فقالت : هو ذاك .
 ثم إنها خرجت تريد مكة ، فلقيها ابن عباس فقالت له : يا بن عباس , إنك قد أوتيت عقلا وبيانا فإياك أن ترد الناس عن قتل هذا الطاغي عثمان! فإني أعلم أنه سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر .
 ثم إنها مضت إلى مكة وتركت عثمان على ما هو فيه من ذلك الحصار والشدة"

ومثل هذه الروايات لا بد من تجاهلها واعتبارها خارجة عن السياق المرجح للأحداث: فالسبب الذي تستند اليه في غضب عائشة هو تقاعس عثمان عن أداء حقوقها المالية وقيامه بالانتقاص من عطائها الذي كان في زمان عمر.  وهذا مستبعد تماما لأن عثمان كان يتصف بالسخاء في المنح والعطاء, وخصوصا لكبار الصحابة ولقريش عموما. وما هو مشهورٌ ومسلمٌ به أن عمر كان " ممسكا بحلاقيم قريش " بينما جاء عثمان ليريحها من أسلوب عمر الشديد ويفتح لها آفاق الإثراء . فلا يصحّ أن عثمان ينقص من عطاءٍ لعمر, بل العكس هو الصحيح. وعدا عن شخصية عثمان المتسامحة فيما يتعلق بالأموال فإن فوائد الفتوحات العظمى التي حصلت في زمن عمر قد ظهرت وتجلت في عهد عثمان الذي تدفقت فيه الأموال والغنائم الهائلة مما أدى بالضرورة الى تضاعف العطاءات لعموم الناس , ولقريش وكبار الصحابة خصوصا.
كما أن خروج عائشة من المدينة الى مكة في ذلك الوقت المضطرب لا يعني بالضرورة أنها كانت غاضبة من الخليفة, بل العكس هو الأرجح. فهي كانت مستاءة من الهجوم الذي تعرضت له المدينة من قبل من تصفهم ب " الأعراب ونزاع القبائل" والذي رأت فيه تطاولا على مقام الخليفة وجرأة على سلطة قريش. وهذا ظاهر تماما في سيرتها ومواقفها وكلامها في مكة والبصرة .فخروجها كان بسبب عجزها عن التأثير على مجريات الأحداث ولو كانت تدعو الى قتل "نعثل" لبقيت بين الثوار المسيطرين في المدينة.  
كما أن اللغة المستخدمة على لسان عائشة : وصفه بنعثل, وتمنيها أنه يطرح في قعر البحر ودعوتها الى قتل الطاغية ... وما شابه ذلك مستبعدة تماما , ولم تكن مما يجري في أوساط كبار الصحابة وأمهات المؤمنين.

والمصادر الشيعية فيها نفس هذه الروايات , ولكن مع المزيد من التعابير القاسية التي تقترب من الشتائم:
ومن ذلك ما ذكره الشيخ المفيد في كتاب الجمل أن عائشة كانت على خلاف شديد مع عثمان , وكانت تستخدم معه أقسى العبارات ومنها أنها قالت له مرة " هذا قميص رسول الله لم يتغير وقد غيرتَ سنته يا نعثل" ومرة أخرى " يا غدر يا فجر! أخفرتَ أمانتك وضيّعت رعيتك, ولولا الصلاة الخمس لمشى اليك الرجال حتى يذبحوك ذبح الشاة" وأضاف أن عائشة لما أيقنت أن عثمان مقتول لا محالة رفضت طلبا من مروان بالدفع عنه وخرجت تريد الحج فلقيها ابن عباس وهو عائد للمدينة فقالت له " يا ابن عباس, إنك قد أوتيتَ عقلاً وبياناً. وإياكَ أن تردّ الناس عن قتل الطاغية!"

وروى ابن ابي الفتح الاربلي في كشف الغمة" ان عائشة حرضت الناس على قتل عثمان بالمدينة وقالت : اقتلوا نعثلاً! قتل (الله) نعثلاً ! فلقد أبلى سنة رسول الله وهذه ثيابه لم تبل"

وروى الفضل بن شاذان في الايضاح انه حصل خلاف شديد بين عائشة وحفصة وبين عثمان بسبب قراره تخفيض العطاء لأزواج النبي(ص) عما كان عليه الحال أيام عمر . ولما أصرّ عثمان على قراره طالبتاه بميراثهما من رسول الله(ص)! وأنه عند ذلك "... وكان عثمان متكئأ فجلس, وكان علي بن ابي طالب (ع) جالسا عنده, فقال : ستعلم فاطمة (ع) أني ابن عم لها اليوم! ثم قال : ألستما اللتين شهدتما عند ابي بكر ولفقتما معكما أعرابياً يتطهر ببوله مالك بن الحويرث بن الحدثان فشهدتم أن النبي(ص) قال : إنا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة. فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على انفسكما, وإن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقالتا له : يا نعثل! والله لقد شبهك رسول الله(ص) بنعثل اليهودي. فقال لهما : ضرب الله مثلا (للذين كفروا) امرأة نوح وامرأة لوط. فخرجتا من عنده."
وأضاف انه لما نقم الناس على عثمان , وكان يخطب على المنبر " رفعت عائشة قميصاً لرسول الله(ص) على قصبة أو جريدة من جرائد النخل فقالت : يا عثمان قميص رسول الله(ص) لم يبل وقد غيرت سنته"

ورواية الفضل بن شاذان هذه لا يمكن قبولها على الاطلاق. فهل يمكن تخيل عثمان وهو يتهم أبا بكر وعائشة وحفصة بإحضار شاهد زور " أعرابي يتطهر ببوله" من اجل منع توريث فاطمة ؟ ومتى كان عثمان من المدافعين عن حق فاطمة في وراثة ابيها؟! ومسائل من قبيل تشبيه رسول الله (ص) لعثمان "بنعثل اليهودي" وتشبيه عثمان لعائشة وحفصة بامراتي نوح ولوط  هي من قبيل الشتائم ليس إلاّ.

ورغم ذلك لا يمكن اتهام المصادر الشيعية بأنها وراء تلفيق هذه الروايات, بل هي موجودة بكثرة في غيرها. ولكن المصادر الشيعية أكثر استفاضة في ذكرها وتوسعاً في تفاصيلها وأشد تركيزا على الغريب منها.

طلحة هو زعيم المتمردين : يمنع عثمانَ الماءَ ويشرف على إطلاق النبال ![30]

ولم تكتفِ المصادر بتحميل عائشة مسئولية التحريض على "نعثل" , بل انتقلت الى طلحة بن عبيد الله لتجعله يبدو في صورة القائد الميداني لجموع الثوار المحاصرين لعثمان! ومن ذلك :

روى ابن شبة في تاريخ المدينة عن الكلبي أن عثمان وهو محصور أرسل الى علي بن ابي طالب يشكو اليه طلحة لأنه " قد قتلني بالعطش, والقتل بالسلاح أجمل من القتل بالعطش!" وأن علياً بناءً على تلك المناشدة تدخل فذهب الى طلحة وطالبه بإدخال الماء الى عثمان فرفض وأجابه " لا والله ! ولا نعمة عين. لا نتركه يأكل ويشرب!" وغير ذلك من روايات تقول ان عثمان بعث لعلي يقول له ان طلحة التيمي يريد أن يبتز بني عبد مناف ملكهم! ويقول له "إن كنتُ مأكولاً فكُن خيرَ آكلٍ. ولا تخلّ بينها وبين ابن فلانة – يريد طلحة"

وذكر اليعقوبي في تاريخه" وحصر ابن عديس البلوي عثمانَ في داره , فناشدهم الله . ثم نشد مفاتيح الخزائن, فأتوا بها الى طلحة بن عبيد الله , وعثمان محصور في داره"

وروى ابن قتيبة في الامامة والسياسة " ثم أقبل الأشتر النخعي من الكوفة في ألف رجل, وأقبل ابن أبي حذيفة من مصر في أربع مئة رجل . فأقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً ونهاراً, وطلحة يحرّض الفريقين جميعاً على عثمان . ثم إن طلحة قال لهم : ان عثمان لا يبالي ما حصرتموه ؟ وهو يدخل اليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه" وأضاف ان عثمان خاطب طلحة فرفض  فك حصاره وقال له "لأنك غيرت وبدّلتَ" وعندها استنجد بعلي بعدما مُنِعَ الماء فاستجابَ وأرسل له ثلاث قرب مملوءة بالماء فلما وصلته احتجّ طلحة على عليّ " وكان بينهما في ذلك كلامٌ شديد".

وذكر الطبري في تاريخه في رواية عن الواقدي أنه عندما كان عثمان محاصراً في داره " مَرّ طلحة بن عبيد الله فوقف فقال : أين ابن عديس؟
فقيل : ها هو ذا.
قال فجاءه ابن عديس , فناجاه بشيئ ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده.
قال : فقال لي عثمان : هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله . ثم قال عثمان : اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم . والله اني أرجو أن يكون منها صفراً , وأن يسفك دمه. انه انتهك مني ما لا يحل له ..."

وطبعاً المصادر الشيعية لا تقل تاكيداً على اتهام طلحة مما أوردناه. فالشيخ المفيد في كتاب الجمل يضيف الزبير الى طلحة فيمن يتحملون مسؤولية قتل الخليفة. فيقول :
"ولما أبى عثمان أن يخلع نفسه تولى طلحة والزبير حصاره والناس معهما على ذلك فحصروه حصرا شديدا ومنعوه الماء.
 وأنفذ إلى علي يقول: إن طلحة والزبير قد قتلاني من العطش ، والموت بالسلاح أحسن!
 فخرج معتمدا على يد المسور بن مخرمة الزهري حتى دخل على طلحة بن عبيد الله وهو جالس في داره يسوي نبلا وعليه قميص هندي فلما رآه رحب به ووسع له على الوسادة. فقال له علي عليه السلام: إن عثمان قد أرسل إلي إنكم قد هلكتموه عطشا وإن ذلك ليس بالحسن والقتل بالسلاح أحسن وكنت آليت على نفسي أن لا أرد عنه أحدا بعد أهل مصر وأنا أحب أن تدخلوا عليه الماء حتى تروا رأيكم فيه.
 فقال طلحة : لا والله لا ننعمه عينا ولا نتركه يأكل ولا يشرب !
 فقال علي ( ع ): ما كنت أظن أن أكلم أحدا من قريش فيردني. دعْ ما كنت فيه يا طلحة.
 فقال طلحة: ما كنت أنت يا علي في ذلك من شئ .
فقام علي ( ع ) مغضبا وقال: ستعلم يا بن الحضرمية أكون في ذلك من شئ أم لا . ثم انصرف .
وروى أبو حذيفة بن إسحاق بن بشير القرشي أيضا قال حدثني|يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: والله إني لأنظر إلى طلحة وعثمان محصور وهو على فرس أدهم وبيده الرمح يجول حول الدار وكأني أنظر إلى بياض ما وراء الدرع .
 وروى أبو إسحاق قال: لما اشتد الحصار بعثمان عمد بنو أمية على إخراجه ليلا إلى مكة وعرف الناس فجعلوا عليه حرسا وكان على الحرس طلحة بن عبيد الله وهو أول من رمى بسهم في دار عثمان .
 قال: وأطلع عثمان وقد اشتد به الحصار وظمأ من العطش فنادى أيها الناس اسقونا شربة من الماء واطعمونا مما رزقكم الله! فناداه الزبير بن العوام : يا نعثل لا والله لا تذوقه !
 وروى أبو حذيفة القرشي عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن تغلبة بن يزيد الحماني قال أتيت الزبير وهو عند أحجار الزيت فقلت له: يا أبا عبد الله قد حيل بين أهل الدار وبين الماء. فنظر نحوهم وقال: وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب"
وقد اوضح الشيخ المفيد فلسفته في رواية هذه الأخبار حين قال :
" فهذه الأحاديث في جملة كثيرة في هذا المعنى وهي كاشفة عما ذكرناه من أدغال القوم من التظاهر بطلب دم عثمان وهم تولوا سفكه ولم يظهر أحد منهم إلا الذم عليه ، ولما بايع الناس عليا أظهروا الندم على ما فرط منهم وقرفوا بما صنعوا وأثاروا الفتنة التي رجع عليهم ما كانوا آملوه فيها منه وهو الظاهر منهم والباطن كان مخالفا للظاهر منهم فيما ادعوه بعثمان "

وهذه الروايات, من أي مصدر جاءت, ينبغي ردها وعدم الالتفات لها. فطلحة بن عبيد الله لم يكن زعيم الثوار المتمردين على عثمان, ولم يكن مسيطراً على تحركاتهم , ولم يكن آمراً ولا ناهياً. فهؤلاء لم يأتوا من الأمصار من أجل قتل عثمان وتأمير طلحة . بل وأكثر من ذلك : إن طلحة بنظر اولئك الثائرين صِنوٌ لعثمان ولا يختلف عنه كثيراً. فهو قرشيٌ مثله , ومن طبقة كبار الصحابة الذين استفادوا من حكمه وسياسته فأثرى ثراءً فاحشاً, فهو وجهٌ آخر لقريش فلمَ يضعون أنفسهم بتصرفه؟ وهل يستحق طلحة بنظر الثائرين تحمّل مشاق ومخاطر الثورة على الخليفة ؟  وهل يمثل طلحة أصلاً أي أمل بسياسة مختلفة, وهو الذي ينتمي الى نفس النظام القرشي الذي أنتج عثمان؟
ثم ما الذي سيجنيه طلحة نفسه من الانضمام الى صفوف هؤلاء المتمردين القادمين من الأمصار؟ أي أمل يرجوه طلحة من هؤلاء المنتمين الى شتى قبائل العرب, الحانقين على قريش وحكمها؟ ولماذا يساهم طلحة في هدم نظام الحكم الذي أسسه عمر بن الخطاب, والذي هو شخصياً من كبار أعمدته ومرجعياته؟
ولستُ أنكر ان خلافاً أو اختلافاً قد ينشأ بين الرجلين, عثمان وطلحة. فهذا امرٌ مألوفٌ وطبيعي. وربما يكون طلحة مستاءً , أو حتى غاضباً, بسبب بعض قرارات عثمان. ولكن الاختلاف في الرأي بشأن مواقف معينة شيئ, والمشاركة في قتل الخليفة وزعزعة نظام الحكم شيئ آخر تماماً.
ولذلك أقول ان هذه الاخبار عن قيام طلحة بمنع الماء عن عثمان, أو برمي النبال تجاه بيته لا أساس لها من الصحة.  وهدفُ مؤلفيها هو القدح بطلحة عن طريق القول ان انخراطه بحرب الجمل ضد الامام علي لم يكن له أي مسوّغ وأنه كان كاذباً في سعيه بالطلب بدم عثمان. وربما أراد مؤلفو هذه الاخبار الدفاع عن الامام علي في وجه التهم التي وجهت اليه بالتواطؤ بسبب انضمام قاتلي عثمان الى صفوفه, فكانت هذه وسيلتهم. فكأنهم أرادوا أن يقولوا لخصومهم : ليس عليٌ المسؤول عن مقتل عثمان, بل هم رجلكم طلحة! ودليلنا هذه الاخبار.

الصحيح بشأن موقف كبار الصحابة الغاضبين على عثمان والخاذلين له [31]

من المفيد التأمل في الروايات التالية :
ورد في تاريخ المدينة  لابن شبة عن عائشة انها قالت " كان القوم يختلفون إليّ في عيب عثمان رضي الله عنه, ولا أراه إلاّ أنها معاتبة. فأما دمه فأعوذ بالله من دمه! والله لوددتُ اني عشتُ برصاء في الدنيا سائما وأني لم أذكر عثمان بكلمة قط"

روى ابن سعد في الطبقات الكبرى عن ابي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي , بعد ان ذكر المتمردين القادمين من مصر والكوفة والبصرة ومن انضم اليهم من الناس" وكان أصحاب النبي(ص) الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا ان الأمر لا يبلغ قتله . فندموا على ما صنعوا في أمره. ولعمري لو قاموا , أو قام بعضهم فحثا في وجوههم التراب لانصرفوا خاسرين "

روى الطبري في تاريخه عن الواقدي عن ابي حبيبة قال " نظرت الى سعد بن ابي وقاص يوم قتل عثمان دخل عليه ثم خرج من عنده وهو يسترجع مما يرى على الباب .
فقال له مروان : الآن تندم أنت أشعرته
فأسمع سعدا يقول : أستغفر الله . لم أكن أظن الناس يجترؤون هذه الجرأة ولا يطلبون دمه . وقد دخلت عليه الآن فتكلم بكلام لم تحضره أنت ولا أصحابك فنزع عن كل ما كره منه وأعطى التوبة وقال : لا أتمادى في الهلكة . ان من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أتوب وأنزع....."

هذه النصوص الثلاثة هي خير ما يوضح حقيقة موقف كبار الصحابة من محنة عثمان. فهؤلاء كان لهم مآخذ على عثمان وسياساته, وكانوا يعارضون بعض قراراته ويطالبونه بالعودة عنها, ويريدون منه سلوكاً كعمر بن الخطاب. وكانوا بحكم منزلتهم الرفيعة في الدولة يتمتعون بجرأة وثقة بالنفس تدفعهم الى مواجهة الخليفة بالنقد , والنقد الشديد احيانا, مباشرة. وبحكم مكانتهم وشهرتهم كان الكثيرون من الرعية يلجؤون اليهم لتوصيل صوتهم الى الخليفة.
ولكن ذلك كله كان يجري في إطار نظام الحكم الذي أرسى دعائمه عمر بن الخطاب. فالمهاجرون القرشيون من كبار الصحابة هم قادة الدولة وهم الطبقة الحاكمة وهم الذين يتداولون الخلافة فيما بينهم.
ذاك هو الاطار الذي يحكم علاقتهم. وهم حين يختلفون يدركون أن العامة يتطلعون اليهم كقدوة وموجهين, وبالتالي يحلون خلافاتهم فيما بينهم دون ان يسمحوا لغيرهم أن يندسوا فيما بينهم. أو هكذا ينبغي أن تكون الأمور. ولذلك كانت مفاجاتهم كبيرة حين وجدوا ان خلافاتهم قد خرجت عن نطاقهم وتوسعت لتصل الى العامة, وبالتالي أضحى من الصعب السيطرة عليها. ومن هنا نفهم معنى كلام عائشة " لا أراه إلاّ انها معاتبة" وقولها في مناسبة اخرى " والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يُستحل دمه[32] " وقول سعد " لم أكن أظن الناس يجترؤون هذه الجرأة" وطلحة "إن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة من المهاجرين الأولين. وأحدث أحداثاً نقمناها عليه فبايناه ونافرناه, ثم اعتب حين استعتبناه[33]", وغير ذلك من كلام يفهم منه أن كبار الصحابة لم يكونوا يتوقعون أن معارضتهم لعثمان ستساهم في تدهور الأمور بتلك الصورة الكارثية. فلم يكن يخطر ببال كبار الصحابة أن طعنهم في بعض سياسات وقرارات عثمان سيستخدمه آخرون كذريعة لقتل الخليفة. وقد سبق وأشرنا كيف ان معاوية بن ابي سفيان, بحسّ رجل الدولة الخبير والماهر, استشعر خطورة ذيوع الخلافات بين كبار الصحابة فوجه تحذيره لهم بضرورة الالتفاف حول عثمان والتوقف عن الطعن فيه.


موقف علي بن ابي طالب من مقتل عثمان[34]

التباسٌ وشبهات

يتميز موقف الامام علي من مقتل عثمان بالتعقيد الشديد, الى حدٍ أثار اللبس لدى الكثيرين من الماضين والحاضرين:
فنَسَبَهُ بعض الناس إلى الرضا بما صنعه الثائرون بعثمان ,
واتهمه آخرون بالتواطؤ والتـأليب عليه,
 وقال آخرون انه كان مقصراً فيما كان يجب لعثمان عليه,
وأكّد آخرون انه كان كارهاً لكل ما جرى لعثمان من حصار وقتل , وأنه كان له مواليا وبأعماله راضيا ولكن العجز عن نصرته أقعده عنها .

والسبب في هذا اللبس والاضطراب في فهم حقيقة موقف علي ناجمٌ في الاساس عن أفعاله المختلفة مع عثمان:
 فتارة ينكر عليه ما أنكره المسلمون, أشد الانكار
 وتارة يدفع عنه وينهي عن قتله[35] القاصدين إلى ذلك من أهل الأمصار ،
وتارة ينكر على مَن منعَهُ الماءَ ويغلظ لذلك ويغضب أشد الغضب[36] ,
وتارة يجلس في بيته وهو يرى الناس يهرعون إلى قتله ويطلبون دمه فلا يكون منه تدخل ولا نهيٌ عن ذلك, رغم أنه في ظاهر الحال مُطاعٌ مُعظمٌ مسموعُ الأمر مُتبعُ الرأي
كما أنه تولى الصلاة بالناس يوم النحر وعثمان محصورٌ ولم يستأذنه في ذلك[37]
 هذا مع هجره لعثمان أحيانا ومنازعته له حينا وصلحه أحيانا ومسالمته له حينا وتغليظ القول عليه أحيانا وسعيه في الصلح بينه وبين الناس زمانا وترك ذلك إلى الكف عنه زماناً آخر

ومما فاقم اللبس لدى الكثيرين ما روي عن الامام علي من أقوال عديدة بعد قتل عثمان مما تختلف ظواهرها وتشتبه معانيها .
 كقوله مرة: : "اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله "[38] .
وقوله حينا : "الله قتل عثمان وانا معه"[39] , وكذلك "ألا ان الله قتله وأنا معه"[40]
 وقوله وقتا آخر : "ما أمرتُ ولا نهيتُ ولا سرّني ولا ساءني قتل عثمان"[41]
 وقوله حيناً آخر : " لقد نهيتُ عنه ولقد كنت له كارها ولكن غلبتُ"[42]
وقوله : "اللهم اكبب اليوم قتلة عثمان لمناخرهم"[43] , وكذلك "اللهم جلّل قتلة عثمان اليومَ خزياً"[44]
وقوله عندما طالبه وفد الشام بقتلة عثمان : مَن قتل عثمانَ فليقُم, فقام أربعة آلاف من الناس المتحيزين إليه, فقال: هؤلاء قتلة عثمان!
وقوله في مناسبة أخرى: اللهم اقتل قتلة عثمان في بَرّ الأرض وبحرها , وكذلك " اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل – ثلاثاً"[45]
وقوله "لا أقول انه قتل مظلوما ولا أقول انه قتل ظالما"[46]
والشبهة التي أثارها خصوم الامام علي حين قذفوه بدم عثمان ليست من فراغ:

فهو أخذ نجائب عثمان وأدراعه[47] بعد مقتله.[48]
كما لم يروَ أن علياً قد بادر الى محاولة الصلاة على عثمان أو تكفينه أو دفنه[49].
وهو طبعاً تصدى للخلافة وتقبل البيعة من بعده.
كما أن السيرة العملية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب توضح أنه لم يبعد نفسه بما فيه الكفاية عن أوساط الثائرين القادمين من الأمصار والذين كان قاتلوا عثمان من بينهم. لقد بَدا عليٌ قريباً جداً منهم , فلم يبعدهم عنه , وكانوا من الدائرة المحيطة به.
وينبغي التنويه الى أنه عند التدقيق في سيرة الإمام علي, يمكن التأكيد على أنه لم يصدر عنه , طوال فترة حكمه, ما يشير إلى أي جديةٍ في اتخاذ أي خطواتٍ عقابية تجاه مجمل الثائرين على عثمان. فلم يقم بأي إجراءات عملية لمحاسبتهم .[50]
كما يلاحظ أن علياً قام , عن علمٍ وإرادة, بتعيين عدد من الأشخاص المتهمين بقتل عثمان في مناصب مهمة في حكومته, واعتمد عليهم في إدارته. وطبعاً كان الثائرون يرون في سياسة الخليفة عليّ تلك إقراراً منه لهم على تصرفاتهم .
كما كان لدى علي رأي ايجابيٌ بحق بعض الشخصيات القيادية التي تزعمت الثورة على عثمان[51]
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أنه كان هناك ارتباط عاطفيّ وثيقٌ لمجمل الثائرين على عثمان بشخص عليّ بن أبي طالب.[52]

وقد ظهر من عليّ , أثناء توليه الخلافة, ما يشير إلى تهوينه من موضوع قتل عثمان بجملته. فالأمر هامشيٌ بنظره وليس له الأولوية , ولا بأس بتأجيل النظر فيه إلى ما بعد أن تستتب أموره في الحكم. [53]

وهذه الأمور مجتمعة, وهي بالتعبير الامني والقضائي الحديث " ظروف تجلب الشبهة",  مكّنَت خصوم علي الكثر من القول إنه متورّطٌ بقتل عثمان عن طريق الإيعاز بذلك إلى أتباعه هؤلاء . وعلى أقل تقدير إنه زعيم القتلة والغوغاء الذين هاجموا عثمان.





فما حقيقة موقف عليّ ؟

من مجمل القرائن والادلة, المستندة الى عموم الروايات والاخبار والى وقائع الاحداث , يمكن الاستنتاج انه :
·        اتخذ عليٌ موقفاً سلبياً من عثمان . والسلبية هنا لا تعني اللامبالاة تجاه شؤون الحكم والخلافة التي تهم كل المسلمين, ولكن تعني أنه نأى بنفسه عن الخليفة وحرص على تأكيد عدم ارتباطه بسياساته وقراراته . فعليٌ  لم ينصر عثمان, أي أنه لم ينافح عنه, لم يبرر أخطاءه, لم يتصدّ لجموع المتمردين لثنيهم عن مطالبهم ولم يحاول اقناع المتمردين بأن الخليفة مظلومٌ أو ان ما وصلهم عنه باطل. ويعبّر هذا الموقف السلبي من عثمان عن إحباطٍ شديد من جانب عليّ تجاه سياسات الخليفة على مدى سنين طويلة, وعجزه عن التأثير الإيجابي عليه.
·        كان عليٌ يؤيد مطالب المتمردين ويراها محقة وعادلة[54].
·        كان عليٌ يرى أن أساس المشكلة يكمن في عثمان نفسه, لا في المتمردين. والحل هو بيد عثمان لا غيره.
·        بذل عليٌ جهده للوساطة بين المتمردين والخليفة. ولكنه لم يكن محايداً تماماً بل كان أقرب الى المتمردين في مسعاه ذاك. فوساطة علي كانت تنصب على التوصل الى اتفاق يلتزم فيه عثمان بالاستجابة للمطالب العادلة للمتمردين مقابل عودتهم الى ديارهم. وقد نجح عليٌ في التوصل الى اتفاق لحل الأزمة ولكن جهوده في النهاية ضاعت سدى بسبب تراجعات عثمان وتصرفات البطانة الأموية المحيطة به . ولا شك أن الإخلال بالإتفاق الذي توسّط به من طرف عثمان جعل علياً يرفع يديه تماماً ويعتزل الأمرَ . فهو قد عمل الذي عليه , وأراح ضميره ولا يمكنه فعل المزيد ما دام الخليفة مسلماً زمام أمره الى مروان بن الحكم وامثاله.[55]
·        كان عليٌ يستند الى الاسس الشرعية تماماً في موقفه. فهو يرى ضرورة المحاكمة قبل اصدار أي حكم. والمحاكمة لا بد أن تستند الى القرائن والحجج والأدلة ولا بد أن يتاح فيها للمتهم الفرصة العادلة للدفاع عن نفسه. [56]
·        وبناء على ذلك عارض عليٌ الاتجاه المتطرف في صفوف المتمردين والذي بدأ يجنح الى التخلص من الخليفة بأي وسيلة حتى لو كانت القتل[57]. فكما سبق لعلي أن عارض ما فعله عبيد الله بن عمر من قتل لمن اشتبه بتآمرهم على اغتيال والده دون دليل, هو الآن يعارض أن يقوم البعض بقتل عثمان دون حكم شرعي.
·        رفض عليٌ التصرفات القاسية التي مارسها المتمردون في المرحلة الاخيرة من هجومهم على عثمان, وبالأخص مسألة حرمانه من الماء. وقد أصرّ عليٌ على ايصال الماء الى عثمان , ولو كان في ذلك مخاطرة عليه أو على ابنائه.


وقد لخّص عليٌ , فيما بعد وهو خليفة, موقفه من عثمان بقوله[58] : " لو أمرتُ به لكنتُ قاتلاً , أو نهيتُ عنه لكنتُ ناصراً . غير أن مَن نصَرَهُ لا يستطيع أن يقول خذلهُ مَن أنا خيرٌ منه, ومَن خذله لا يستطيع أن يقول نصرَهُ من هو خيرٌ مني.[59]
 وأنا جامعٌ لكم أمره : استأثرَ فأساءَ الأثرة , وجَزِعتم فأسأتم الجَزع , ولله حكمٌ واقع في المستأثِر والجازع "
وهذا النص يوضح اعتقاد عليّ أن عثمان قد أودى به سوء عمله وفساد سياسته, وذلك ظاهرٌ من قوله : استأثر فأساء الاثرة, ولذلك لم يستحق النصرة بنظره. وقوله "جزعتم فأسأتم الجزع" يشير الى انتقاد علي لحالة الهيجان التي صار عليها جموع الثائرين والتي أدت الى قتل عثمان بتلك الطريقة القاسية.


وختاماً من المفيد ايراد نص من كتاب سليم بن قيس الهلالي وفيه أن الامام علياً قال :
ن عثمان لا يعدو أن يكون احد رجلين :
إما أن يكون دعا الناسَ الى نصرته فلم ينصروه
وإما أن يكون القوم دعوه الى ان ينصروه فنهاهم عن نصرته.
فلم يكن يحلّ له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماماً هادياً مهتدياً لم يحدث حدثاً ولم يُؤوِ مُحدثاً. وبئس ما صنع حين نهاهم! وبئس ما صنعوا حين أطاعوه!
وإما أن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلاً لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنة"


موقف المدينة المنورة : الأنصار[60]

لم تكن أعداد الثوار القادمين من الأمصار بالغة الضخامة. ومن المرجح أنه لو كانت لعثمان قاعدة معقولة من التأييد في داخل المدينة لكان بالإمكان صدّ الثوار وردّهم عن الخليفة. ولكن الذي حصل أن المدينة تركت عثمان يواجه مصيره وهو شبه وحيد.
فالمدينة المنورة, بالإجمال, بقيت تراقب الخليفة وما يتعرّض له من تهديد خطير, دون أن تبدي حراكاً, ودون أي جهدٍ يُذكر للدفاع عنه أو حمايته. وحتى عندما قام الثوار بإنزال عثمان عن المنبر وشتموه وطردوه من مسجد رسول الله(ص) وحصروه في بيته لأكثر من أربعين يوماً, لم تقم المدينة بأي شيئ عمليّ  للتخفيف من محنته. 
ويمكن القول أن عموم الانصار من اهل المدينة قد نظروا الى الخليفة نظرة هي مزيجٌ من التشفي (بالحاكم الظالم) والشفقة ( على الرجل العجوز) واللامبالاة (أودى به سوء عمله).
كما يمكن القول ايضا ان استياء أهل المدينة من الخليفة يرجع في جزء كبير منه إلى السياسة القرشية العامة , والأموية الخاصة, التي كان ينتهجها عثمان, والتي أخذت ترجمتها العملية في تهميش عموم الأنصار وإبعادهم عن مراكز التأثير والقرار. وكان ما يرونه من فساد مالي وإداري, وانحرافٍ عن مبادئ العدالة, والتمييز في تطبيق الحدود الشرعية[61], مما يفاقم من المشاعر السلبية لأهل مدينة الرسول تجاه عثمان. وقد كانت بطانة الخليفة من الأسباب الرئيسية لغضب أهل المدينة, حتى صار إقصاءُ الفاسدين الذين وضعهم عثمان في أعلى المناصب مطلباً عاماً للناس , وللأنصار منهم بالتحديد, وهم الذين شعروا بالتمييز ضدهم في مدينتهم هم بالذات. ويضاف الى ذلك كله ايضا رواسب ما جرى يوم السقيفة من جدالات عاصفة خاضها زعيم الانصار, سعد بن عبادة, مع رؤساء مهاجري قريش, أسفرت في النهاية عن انفرادهم بالحكم . ويلاحظ  أن الفرع الخزرجي من الانصار , وهم قوم سعد بن عبادة, كانوا أكثر تشددا بمواقفهم تجاه الخليفة. وربما كانوا لا يزالون متأثرين بما جرى لزعيمهم القديم من نفيٍ قاسٍ الى الشام ووفاة غامضة هناك.





شخصيات الانصار الذين انضموا الى صفوف الثوار

وتذكر المصادر أسماء شخصياتٍ من الانصار ممن لم يكتفوا بالمراقبة والمتابعة السلبية لتطورات الهجوم على عثمان , بل انتقلوا الى المساهمة الفعلية في نشاطات الثوار ومساعدتهم والتحريض على الخليفة.
وفي تاريخ الطبري ترد أسماء ثلاثة منهم :

فعن ابن اسحق انه بعد وساطة علي بن ابي طالب بين الخليفة والثوار " فلما مضت الايام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا مما كرهوه ولم يعزل عاملاً, ثار به الناسُ وخرج عمرو بن حزم[62] الانصاري حتى أتى المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبرَ وسارَ معهم حتى قدموا المدينة"
وعن جعفر المحمدي " فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الانصاري باب داره , وهو الى جنب دار عثمان بن عفان, ثم نادى الناسَ عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار"

وعن الواقدي  "كان أول مَن اجترأ على عثمان بالنطق السيئ جبلة بن عمرو[63] الساعدي, مرّ به عثمان وهو في نادي قومه, وفي يد جبلة بن عمرو جامعة. فلما مرّ عثمان سلم فرَدّ القومُ. فقال جبلة : لِمَ تردّون على رجل فعل كذا وكذا؟ ثم أقبل على عثمان فقال :  والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه!
 فقال عثمان : أي بطانة؟ فوالله اني لا أتخير الناس .
 فقال : مروان تخيّرته, ومعاوية تخيّرته, وعبد الله بن عامر بن كريز تخيّرته, وعبد الله بن سعد  تخيرته. منهم مَن نزل القرآن بذمّه, وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه.
 قال : فانصرف عثمان . فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم"[64]

وعن جعفر المحمدي انه أثناء الهجوم على عثمان" حمل رفاعة بن رافع[65] الانصاري, ثم الزرقي, على مروان بن الحكم , فضربه فصرعه , فنزل عنه وهو يرى انه قد قتله"

وكذلك يجب الاشارة الى الحجاج بن عمرو[66] الانصاري, فهو قد شارك الثوار في الهجوم الفعلي على الخليفة واقتحام بيته.
فقد ذكر ابن الاثير وابن عبد البر في ترجمته " وهو الذي ضرب مروانَ يوم الدار حتى سقط, وحمله ابو حفصة مولاه وهو لا يعقل "[67]
  
واما البلاذري في أنساب الأشراف فقد ذكر أربعة أسماء من اهل المدينة انضموا الى صفوف المهاجمين . فقال نقلاً عن ابي مخنف أن الثوار لما اتوا دار عثمان " وثب معهم رجال من اهل المدينة منهم : عمار بن ياسر العنسي, ورفاعة بن رافع الأنصاري – وكان بدرياً- والحجاج بن غزية – وكانت له صحبة – وعامر بن بكير أحد بني كنانة, فحصروا عثمان الحصار الأول"

كما ورد ذكر لاسمين آخرين من الأنصار ممن قاموا بمنع دفن الخليفة عثمان في مقبرة البقيع, وهما أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني, وقالوا " لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً". روى ذلك الطبري من طريق الواقدي.

وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى رواية نقلا عن مجاهد يبدو فيها وكانه يبرر المذبحة التي تعرض لها أهل المدينة عام 62 للهجرة على أساس أنها انتقام عادل لموقفهم تجاه عثمان قبل 27 سنة " وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً, فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاؤوا لمداهنتهم "
وأهمية هذا النص أنه يشير الى شيوع خبر تخلي المدينة المنورة عن عثمان ورسوخ تلك القناعة لدى الحكام من بني أمية , بل ولدى المؤرخين اجمالاً. فذلك صار من المسلمات.



التيار العثماني في صفوف الانصار :

ولكن عثمان لم يعدم من يتعاطف معه في المدينة. وقد كان هناك تيار صغير في صفوف الانصار ممن يمكن وصفهم ب "العثمانية".

وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه أسماء أشهر هؤلاء:
"... ولما كثر هذا الطعن في الأمصار وتواتر بالمدينة وكثر الكلام في عثمان والطعن عليه وكان له منهم شيعة يذبون عنه مثل زيد بن ثابت[68] وأبى أسيد الساعدي  و كعب بن مالك[69] وحسان بن ثابت فلم يغنوا عنه..."

وربما أخذ ابن خلدون معلوماته من البلاذري الذي قال في رواية عن الواقدي (أنساب الأشراف ج6 ص175) " ولم يكن احد من أصحاب رسول الله (ص) يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلاّ زيد بن ثابت, وأبو أسيد الساعدي, وكعب بن مالك بن أبي كعب من بني سلمة من النصار, وحسان بن ثابت الأنصاري"

وقد ذكر الإمام البخاري في التاريخ الصغير عن ابن شهاب قال " بلغني ان كعب بن مالك قال : يا معشر الانصار كونوا أنصار الله مرتين, يعني في أمر عثمان"

وهؤلاء الذين تعاطفوا مع عثمان كانوا في الواقع من القلّة من أهل المدينة الذين استفادوا من عثمان وحُكمِه.

فزيد بن ثابت مثلاً كان من المستفيدين البارزين من حكم عثمان . فقد ذكر الطبري أن عثمان بن عفان كان قد ولّى زيد بن ثابت الديوان وبيت المال, كما ذكر أحمد بن حنبل عن قتادة " إن زيد بن ثابت ترك ذهباً وفضة كسِر بالفؤوس"[70].
وقد حاول زيدٌ جهده لاقناع قومه من الانصار بتأييد عثمان في محنته, دون جدوى. روى الذهبي في سير اعلام النبلاء عن الواقدي " لما حصر عثمان, أتاه زيد بن ثابت, فدخل عليه الدار. فقال له عثمان : أنت خارج الدار أنفع لي منك ها هنا , فذبّ عني!
فخرج , فكان يذب الناس , ويقول لهم فيه, حتى رجع أناس من الانصار. وجعل يقول : يا للأنصار ! كونوا أنصارا لله مرتين , انصروه والله ان دمه لحرام"[71]

والانتماء العثماني لحسان بن ثابت امر لا يرقى اليه الشك . وقد شاعت وانتشرت قصائده التي يرثي فيها عثمان. وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن حسانا روى عدة قصائد فيها رثاء حارّ لعثمان وتحريض على الثأر له .
ومن ذلك قصيدة حسان المشهورة التي يقول فيها :
من سرّه الموت صرفاً لا مزاج له        فليأتِ مأدبة في دار عثمانا
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به         يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا
الى أن يقول محرضاً أهل الشام على الثأر لعثمان:
لتسمعنّ وشيكاً في دياركمُ           الله أكبرُ يا ثارات عثمانا
وذكر قصائد أخرى لحسان منها :
قتلتم وليّ الله في جوف داره           وجئتم بأمرٍ جائرٍ غير مهتدِ
فلا ظفرت أيمانُ قومٍ تعاونوا        على قتل عثمان الرشيد المسددِ
وكذلك الانتماء العثماني لكعب بن مالك أمرٌ مسلمٌ به . وقد ذكر ابن عبد البر أنه رثاه بشعر كثير ومنه قصيدة يقول فيها :
إني رأيتُ قتيلَ الدار مضطهداَ         عثمانُ يُهدى الى الأجداث في كفنِ
يا قاتل الله قوماً كان أمرُهُمُ               قتل الإمام الزكيّ الطيب الردنِ
ما قاتلوه على ذنبٍ ألمّ به                  إلاّ الذي نطقوا زوراً ولم يكنِ

وفي تاريخ الطبري أن عبد الله بن الحسن قد فسّر الموقف العثماني لثلاثة من هؤلاء بقول :
"أما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع.
 وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال: يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين. فقال أبو أيوب (الانصاري): ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان !
فأما كعب بن مالك , فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له"
وأنا أضيف الى كلام عبد الله بن الحسن بشأن حسان بن ثابت : إنه رغم شهرة حسان في الذب عن رسول الله(ص) بشعره تجاه قصائد الهجاء التي كانت تنهال على رسول الله(ص) من شعراء قريش, مما كان يدخل السرور الى نفسه(ص) , إلاّ أن ذلك لا يغيّر من حقيقة كون حسان شاعراً محترفاً ممن أجادوا البيان واستخدام الأوزان والكلمات لا غير. فلم يكن حسان ممن اشتهر بالورع والتقوى, ولا بالجهاد والبطولة, ولا بحسن السيرة والسلوك. بل على العكس: فقد كان معروفاً بجبنه الشديد الذي كان يجعله يقبع مع النساء والاطفال حين يخرج الرجال ليجاهدوا مع رسول الله(ص) في أيامه, وكان ممن تورط في حادثة الافك حين قذفوا زوجة النبي(ص) عائشة فأقيم عليه الحد. وكان الرسول (ص) يعلم ذلك ولكنه يكتفي منه بما يجيده ويتقنه : الشعر, لحاجته اليه. وشخصٌ من هذا النوع يمكن بكل سهولة للحاكم ان يستميله ويسترضيه بأيسر الأثمان. ويبدو أن عثمان كان يصله ويقربه, فذاك ليس غريباً على خليفة كعثمان ممن فاضت عطاءاته على الكثيرين.

ولذلك ليس غريباً على حسان ان يوجه ذلك الاتهام الصريح لعلي بن ابي طالب بقتل عثمان حين قال في قصيدته المشهورة[72] :
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني        ما كان شأن عليّ وابن عفانا[73]
وقد تلقف معاوية هذا البيت واستخدمه كثيرا في حربه الدعائية ضد الامام علي.

ولم يكن للعثمانية هؤلاء دَورٌ فعال في الدفاع الفعلي عن عثمان. فهم حاولوا إقناع الثوار بالكف عن الخليفة, وإقناع أهل المدينة بعدم التعاطف معهم. ولم يتجاوزوا ذلك إلى خطوات عملية لحماية عثمان.

وسوف نتطرق اكثر الى المزيد من الشخصيات ذات الميول العثمانية في الجزء الثاني من الكتاب عند الحديث عن بيعة علي بن ابي طالب والمتخلفين عنها.

*******

لماذا لم يقاوم الخليفة؟ موقف عثمان من الذين حاولوا الدفاع عنه[74]

أجمعت روايات المؤرخين (منهم : البلاذري وخليفة بن خياط وابن سعد وابن شبة وابن قتيبة وابن عبد البر) على أن الخليفة قد رفض مقاومة المهاجمين وأصرّ على الذين عرضوا عليه النصرة ألاّ يشهروا سلاحهم للدفاع عنه. وتم التعبير عن ذلك الموقف بعبارات مختلفة , منها : " عزمتُ على من رأى لنا عليه سمعاً وطاعة أن يلقي سلاحه"[75]  و "قال لجميع من في الدار : انتم في حلّ من بيعتي . لا احب ان يقتل فيّ احد."[76] و" إن أعظمكم عني غناءً رجلٌ كفّ يدَهُ وسلاحَه"[77] وما يشبهها من كلمات قالها عثمان لمن أرادوا أن يتصدّوا للذين يحاصرون الخليفة ويوشكون على الفتك به.
وهذا الموقف قد صدر بالفعل عن عثمان. ولا شك بانه قد قرر عدم المقاومة وطلب ممن ناصروه ألاّ "تهراق فيه محجمة دم"[78] . ولكن لماذا؟ وكيف يمكن للخليفة أن يجعل من نفسه لقمة سائغة لجموع المهاجمين ؟
تحاول بعض الروايات أن توحي بان السبب هو رأفة الخليفة بأتباعه وشفقته عليهم . وبعضها يرد الأمر الى إيمان عثمان بقضاء الله وقدره. وغيرها تتحدث عن معرفة عثمان بانتهاء أجله اعتماداً على كلام قاله له النبي (ص) بأنه يقتل مظلوماً.
لننظر الى هذه الرواية عن ابن سيرين[79] : ( كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة لو يدعهم لضربوهم ان شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها ....)
فهل هذا معقول؟ لماذا يروي ابن سيرين مثل ذلك الكلام الذي لا يمكن لعاقل أن يصدقه؟ من الواضح ان هذه الرواية التي تتحدث عن 700 رجل كانوا مع عثمان نابعة من الاحساس بالحرج الذي انتاب ابن سيرين (وكثيرين آخرين) من مدى العزلة التي وجد بها عثمان نفسه بعد تخلي عموم الصحابة واهل المدينة عنه , فأراد ان يحفظ ماء الوجه "للخليفة الراشد " عن طريق القول انه لم يكن منبوذا. وإلاّ فكيف يسمح هؤلاء ال 700 مناصر للمتمردين بالدخول وقتل الخليفة حتى على فرض أنه أمرهم بالكف؟ ذلك أمر غير ممكن[80]

فما الحقيقة؟ وما السبب الذي جعل عثمان يتخذ ذلك الموقف السلبي؟
الجواب يتلخص في كلمة واحدة : اليأس. لقد فقد عثمان الأمل وأيقن أن مناصريه كانوا من القلة والضعف الى الحد الذي يجعل من العبث أن يطلب منهم القيام دونه في وجه المهاجمين. ولنا على ذلك شواهد عديدة .  ومنها ما رواه ابن قتيبة في الامامة والسياسة من أن عثمان كتب كتابا موجها الى عموم المسلمين وأرسله مع نافع بن طريف الى مكة فقرأه على الناس في موسم الحج وفيه " بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عثمان أمير المؤمنين الى من حضر الحج من المسلمين. أما بعد : فإني كتبت اليكم كتابي هذا وأنا محصور, أشرب من بئر القصر, ولا آكل من الطعام ما يكفيني, خيفة ان تنفذ ذخيرتي, فأموت جوعا انا ومن معي. لا أدعى إلى توبة أقبلها, ولا تسمع مني حجّة أقولها. فأنشد الله رجلا من المسلمين بلغه كتاب إلاّ قدم عليّ, فأخذ الحق في, ومنعني من الظلم والباطل"
وهكذا فإن الخليفة يطلب النصرة والعون من عامة الناس , البعيدين, ويدعوهم اليه. فكيف يستقيم انه يأمر المحيطين به والراغبين في القيام دونه أن يكفوا؟ إلاّ أن يكون عثمان قدر أنه لا يجديه نفعا تأييد بضعة أشخاص وانه يلزمه تأييد عدد كبير من الناس. ظاهرٌ أن عثمان يئس من أهل المدينة لما رأى ان أشخاصا معدودين فقط مستعدون للدفاع عنه.

والرواية التالية للبلاذري[81]  (أنساب الأشراف) توضح كذلك أن عثمان كان يأمر بالكف عنه يأساً من القدرة على صد المهاجمين, وأنه لو كان يرى أن له مناصرين حقيقيين لأمرهم بالقتال:
قال له الزبير بن العوام " ان في مسجد رسول الله(ص) جماعة يمنعون من ظلمك ويأخذونك بالحق. فاخرج فخاصم القومَ الى أزواج النبي(ص). فخرج معه فوثب الناس عليه بالسلاح. فقال: يا زبير ما أرى احداً يأخذ بحق ولا يمنع من ظلم.
ودخل , ومضى الزبير الى منزله"

ولنا ملاحظة أخرى حول الأشخاص الذين ناصروا عثمان في محنته وأعربوا عن استعدادهم للقتال في سبيله. فمعظم هؤلاء – على قلتهم – لم يكونوا جديين في إعلانهم عن الجاهزية للدفاع المسلح عن الخليفة. بل يبدو لي أنهم كانوا بصدد تسجيل موقف ليس إلاّ. وذلك بيّنٌ من طريقة كلامهم ومواقفهم الاستعراضية لإشهار السيف بوجه من يهددون عثمان. وإلاّ لماذا يصرّ هؤلاء على "الاستئذان" من عثمان ؟! الموقف لا يحتمل , والرجل مهددٌ في حياته بين لحظة وأخرى, ثم يأتي من "يسأله" : هل ندافع عنك ام لا؟! فلا يمكن أن يكون السائلُ جدياً, بل انه في الحقيقة يأتي وهو يعرف بأن جواب عثمان الأكيد سيكون أمراً بالكفّ , لأن عثمان لا يمكن أن يلقي بمحبّيه الى التهلكة. والنتيجة أن السائل يعطي نفسَه عذراً بالقعود, ويُريح ضميره, عن طريق ذلك "الاستئذان" من عثمان ! وفي ذات الوقت يقول انه عمل ما عليه وكان مستعداً للتضحية لولا أن الخليفة منعه من ذلك!
ومن هؤلاء أبو هريرة.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب:
" وروى سعيد المقبري , عن ابي هريرة قال : إني لمحصور مع عثمان رضي الله عنه في الدار . قال : فرُمي رجلٌ منا فقلتُ : يا أمير المؤمنين , الآن طاب الضراب ! قتلوا منا رجلاً.
 قال : عزمتُ عليك يا أبا هريرة إلاّ رميتَ سيفك, فإنما ترادُ نفسي, وسأقي المؤمنين بنفسي.
قال أبو هريرة : فرميتُ سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة"[82]

 ومن هؤلاء ايضا عبد الله بن الزبير.
فقد ذكر ابن سعد  في طبقاته رواية ابن أبي ملكية عن ابن الزبير" قلتُ لعثمان : إن معك في الدار عصابة مستنصرة ينصر الله بأقل منهم فأذن لي فلأقاتل"
وفي رواية أخرى -عن عروة بن الزبير- أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان " قاتلهم! فوالله لقد أحل الله لك قتالهم" وأنه " قد كان عثمان أمّرَ عبد الله بن الزبير على الدار وقال عثمان : من كانت لي عليه طاعة فليُطِع عبدَ الله بن الزبير"[83]

وأما عبد الله بن عمر, فرغم ان هناك روايات تشير الى استعداده للقتال[84] إلاّ أن ذلك مستبعد لأنه لم يكن من نوعية الرجال المقاتلين أولاً , ولأن تلك الروايات وردت من طريق نافع مولاه الذي ربما أراد رفع شأن سيده. والأصح أن ابن عمر اكتفى بإسداء النصح للخليفة بأن يتمسك بمنصبه ويرفض الاعتزال, كما مر معنا. كما روى ابن قتيبة[85] أن ابن عمر سأل عثمان " يا امير المؤمنين : مع من تأمرني أن اكون ان غلب هؤلاء القوم عليك؟ قال : عليك بلزوم الجماعة..." وذلك السؤال ليس ببعيد على ابن عمر.

وقد تلقى عثمان اقتراحات بتهريبه خلسة الى خارج المدينة , فرفضها. فقد روى ابن قتيبة[86] أن المغيرة بن شعبة دخل على عثمان فاقترح عليه ان يتم تهريبه عن طريق باب يُخرق له الى مكة او الى الشام.
وروى ابن شبة[87] ان اسامة بن زيد بعث مولاته ريطة الى عثمان ليقترح عليه أن يثقبوا له الدار ليخرج " حتى تلحق مأمنك. حتى يقاتل من أطاعك من عصاك" ولكن عثمان رفض. وفي رواية أخرى " ودخل اسامة على عثمان فقال : يا أمير المؤمنين, إن عندي ظهراً ظهيراً ورجالاً جلداً من قومي من هذا الحي من كلب. فاخرج معي حتى أقدم بك الشام على أنصارك. فيضرب المقبل المدبر" ولكن عثمان رفض أيضاً.

وأما حديث بعض المؤرخين عن "فتية من قريش" دافعوا عن عثمان وخرجوا من بيته وقد  تلطخوا بالدماء فلا يعدو كونه مبالغات هدفها القول بأن كبار الصحابة لم يتخلوا عن عثمان وأنهم إن لم يقوموا هم بأنفسهم بالدفاع عنه فقد أرسلوا أبناءهم . روى ابن حبان في كتاب الثقات" قال عليٌ للحسن والحسين : إذهبا بسيفكما حتى تقفا على باب عثمان ولا تدعا أحداً يصل إليه. وبعث الزبير ابنه, وبعث طلحة ابنه, وبعث عدة من أصحاب رسول الله(ص) أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان .
ورماه الناس بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء , وتخضب محمد بن طلحة, وشج قنبر مولى علي"[88]
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال " شهدتُ مقتل عثمان . فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين , كانوا يدرؤون عن عثمان رضي الله عنه : الحسن بن علي[89] , وعبد الله بن الزبير , و محمد بن حاطب و مروان بن الحكم"[90]

وتذكر بعض المصادر أسماء شخصيات أخرى , غير مشهورة, ممن عرضوا النصرة على عثمان. فمثلاً ذكر خليفة بن خياط في تاريخه اسمي "سليط بن سليط" و "عبد الله بن عامر بن ربيعة"[91] من ضمن هؤلاء.


دفاع ابن سلام عن عثمان : نبوءات من التوراة والقرآن ![92]

والمتتبع لأخبار المدافعين عن عثمان خلال تلك الأيام العصيبة يستطيع ان يميز موقف الصحابي عبد الله بن سلام عن غيره. فخلافاً للآخرين كان ابن سلام يتحدث بلهجة العارف اللبيب بما ستصير اليه الأمور, ويذكر أخباراً ونبوءات فيها تفاصيل مثيرة عن الله والملائكة ويوم القيامة لا يعرفها غيره.
وفيما يلي استعراضٌ لبعضها:

ففي متابعة لروايات ابن قتيبة ( الامامة والسياسة) حول المدافعين عن عثمان يقول : ان عبد الله بن سلام , الذي كان مع عثمان في الدار, أطلّ على المتمردين فوعظهم ونصحهم وألقى عليهم خطبة طويلة قال فيها ان الله سيغضب واثني عشر الفا من الملائكة سيتفرقون من حول المدينة إن قتل عثمان , وانه يجد في التوراة التي انزلت على موسى ان عثمان هو " الخليفة المظلوم الشهيد " ! فأجابه الناس " أيا يهودي : أشبع بطنك وكسا ظهرك"
ويلاحظ كيف يحدد ابن سلام بدقة عدد الملائكة الذين سيتفرقون من حول المدينة! وكيف يؤكد على أن التوراة الحقيقية التي انزلت على موسى تتحدث عن عثمان المظلوم.

روى الطبري في تاريخه من طريق سيف:
"فأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله وقال: يا قوم لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه. ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فان قتلتموه لا يقم إلا بالسيف. ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله والله لئن قتلتموه لتتركنها !
فقالوا يا ابن اليهودية! وما أنت وهذا؟ فرجع عنهم"
ورواية الطبري هذه أهون قليلا من رواية الامامة والسياسة. فهي لا تحدد عدد الملائكة الذين سيتركون المدينة إن قتل عثمان, رغم تأكيدها على الغضب الالهي.

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء عن عبد الرازق في مصنفه " كان عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول : لا تقتلوه , فوالله لا يقتله رجل منكم إلاّ لقى الله أجذم لا يد له, وان سيف الله لم يزل مغموداً , وانكم والله إن قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمده عنكم أبداً . وما قتل نبي قط إلاّ قتل به سبعون ألفاً , ولا خليفة إلاّ قتل به خمسة وثلاثون ألفاً قبل أن يجتمعوا"
وهنا يؤكد ابن سلام معرفته بعقاب قاتل عثمان يوم القيامة وكيف ستكون هيئته! كما يحدد أعداد الضحايا الذين سيسقطون من الأمة إن قتل الخليفة.

وقد روى ابن سعد بأسانيده في الطبقات الكبرى أقوال ابن سلام  :
"قال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال أخبرنا الأعمش عن أبي صالح قال :سمعت عبد الله بن سلام يوم قتل عثمان يقول : والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم به من الله بعدا
 قال أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث عن طاوس قال: سئل عبد الله بن سلام حين قتل عثمان كيف يجدون صفة عثمان في كتبهم ؟ قال : نجده أميرا يوم القيامة على القاتل والخاذل.
 قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن ليث عن طاوس قال قال عبد الله بن سلام : يحكم عثمان يوم القيامة في القاتل والخاذل"
فعثمان , كما تذكر التوراة التي لدى ابن سلام, سيكون يوم القيامة حاكماً فيمن قتلوه وخذلوه.

وروى ابن اعثم الكوفي في كتاب الفتوح أن عبد الله بن سلام خاطب الثائرين فقال لهم:
" .... فأنشدكم الله أن لا تطردوا جيرانكم من الملائكة وأن لا تسلوا سيف الله المغمود ، فإن الله عز وجل سيفا لم يسله قط على قوم حتى يسلوه على أنفسهم ، فإذا سلوه لم يغمده عنهم إلى يوم القيامة .
فإياكم وقتل هذا الشيخ ! فإنه خليفة ، ووالله ! ما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا من أمته عقوبة لهم ، ولا قتل خليفة من بعده إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا ، فاتقوا الله ربكم في هذا الشيخ .
 قال : فنادوه من كل جانب : كذبت يا يهودي !
فقال عبد الله بن سلام : بل كذبتم أنتم ، لست بيهودي ولكني تركت اليهودية وتبرأت منها واخترت الله ورسوله..."

وروى ابن شبة في تاريخ المدينة أخبار ابن سلام أثناء حصار عثمان, وكيف أنه بذل مجهوداً في التأكيد للمهاجمين بضرورة الكف عن عثمان وعدم قتله- رغم أنه متأكد أنهم سيقتلونه - لأنه على يقين أنه بكل الأحوال لن يعيش أكثر من أربعين يوما! وقال لهم ان من يقتل عثمان سيلقى الله يوم القيامة ويده مشلولة مقطوعة , أو سيلقاه وهو أجذم! وأن عثمان سيحكم يوم القيامة في القاتل والخاذل. وأعلن ابن سلام أنه " في كتاب الله المنزل : انه ليس من قوم يقتلون خليفتهم إلا قتل الله به خمسة وثلاثين ألفاً , ولا قوم يقتلون نبيهم إلاّ قتل الله به سبعين ألفاً. والذي نفسي بيده: لا ترجع الخلافة الى أرض الحجاز أبداً. ولا يجاوز خاتم النبوة فيها إلاّ حاجاً أو معتمراً" . وتقول الروايات ان عثمان نفسه قد أرسل لابن سلام يسأله عما يرى فأجابه " إنك لفي كتاب الله الخليفة المقتول المظلوم"
ومن الواضح أن ابن سلام يقصد التوراة بقوله "كتاب الله المنزل" لأن القرآن موجود ومعروف وليس به كلام عن القوم الذين يقتلون خليفتهم فيقتل منهم 35 ألفاً, ولا عن ان عثمان هو الخليفة المظلوم!

والملاحظ في هذه الروايات ان المهاجمين لم يزدهم كلام ابن سلام إلاّ غضبا وهياجاً, فاتهموه بأنه يهودي وقد أشبع عثمان بطنه, وحصبوه. وظاهرٌ من رد فعل الثائرين أنهم لم يكونوا يعترفون بجدية اسلام عبد الله بن سلام , بل يردونه دوماً الى مرجعيته اليهودية الاصلية.

وانا لا أستبعد صحة الروايات عن موقف ابن سلام وما قاله . فهو , وغيره من اليهود الذين أسلموا , كانوا كثيرا ما يميزون أنفسهم عن العرب المسلمين بإظهار معرفتهم بالتوراة وما بها , فيحدثون من أخبارها ورواياتها ويتكلمون عن موسى ودينه . وكان البعض يستمع لهم باعتبارهم اهل العلم والكتاب الاول. ولكن لسوء حظ ابن سلام لم يلق كلامه قبولا لدى المتمردين " فحصبوه وشجوه".

وجديرٌ بالذكر انه كانت لابن سلام تنبؤات من التوراة بخصوص الخليفة عمر بن الخطاب أيضاً ! ومن ذلك
ما رواه  ابن عساكر بسنده في تاريخ دمشق أن ابن سلام قال مخاطباً الخليفة عمر بن الخطاب " أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل عليه السلام أنه قال يكون في أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) رجل يقال له عمر بن الخطاب أحسن الناس دينا وأحسنهم يقينا ما دام بينهم الدين عالي والدين فاش  واستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة فإذا مات عمر يرق الدين ويقل اليقين وتقل أعمار الصالحين وافترق الناس على فرق من الأهواء وفتحت أقفال جهنم فيدخل في جهنم من الآدميين كثير"

وبالاضافة الى ابن سلام فإن كعب الاحبار قد تميز برواياته الاسرائيلية الكثيرة التي اختلطت بكلام النبي (ص) عن طريق صديقه أبي هريرة.
وكان هؤلاء اليهود الذين أسلموا ناجحين في التقرب الى الحاكمين. فكانوا يروون لهم نبوءات وأخبار من توراة اليهود. وكعب الاحبار كان مقرباً من الخليفة عمر بن الخطاب ويروي له انه يجد صفته في التوراة!
ومن ذلك ما رواه ابن حجر في فتح الباري" ان عمر دخل على ام كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال : ما يبكيكِ؟
قالت : هذا اليهودي – لكعب الاحبار – يقول انك باب من أبواب جهنم.
فقال عمر : ما شاء الله! ثم خرج فأرسل الى كعب فجاءه.
فقال : يا أمير المؤمنين . والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة.
فقال : ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار؟
فقال : إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناسَ أن يقتحموا فيها , فإذا مِتّ اقتحموا"
ومن ذلك أيضاً ما رواه الطبري في تاريخه في سياق حديثه عن اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب :
" جاءه كعب الاحبار فقال له : يا أمير المؤمنين اعهد! فإنك ميت في ثلاثة أيام.
قال : وما يدريك؟
قال : أجده في كتاب الله عز وجل التوراة!
قال عمر : آلله إنك لتجدعمر بن الخطاب في التوراة؟
قال : اللهم لا, ولكني أجد صفتك وحليتك, وانه قد فنى أجلك!
قال وعمر لا يحس وجعاً وألماً
فلما كان من الغد جاءه كعب فقال : يا أمير المؤمنين, ذهب يوم وبقي يومان.
قال ثم جاءه من غد الغد فقال : ذهب يومان وبقي يوم وليلة, وهي لك الى صبيحتها
قال فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة ...."

ومن بعد عمر , كان كعب الاحبار من بطانة عثمان الذي كان يقربه ويستشيره حتى في القضايا الشرعية. وقد سبق وذكرنا قصة الصدام الذي جرى بين أبي ذر الغفاري وكعب الأحبار بحضرة عثمان بشأن تركة عبد الرحمن بن عوف.

هل كان معاوية متواطئا؟[93]

وهنا من المفيد التطرق الى موضوع موقف معاوية أثناء حصار عثمان .
فالكثير من المصادر التاريخية تشير إلى أن معاوية قد تباطأ في نجدة عثمان, وتلمح أو تصرح إلى أنه بشكل أو بآخر تواطأ من أجل أن يقتل عثمان وتحمله مسؤولية ترك الخليفة يواجه مصيره دون مَدَد.

فمثلاً روى اليعقوبي في تاريخه ان عثمان " كتب الى معاوية يسأله تعجيل القدوم عليه. فتوجه اليه في اثني عشر ألفا, ثم قال : كونوا بمكانكم في أوائل الشام, حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره. فأتى عثمانَ فسأله عن المدة. فقال : قد قدمتُ لأعرف رأيك وأعود اليهم فأجيئك بهم.
قال : لا والله. ولكنك أردتَ أن أقتل فتقول : أنا ولي الثأر! ارجع فجئني بالناس.
فرجع فلم يعد اليه حتى قتل"
ولكن هل يعقل أن معاوية, حسب هذه الرواية , يترك قواته على حدود الشام ثم يذهب منفرداً الى الخليفة المحصور فيجتمع اليه ثم يعود لاستقدامهم؟! ولا يوجد أي خبر عن هذا الاجتماع المزعوم بين عثمان ومعاوية في تلك الفترة العصيبة في أي مصدر تاريخي. وهل يمكن أصلاً تخيّل أن معاوية يدخل المدينة وهو بلا قوات ثم يخرج منها سالماً , وهي التي كانت تعج بالثائرين على عثمان والذين كان معاوية من أبرز مطاليبهم؟

وورد في تاريخ المدينة لابن شبة عن جويرية " أرسل عثمان رضي الله عنه الى معاوية رضي الله عنه  يستمدّه. فبعث معاوية رضي الله عنه يزيد بن أسد – جد خالد القسري – وقال له : إذا اتيتَ ذا خشب فأقم بها (ولا تتجاوزها ولا تقل الشاهد يرى ما ) لا يرى الغائب. قال : أنا الشاهد وأنت الغائب.
فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان رضي الله عنه.
فقلتُ لجويرية : لمَ صنع هذا ؟
قال : صنعه عمداً ليقتل عثمان رضي الله عنه فيدعو الى نفسه".
ولم توضح هذه الرواية لماذا يتجشم معاوية عناء ارسال جيش من الشام ليقف على تخوم المدينة (بذي خشب) ثم لا يدخلها لحماية الخليفة؟! فلو كان يريد التقاعس عن نصرة عثمان لكان أجدر به ألاّ يرسل قواتٍ أصلاً .
ووردت رواية أخرى يتهم فيها المسور بن مخرمة معاوية بأنه تخاذل عن نصرة عثمان " وكتب يستمدّكَ بالجند , فحبستهم عنه, حتى قتل وهم بالزرقاء (مدينة بالشام)"

وروى الطبري في تاريخه من طريق ابن السائب الكلبي:
"فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام:
 بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشأم على كل صعب وذلول.
 فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم اجتماعهم.
 فلما أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز وإلى أهل الشأم يستنفرهم ويعظم حقه عليهم ويذكر الخلفاء وما أمر الله عز وجل به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن ينجدهم جند أو بطانة دون الناس وذكرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم, فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فان القوم معاجلي
 فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر عثمان فعظم حقه وحضهم على نصره وأمرهم بالمسير إليه فتابعه ناس كثير وساروا معه حتى إذا كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان رضي الله عنه فرجعوا"
وحسب هذه الرواية فإن عثمان بلغ به اليأس من استجابة معاوية الى حد الكتابة مباشرة الى قيادات من اهل الشام! وأن هؤلاء قد استجابوا له دون إذن معاوية! ولكن من المسلم به تاريخياً أن سيطرة معاوية على الشام كانت محكمة فكيف تسير قواتٌ وجيوشٌ من عنده رغماً عنه؟ كما أن الرواية تقول ان معاوية كره مخالفة اجماع أصحاب النبي(ص), مما يعني أن الصحابة كانوا مجتمعين على حصار عثمان وخلعه وقتله؟! ثم متى كان معاوية يقيم وزنا للصحابة وهو الذي كان وجه اليهم تحذيراً بل تهديداً صارخاً في آخر زيارة له الى المدينة؟!

فتلك الروايات كلها غير صحيحة. أو بالأحرى هي محرفة بهدف توجيه تهمة التواطؤ لقتل عثمان الى معاوية. والسبب الذي يجعل البعض يصدّق تلك التهمة بحق معاوية هو أنه قد استفاد بالفعل من مقتل عثمان الذي اتخذه وسيلة للوصول الى أهدافه بالاستيلاء على الخلافة. ولكن استخدام معاوية واستغلاله اللاحق لحادثة مقتل عثمان لا يعني أنه كان مساهماً فيه, فليس هناك أي أساس تاريخي لتلك التهمة. وانما المسألة أن سلوك معاوية وسياسته الانتهازية تجعله خليقاً, لدى الكثيرين, بتلك التهمة!

فالذي حدث تاريخياً أن عثمان قد أرسل بالفعل يستنجد بمعاوية في الشام كيّ يهبّ لانقاذه. وتبدو رواية الإمامة والسياسة لابن قتيبة الأقرب الى الصحة:
" وكتب إلى أهل الشام عامة , وإلى معاوية وأهل دمشق خاصة : أما بعد , فإني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر فيّ. وقد خيّروني بين أن يحملوني على شارفٍ من الإبل إلى دخل ( جزيرة في اليمن ), وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني, وبين أن أقيدهم ممن قتلتُ. ومَن كان على سلطان يخطئ ويصيب.
فيا غوثاه يا غوثاه! ولا أمير عليكم دوني. فالعَجَل العَجَل يا معاوية! وأدرك ثم أدرك, وما أراك تدرك"

والأرجح أن مبادرة معاوية بإرسال نجدة عسكرية لإنقاذ الخليفة كانت في الواقع القشة التي قصمت ظهر البعير والتي عجّلت في قيام الثوار بقتل عثمان.  أي بعبارة أخرى ان استجابة معاوية لنداء عثمان قد سرّعت في مقتله , وليس تقاعسه الذي أدى لذلك. نتابع في رواية الإمامة والسياسة لابن قتيبة أن الخبر قد جاء إلى الثوار أثناء حصار عثمان " إن معاوية قد بعث من الشام يزيد بن أسيد, مَدَداً لعثمان , في أربعة آلاف من خيل الشام. فاصنعوا ما أنتم صانعون وإلاّ فانصرفوا" وكذلك روى ابن قتيبة في الامامة والسياسة"...فلما سمع القومُ إقبالَ أهل الشام, قاموا فألهبوا النار بباب عثمان..."
 فالثوار أصبحوا تحت ضغط زمني شديد لكي ينتهوا من الأمر الذي هم بشأنه. فلم يعُد أمامهم متسع مفتوح من الوقت لكي يتصرفوا. فجنود معاوية قادمون في الطريق, وعليهم اتخاذ قرار : يجب على عثمان أن يستسلم , وبأي طريقة كانت, ويقبل بعزل نفسه عن منصبه وبسرعة, وإلاّ كان عليهم مواجهة الجنود القادمين من الشام. ولو وصل جنود معاوية فهم حتماً قادرون على حماية عثمان وعندها يكون قد أسقط بيد الثوار وخاب كل جهدهم. فمعنى ذلك انه ليس فقط سيستمر عثمان في منصبه وسياسته رغماً عن أنف الجميع, ولكن أيضاً سوف تتعزز مكانة معاوية  وترتفع إلى عنان السماء في دولة عثمان! كيف لا وهو عندها سيكون الحامي للخليفة والضامن لاستمرار حكمه! وبذلك سيكون سعي الثوار قد ارتد معكوساً عليهم, وهذا ما لا يستطيعون تحمله!

وقد ذكر العلامة ابن عبد البر في الاستيعاب[94] " إن معاوية قد وجّه حبيبَ بن مسلمة بجيش الى نصر عثمان بن عفان , فلما بلغ وادي القرى بلغه مقتل عثمان , فرجع"
ولم يشر الى تخاذل ولا تأخير من قبل معاوية. ورغم اللبس الذي يتعلق بشخص القائد العسكري الذي أرسله معاوية مدداً لعثمان – يزيد بن أسد القسري في الامامة والسياسة أو حبيب بن مسلمة الفهري لدى ابن عبد البر- إلاّ أن ذلك ليس سبباً وجيهاً للشك في خبر استجابة معاوية وقيامه بارسال قوات , ولكنها لم تصل في الوقت المناسب فعادت ادراجها من حدود الشام عندما بلغها نبأ مقتل الخليفة.


الفصل الرابع: النهاية المأساوية للخليفة


عملية القتل[95]

استمر حصار عثمان في داره 40 أو 45 أو 49 يوماً حسب الروايات, وسبقتها الفترة التي لم يكن فيها عثمان محصوراً. وهذه فترة طويلة مُنهكة جداً بكل تأكيد: منهكة للثوار أنفسهم, ولعثمان, وللصحابة الموجودين في المدينة ولكل سكانها أيضاً.
وقد صورت المصادر كيف كان عثمان يحاول إقناع المهاجمين بالكف عنه . وكثير منها يرسم صورة محزنة للخليفة وهي تتحدث عن لجوئه – بلا جدوى -  الى تعداد مناقبة الاسلامية في جهد منه للتأثير عليهم. ومن ذلك ما رواه الترمذي في سننه عن ابي عبد الرحمن السلمي قال " لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال : أذكركم بالله هل تعلمون ان حراء حين انتفض قال رسول الله (ص) : اثبت حراء فليس عليك إلاّ نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا : نعم!
قال : اذكركم بالله هل تعلمون ان رسول الله (ص) قال في جيش العسرة : من ينفق نفقة متقبلة؟ والناس مجهدون معسرون, فجهزتُ ذلك الجيش؟ قالوا : نعم!
ثم قال : اذكركم بالله هل تعلمون ان رومة لم يكن يشرب منها أحد إلاّ بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا : اللهم نعم!
وأشياء عدها"[96] 
ولكن كانت الجموع الثائرة قد وصلت إلى نقطة اللاعودة في صراعها مع عثمان. وكان القتل هو النتيجة الطبيعية للموقف كله.

 وتوجد روايات كثيرة حول تفاصيل عملية القتل , ومَن الذين باشروا بتنفيذها فعلا.

روى ابن حبان في كتاب الثقات "... ثم أخذ محمد بن أبي بكر بيد جماعة, وتسور الحائط من غير أن يعلم به أحد, من دار رجل من الأنصار, حتى دخلوا على عثمان وهو قاعدٌ والمصحف في حجره ومعه امراته والناس فوق السطح لا يعلم أحد بدخولهم .
فقال عثمان لمحمد بن ابي بكر : والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني. فرجع محمد.
 وتقدم اليه سودان بن رومان المرادي , ومعه مشقص, فوجأه حتى قتله وهو صائم.
ثم خرجوا هاربين من حيث دخلوا
.... وكان تمام حصاره خمسة واربعين يوما"

وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى :
" ان محمد بن ابي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم, ومعه كنانة بن بشر بن عتاب و سودان بن حمران و عمرو بن الحمق. فوجدوا عثمان عند امراته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة.
فتقدمهم محمد بن ابي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال : قد أخزاك الله يا نعثل!
فقال عثمان : لستُ بنعثل, ولكن عبد الله وأمير المؤمنين.
فقال محمد : ما اغنى عنك معاوية ولا فلان
فقال عثمان : يا ابن أخي ! دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضتَ عليه!
فقال محمد : ما أريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك.
فقال عثمان : أستنصر الله عليك وأستعين به.
ثم طعن جبينه بمشقص في يده, ورفع كنانة بن بشر بن عتاب مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه, ثم علاه بالسيف حتى قتله"
وفي رواية ابن ابي عون " ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأيه بعمود حديد فخرّ لجنبه. وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجنبه فقتلو(ه) . أما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال : أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله وأم ست فإني طعنت اياهنّ لما كان في صدري عليه"
وأضاف مزيداً من التفاصيل المؤثرة :
 " وأخبرنا محمد بن عمر قال حدثني الزبير بن عبد الله عن جدته قالت : لما ضربه بالمشاقص قال عثمان : بسم الله توكلتُ على الله. وإذا الدم يسير على اللحية يقطر, والمصحفُ بين يديه. فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول سبحان الله العظيم, وهو في ذلك يقرأ المصحفَ , والدم يسيلُ على المصحف حتى وقف الدم عند قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم). وأطبق المصحف وضربوه جميعاً ضربة واحدة. فضربوه والله – بأبي هو – يحيي الليل في ركعة ويصل الرحم ويطعم الملهوف ويحمل الكل فرحِمهُ الله"

ورد في الامامة والسياسة لابن قتيبة :
" ... فدخل عليه محمد بن أبي بكر فصرعه ، وقعد على صدره ، وأخذ بلحيته ، وقال : يا نعثل ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن عامر وابن أبي سرح .
 فقال له عثمان : لو رآني أبوك رضي الله عنه لبكاني ، ولساءه مكانك مني .
 فتراخت يده عنه ، وقام عنه وخرج
 فدعا عثمان بوضوء فتوضأ ، وأخذ مصحفا ، فوضعه في حجره ، ليتحرم به. ودخل عليه رجل من أهل الكوفة بمشقص في يده ، فوجأ به منكبه مما يلي الترقوة ، فأدماه ونضح الدم على ذلك المصحف .
 وجاء آخر فضربه برجله ، وجاء آخر فوجأه بقائم سيفه ، فغشي عليه ، ومحمد بن أبي بكر لم يدخل مع هؤلاء.  فتصايح نساؤه ، ورش الماء على وجهه فأفاق .
 فدخل محمد بن أبي بكر وقد أفاق فقال له : أي نعثل ، غيرت وبدلت وفعلت .
 ثم دخل رجل من أهل مصر ، فأخذ بلحيته ، فنتف منها خصلة ، وسل سيفه ، وقال : أفرجوا لي ، فعلاه بالسيف ، فتلقاه عثمان بيده ، فقطعها ، فقال عثمان : أما والله إنها أول يد خطت المفصل ، وكتبت القرآن !
ثم دخل رجل أزرق قصير مجدر ، ومعه جرز من حديد ، فمشى إليه فقال : على أي ملة أنت يا نعثل ؟
فقال : لست بنعثل ، ولكني عثمان بن عفان ، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين .
 قال: كذبت . وضربه بالجرز على صدغه الأيسر فغسله الدم ، وخر على وجهه ، وحالت نائلة بنت الفرافصة زوجته بينه وبينه ، وكانت جسيمة ، وألقت بنت شيبة نفسها عليه ، ودخل عليه رجل من أهل مصر ، ومعه سيف مصلت ، فقال والله لأقطعن أنفه ، فعالج امرأته عنه ، فكشف عنها درعها . فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها ، فضربت على السيف ، فقطع أناملها ، فقالت : يا رباح ، غلام لعثمان أسود ومعه سيف ، أعن عني هذا ، فضربه الأسود فقتله . ثم دخل آخر معه سيف فقال : أفرجوا لي ، فوضع ذباب السيف في بطن عثمان ، فأمسكت نائلة زوجته السيف ، فحز أصابعها ، ومضى السيف في بطن عثمان فقتله ، فخرجت امرأته وهي تصيح ، وخرج القوم هاربين من حيث دخلوا"

وروى خليفة بن خياط في تاريخه عن وثاب "و جاء محمد بن ابي بكر في ثلاثة عشر رجلاً فأخذ بلحيته فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه.
وقال : ما أغنى عنك معاوية, ما أغنى عنك ابن عامر, ما أغنت عنك كتبك!
فقال : أرسل لي لحيتي يا ابن أخي.
قال : فأنا رأيته استعدى رجلاً من القوم بعينه, يعني أشار اليه, فقام اليه بمشقص فوجأ به رأسه.
قلت : ثم مه؟ قال : ثم تعاوروا عليه والله حتى قتلوه رحمه الله"
وروى عن الحسن " ان ابن ابي بكر أخذ بلحيته فقال عثمان : لقد أخذت مني ماخذا أو قعدت مني مقعدا ما كان أبوك ليقعده! فخرج وتركه."
وروى عن ابن عمر " ضربه ابن ابي بكر بمشاقص في أوداجه, وبعجه سودان بن حمران بحربة"
وروى عن قتادة " الذي ولي قتل عثمان رومان , رجل من بني أسد بن خزيمة. أخذ ابن ابي بكر بلحيته وذبحه رومان بمشاقص كانت معه"
وروى عن كنانة مولى صفية ان الذي قتل عثمان " رجل من أهل مصر يقال له خالد بن الحارث"
ولم تخل روايات خليفة من هجاء للقاتلين. فهي تتحدث عنهم وكأنهم وحوش من غير بني البشر! فبعضها تذكر "جاء رويجل كأنه ذئب" وبعضها تقول " دخل عليه رجل من بني سدوس يقال له الموت الأسود فخنقه قبل ان يضرب بالسيف"
وأيضا لم ينسَ خليفة ورواته إضافة التفاصيل الدرامية للحادث ! فذكر أن أول قطرة من دم عثمان سالت فوقعت على المقطع من المصحف الذي فيه "فسيكفيكهم الله" ! وأيضا أن رجلاً ضرب عثمان بالسيف والمصحف معه فقطعت يده فقال له عثمان ان تلك اليد التي قطعها أول يد خطت المصحف!

وروى ابن شبة في تاريخ المدينة عن صالح بن كيسان " دخل عليه محمد بن ابي بكر بشريان كان معه فضربه في حشائه حتى وقعت في أوداجه فخرّ.
وضرب كنانة بن بشر جبهته بعمود.
وضربه سودان بن حمران بالسيف.
 وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات وقال : علمتُ انه مات في الثالثة فطعنته ستاً لما كان في قلبي عليه"
 وروى عن يزيد بن ابي حبيب ان الذي تولى قتل عثمان هو هذان بن رومان بن هذان الاصبحي. كما روى عن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان شعراً تتهم فيه كنانة بن بشر التجيبي بقتله.
 وبالإضافة الى هذه الروايات المختصرة أخرج أيضاً روايات فيها تفاصيل مأساوية عن لحظات عثمان الأخيرة . ومن ذلك رواية تقول ان المتمردين اقتحموا دار عثمان واعتدوا عليه بالضرب حتى أغمي عليه بعد أن سال دمه, فأفاقته نساؤه بعد أن مسحن وجهه بالماء " فدخل محمد بن ابي بكر بعد ذلك وهو يرى أنه قد قتل. فلما رآه قاعداً قال : ألا أراكم قياماً حول نعثل!! وأخذ بلحيته فجرّه من البيت الى باب الدار وهو يقول : بدّلتَ كتاب الله وغيرته يا نعثل.
فقال عثمان رضي الله عنه : لستُ بنعثل ولكني أمير المؤمنين. وما كان أبوك ليأخذ بلحيتي .
فقال محمد : لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول (ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل).
 ودخل رجل من كندة تجوبي من أهل مصر مخترطاً بالسيف فقال : اخرجوا اخرجوا. فأخرج الناسَ فطعن في بطنه.
فجاءته امراته بنت الفرافصة الكلبية تمسك السيف. فقطع أصابعها"
كما أخرج روايات تقول بعضها ان الذي قتله كان عمرو بن بديل الخزاعي, وأخرى تقول ان القاتل كان رجلاً من اهل مصر اسمه جبلة, وأخيرة تقول ان القاتل كان نيار بن عياض الاسلمي.
كما أخرج الروايات التي تقول ان دم عثمان سال على المصحف , وبالتحديد قطر على آية (فسيكفيكهم الله).
وأخف الروايات وطاة فيما يتعلق بمحمد بن ابي بكر هي تلك التي وردت عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب والتي يجيب فيها من سأله إن كان محمد يؤخذ بدم عثمان فأجاب " معاذ الله. دخل عليه فقال له عثمان رضي الله عنه : لستَ بصاحبي. وكلمه بكلام فخرج ولم يند بشيء من دمه.
فقلتُ لكنانة : من قتله؟ قال : رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم!"
وعلق ابن شبة : "فهذان الحديثان يبرئان محمد بن ابي بكر من أن يكون نوى قتل عثمان رضي الله عنه. وسائر الأحاديث جاءت بخلافهما"
ولستُ أدري كيف أدخل جبلة بن الأيهم, وهو الذي له شؤون مع عمر بن الخطاب, في هذا الأمر؟!

وقد أخرج الطبري في تاريخه عددا كبيراً من الروايات من مصادره حول عملية قتل عثمان, تتفق في اجمالها مع ما ورد أعلاه لدى المصادر الأخرى. وأشير من بينها الى رواية له عن الواقدي يذكر فيها صراحة  أن الثوار قد استعجلوا عملية القتل عندما سمعوا أنباء عن قدوم قوات من الشام والعراق ومصر لانقاذ الخليفة. كما أشير الى رواية عن جعفر المحمدي يذكر فيها أن السبب الذي استفز الثوار ودفعهم للهجوم كان قيام المتحصنين مع عثمان بقتل رجل محترم منهم, وصف بانه صحابي ويدعى نيار بن عياض الاسلمي, عندما رموه بسهم بينما كان يقف مخاطباً عثمان. ورفض عثمان تسليم القاتل ( وهو ربما أبو حفصة اليماني مولى مروان أو كثير بن الصلت الكندي).

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب:
عن الزبير " وكان أول من دخل الدار عليه محمد بن ابي بكر , فأخذ بلحيته فقال له : دعها يا ابن أخي ! والله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحيا وخرج .
 ثم دخل رومان بن سرحان – رجل أزرق قصير محدود , عداده في مراد , وهو من ذي أصبح – معه خنجر, فاستقبله به وقال : على أي دين أنت يا نعثل؟
فقال : لستُ بنعثل, ولكني عثمان بن عفان, وأنا على ملة ابراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال : كذبتَ ! وضربه على صُدغه الأيسر, فقتله . فخرّ رضي الله عنه , وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها , وكانت امرأة جسيمة. ودخل رجل من اهل مصر معه السيف مصلتاً فقال : والله لأقطعنّ أنفه , فعالج المرأة, فكشفت عن ذراعيها , وقبضت على السيف , فقطع ابهامها فقالت لغلام لعثمان – يقال له رباح – ومعه سيف عثمان : أعني على هذا وأخرجه عني. فضربه الغلام بالسيف فقتله
وأضاف ابن عبد البر " واختلف فيمن باشر قتله بنفسه :
فقيل : محمد بن ابي بكر ضربه بمشقص.
وقيل : بل حبسه محمد بن ابي بكر وأسعده غيره, وكان الذي قتله سودان بن حمران.
وقيل : بل ولي قتله رومان اليمامي .
وقيل : بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة.
وقيل : بل ان محمد بن ابي بكر أخذ بلحيته , فهزها وقال : ما أغنى عنك معاوية , وما أغنى عنك ابن ابي سرح, وما أغنى عنك ابن عامر. فقال له : يا ابن أخي أرسل لحيتي , فوالله انك لتجبذُ لحية كانت تعز على أبيك, وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني! فيقال : انه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال : انه حينئذ أشار الى من كان معه , فطعنه أحدهم وقتلوه . والله أعلم"
كما ذكر رواية كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب التي يبرّأ فيها محمد بن ابي بكر من دمه ويقول " قتله رجل من اهل مصر يقال له : جبلة بن الأيهم, ثم طاف بالمدينة ثلاثاً يقول : أنا قاتل نعثل"
ولم يغفل ابن عبد البر الحديث عن الدم السائل فوق المصحف , فقال : " وأكثرهم يروي أن ان قطرة , أو قطرات من دمه سقطت على المصحف , على قوله جل وعلا ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) "

وقد انفرد اليعقوبي في تاريخه بذكر محمد بن ابي حذيفة من ضمن القتلة. فروى باختصاره المعهود :
" وكان الذين تولوا قتله : محمد بن ابي بكر , ومحمد بن ابي حذيفة , وابن حزم .
وقيل : كنانة بن بشر التجيبي, وعمرو بن الحمق الخزاعي , وعبد الرحمن بن عديس البلوي , وسودان بن حمران"

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء ان محمد بن ابي بكر هو الذي بادر بتسور دار عثمان ومعه " رجلان " أوصاهما بقتله , ويروي إمساك محمد بلحية عثمان ثم انسحابه بعد أن ذكره عثمان بأبيه, فقام "الرجلان " بقتله. كما أخرج رواية لابن عساكر عن كنانة مولى صفية فيها هجاء للقاتل " قتل عثمانَ رجلٌ من اهل مصر , أزرق أشقر, يقال له : حمار "


ومن إجمالي الروايات أعلاه يمكن تلخيص ما جرى على النحو التالي :

·        هناك شبه اجماع على مسؤولية الثوار القادمين من مصر عن تنفيذ عملية القتل.
·        وصلت المدينة أخبارٌ بأن الغوث قادم لعثمان من ولاته في الأمصار.فشعر الثوار بالحاجة الى التصرف بسرعة قبل وصول المدد. فزادوا من شدة حصارهم لعثمان وضغطهم عليه ليعتزل الخلافة أو يواجه القتل. وفي تلك الأثناء قتل أحد رجالات الثائرين بسهم أطلقه احد المتحصنين مع عثمان, ولما رفض الخليفة تسليم المسؤول عن ذلك استغل الثوار ذلك للمباشرة بقتل عثمان. 
·        تلقى المهاجمون مساعدة "لوجستية" من شخصيات انصارية من اهل المدينة, وبالتحديد من عمرو بن حزم الذي كان جاراً لعثمان ففتح ابواب داره وأدخل الثوار ليهاجموا عثمان منها.  كما انضم رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري[97] الى جموع الثوار في هجومهم على عثمان ومن معه, وشارك في اشعال النيران بباب دار عثمان.
·        هناك تضارب حول أسماء الأشخاص الذين اقتحموا دار عثمان وقتلوه. ولكن تُجمِعُ الروايات على دخول محمد بن أبي بكر عليه وإمساكه بلحيته وقوله له أنه لم يُغنِ عنه معاوية ولا ابن أبي السرح ولا مروان ولا ابن عامر, وأن عثمان ذكّره بأبيه وقال له أنه لو رآه في هذا الموقف لساءه ذلك جداً, فاستحى محمد وخرج ليترك المجال لغيره لينفّذ المهمة. وبالإضافة إلى محمد بن أبي بكر, تذكر الروايات أسماء: كنانة بن بشر التجيبي, وسودان بن حمران المرادي, وعمرو بن الحمق الخزاعي, وابن هذان الأصبحي و عبد الرحمن بن عديس البلوي, والغافقي بن حرب وغيرهم, كمسؤولين مباشرين عن قتل الخليفة.
 وفي ظل تلك الفوضى العارمة , وحمّى القتل المستعرة, يصعب تحديد الذين قاموا بتسديد الطعنات إلى جسد عثمان العجوز, ولكن الأرجح أن يكونوا من بين هؤلاء الأشخاص المعروفين بحماسهم وتشددهم تجاه عثمان.
 وليس مهماً في الحقيقة أن تتم الإشارة إلى اسم معين كمسؤول عن قتل عثمان, لأن ظروف تلك الحادثة تجعل المسؤولية جماعية إلى أقصى حد. فما تمّ ليس حادث اغتيال فردي وإنما نتيجة هياج عام وغليان تراكم حتى انفجر. ومن المستبعد أن يكون هناك مَن بين الثوار من لم ينفذ صبره بعد ذلك الحصار الطويل والمفاوضات المضنية, بلا طائل.

وتذكر الروايات بعض التفاصيل الدرامية في ذلك الموقف العصيب. وبعضها يشير إلى دفاع زوجة الخليفة, نائلة  بنت الفرافصة , عنه دون جدوى, مما أدى إلى قطع أصابع يدها. وبعضها الآخر يشير إلى أن الخليفة كان يقرأ القرآن حين قتل " فسالَ الدمُ على المصحف"! وأخرى تقول ان قطرة دم سقطت على المصحف تماماً فوق آية "فسيكفيكهم الله"!

وكان قتل عثمان في 18 من ذي الحجة سنة 35.






هل دافع مروان عن الخليفة؟[98]

من المدهش جداً أن مروان بن الحكم قد نجا من القتل رغم وجوده الى جانب عثمان في تلك الظروف العصيبة.

وعلى الرغم من أن بعض الروايات تشير إلى أن مروان كان يدافع عن الخليفة وأنه لذلك تعرّض للضرب والاعتداء حتى أغشي عليه, إلاّ أن ذلك مستبعد تماماً. فليس هناك أي تفسير مقنع يمنع الثوار من قتل مروان. فرأس مروان كان من المطالب الرئيسية للثوار, والذي بسببه ربما فقد عثمان حياته. فكيف يمتنع الثوار عن قتل مروان إذن؟ لقد قاموا بقتل رأس الدولة, وشيخ بني أمية, ولم يبالوا بكونه خليفة للمسلمين, فما الذي يمكن أن ينالهم من جراء إضافة مروان إلى جانب عثمان كضحية لهذه الثورة؟ 

وقد روى الطبري في تاريخه أخباراً عدة بشأن مروان . فعن طريق الواقدي روى أن شاهد العيان أبا حفصة اليماني , وهو مولى لمروان, قال ان عثمان " ... قال لمروان: اجلس فلا تخرج.
 فعصاه مروان فقال: والله لا تقتل ولا يخلص اليك وأنا أسمع الصوت! ثم خرج إلى الناس.
 فقلت ما لمولاي مترك فخرجت معه أذب عنه ونحن قليل. فأسمع مروان يتمثل
قد علمت ذات القرون الميل * والكف والأنامل الطفول
ثم صاح من يبارز؟ وقد رفع أسفل درعه فجعله في منطقته
قال فيثب إليه ابن النباع فضربه ضربة على رقبته من خلفه فأثبته حتى سقط فما ينبض منه عرق. فأدخلته بيت فاطمة ابنة أوس جدة إبراهيم بن العدي
قال فكان عبد الملك وبنو أمية يعرفون ذلك لآل العدي"
وروى عن طريق جعفر المحمدي عن حسين بن عيسى عن أبيه "...وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان ابن الحكم فضربه فصرعه فنزل عنه وهو يرى أنه قد قتله"
وروى الطبري ايضا عن طريق ابن اسحق عن أبي بكر بن الحارث بن هشام :
"...فخرج مروان بن الحكم فقال من يبارز ؟
فقال عبد الرحمن بن عديس لفلان بن عروة: قم إلى هذا الرجل. فقام إليه غلامٌ شاب طوال فأخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته فأعور له عن ساقة فأهوى له مروان وضربه ابن عروة على عنقه فكأني أنظر إليه حين استدار.
 وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه. قال فوثبت عليه فاطمة ابنة أوس جدة إبراهيم بن عدي قال وكانت أرضعت مروان وأرضعت له فقالت : إن كنتَ إنما تريد قتل الرجل فقد قتل, وإن كنتَ تريد أن تلعب بلحمه فهدا قبيح !
قال فكف عنه. فما زالوا يشكرونها لها فاستعملوا ابنها إبراهيم بعد"

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن سعد أن ابن البياع الليثي كان" يبارز مروان بن الحكم .
فكأني أنظر الى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته وتحت القباء الدرع .
فضرب مروانَ على قفاه ضربة قطع علابي رقبته . ووقع لوجهه فأرادوا أن يذففوا عليه , فقيل : أتبضعون اللحم ؟! فترك" وروى أيضاً عن ابراهيم بن عبيد بن رفاعة قال " قال أبي بعد الدار , وهو يذكر مروان بن الحكم: عبادَ الله ! والله لقد ضربتُ رقبته فما أحسبه إلاّ قد مات . ولكن المرأة أحفظتني قالت : ما تصنعُ بلحمه تبضعه؟ فأخذني الحفاظ فتركته"

وهكذا فالروايات مضطربة . فبعضها يذكر ان الذي هاجم مروان كان ابن النباع (او ابن البياع), وبعضها تذكر رفاعة بن رافع (أو عبيد بن رفاعة). وقد ذكرنا سابقا أن ابن الاثير وابن عبد البر قد ذكرا أن الحجاج بن عمرو الانصاري هو الذي ضرب مروان يوم الدار فأسقطه وهو لا يعقل.
ولكن معظمها تشير الى أن مروان قد حُمِل الى بيت امرأة وهو شبه ميت فقامت بإبعاد المهاجمين عنه.
ولكن هذه الروايات غير مقنعة, وربما يكون فيها اختلاق لمصلحة مروان. فلو كان مروان جاداً في الدفاع عن الخليفة كما تصوره الروايات لما كان ممكنا أن يبقى على قيد الحياة, ولكان مصيره مثل غيره ممن أخلصوا لعثمان وذادوا عنه : فقد روى ابن حبان في كتاب الثقات " وقتل يوم قتل عثمان من قريش عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي وعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام والمغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي. وقتل معهم غلامٌ لعثمان أسود. أربعة أنفس"[99]


ومما يضعف من نظرية قيام مروان بالاستبسال في الدفاع عن الخليفة أن قصة المرأة التي أنقذت مروان بن الحكم من الموت, بعد أن أصيب وكاد يهلك , تكررت في سياق أحداث حرب الجمل, وبشكل يكاد يكون متطابقاً تقريباً ! فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن سعد " وقاتل مروان أيضاً حتى ارتثّ . فحُمِلَ الى بيت امرأة من عنزة. فداووه وقاموا عليه.
فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم"
فهل هذا معقول ؟ وهل كان مروان متخصصا في العثور على نساء يسعفنه بعد إصاباته الخطرة؟

فالأرجح إذن أن مروان بن الحكم قد فرّ من المدينة المنورة بطريقةٍ ما, لما شعر باقتراب أجل عثمان ولمَسَ تصميمَ الثوار على قتله. وليس تصرفٌ كهذا بغريب على شخصٍ كمروان.

وأما غير مروان من بني أمية الموجودين في المدينة, فقد كانوا مختبئين عند زوجة الرسول (ص) الأموية في مخزن للحبوب أثناء تلك الاحداث العاصفة! روى البلاذري في أنساب الاشراف من طريق المدائني " لجأ بنو أمية يوم قتل عثمان الى ام حبيبة, فجعلت آل العاص وآل حرب وآل أبي العاص وآل أسيد في كندوج[100] وجعلت سائرهم في مكان آخر.
ونظر معاوية يوماً الى عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال : بأبي وأمي أم حبيبة ما كان أعلمها بهذا الحيّ حين جعلتك في كندوج"



دفن عثمان [101]

لم تقتصر مأساة الخليفة العجوز على حصاره وإهانته في أواخر ايامه , ولا على الطريقة القاسية التي قتل بها, بل امتدت الى ما بعد وفاته: تجهيزه ودفنه.


روى الطبري في تاريخه من طريق جعفر المحمدي:
"نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن.
 ثم إن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزى وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلما عليا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل وأذن لهم علي.
فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم.
 فلما خرج على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب.
 فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين"[102]
وروى من طريق الواقدي" لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه. ثم حمله أربعة حكيم بن حزام وجبير بن مطعم ونيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة, فلما وضع ليصلى عليه جاء نفرٌ من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع .
فقال أبو جهم ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته.
 فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا !
 فدفنوه في حش كوكب.
 فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية"
وبالاضافة الى الروايتين أعلاه, سرد الطبري مجموعة اخرى من الروايات المتعلقة بدفن عثمان. فعن الواقدي أن البعض اقترح ان يدفن عثمان بمقبرة اليهود بدير سلع, ولكن حكيم بن حزام رفض بشدة وثار وأصر أن يدفن ببقيع الفرقد. وفي رواية اخرى للواقدي أن زوجته نائلة طلبت من حويطب بن عبد العزى وجبير بن مطعم وابي جهم بن حذيفة وحكيم بن حزام ونيار الاسلمي أن يتولوا دفنه, فحملوه الى البقيع بين المغرب والعشاء ودفنوه عند نخلات عليها حائط بعد ان صلى عليه جبير بن مطعم, وانهم كانوا خائفين ان ينبش!
وفي رواية ثالثة للواقدي أن البعض أراد حز رأس عثمان لولا أن منعتهم زوجتاه. وانهم ارادوا ان يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الانصار.
وعن سيف بن عمر ان مروان بن الحكم قد صلى عليه ودفن في البقيع "مما يلي حش كوكب" مع مجموعة من عبيده, وانه لم يغسل وكفن في ثيابه.
وعن جعفر المحمدي أنه لم يشهد جنازته سوى مروان وثلاثة من مواليه وابنته.


وروى اليعقوبي في تاريخه " وأقام ثلاثاً لم يدفن. وحضر دفنه حكيم بن حزام , وجبير بن مطعم, وحويطب بن عبد العزى وعمرو بن عثمان ابنه. ودفن بالمدينة ليلاً في موضع يعرف بحش كوكب. وصلى عليه هؤلاء الاربعة .
وقيل : لم يصلّ عليه.
وقيل : أحد الاربعة قد صلى عليه, فدفن بغير صلاة."

وجاء في الامامة والسياسة:
"... فإذا هو في نفر فيهم جبير بن مطعم ، وأبو الجهم بن حذيفة ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، و عبد الله بن الزبير ، فاحتملوه على باب وإن رأسه ليقول : طق طق ، فوضعوه في موضع الجنائز .
 فقام إليهم رجال من الأنصار ، فقالوا لهم : لا والله لا تصلون عليه !
 فقال أبو الجهم : ألا تدعونا نصلي عليه ، فقد صلى الله تعالى عليه وملائكته ..... فاحتملوه ثم انطلقوا مسرعين كأني أسمع وقع رأسه على اللوح ، حتى وضعوه في أدنى البقيع .
فأتاهم جبلة بن عمر الساعدي من الأنصار ، فقال : لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله ، ولا نترككم تصلون عليه !
 فقال أبو الجهم : انطلقوا بنا ، إن لم نصل عليه فقد صلى الله عليه ، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان ، معها مصباح في حق ، حتى إذا أتوا به حش كوكب حفروا له حفرة ، ثم قاموا يصلون عليه ، وأمهم جبير بن مطعم ، ثم دلوه في حفرته ، فلما رأته ابنته صاحت ، فقال ابن الزبير : والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عينيك ، فدفنوه ، ولم يلحدوه بلبن ، وحثوا عليه التراب حثوا "

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب :
عن مالك " لما قتل عثمان رضي الله عنه ألقي على المزبلة ثلاثة أيام . فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلاً فيهم حويطب بن عبد العزى , وحكيم بن حزام , وعبد الله بن الزبير , وجدّي, فاحتملوه . فلما صاروا به الى المقبرة ليدفنوه , ناداهم قوم من بني مازن : والله لئن دفنتموه هاهنا لنخبرنّ الناسَ غداً ! فاحتملوه. وكان على باب, وإن رأسه على الباب ليقول طق طق! حتى صاروا به الى حَش كوكب , فاحتفروا له . وكانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة, فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت, فقال لها ابن الزبير : والله لئن لم تسكتي لأضربنّ الذي فيه عيناكِ. قال : فسكتت. فدفن."
وأضاف ابن عبد البر موضحاً بشأن حش كوكب فقال " كوكب : رجل من الانصار . والحَش : البستان. وكان عثمان رضي الله عنه قد اشتراه, وزاده في البقيع, فكان أول من دفن فيه. وحُمِل على لوح سراً "
وذكر ابن عبد البر روايات أخرى بشأن دفن عثمان :
" وقد قيل : انه صلى عليه عمرو بن عثمان , ابنه.
وقيل : بل صلى عليه حكيم بن حزام.
وقيل : المسور بن مخرمة .
وقيل : كانوا خمسة , أو ستة وهم : جبير بن مطعم , وحكيم بن حزام, وأبو جهم بن حذيفة , ونيار بن مكرم وزوجتاه : نائلة وأم البنين بنت عيينة . ونزل في القبر نيار وأبو جهم وجبير . وكان حكيم وزوجتاه أم البنين ونائلة يدلونه . فلما دفنوه غيبوا قبره رضي الله تعالى عنه"
وروى عن الزبير " وبقي عثمان رضي الله عنه يومه ذاك مطروحاً الى الليل, فحمله رجال على باب ليدفنوه , فعرض لهم ناسٌ ليمنعوهم من دفنه , فوجدوا قبراً قد كان حفر لغيره فدفنوه فيه. وصلى عليه جبير بن مطعم"

رورى ابن شبة في تاريخ المدينة عن الزهري " جاءت أم حبيبة بنت ابي سفيان رضي الله عنها فوقفت بباب المسجد فقالت : لتخلنّ بيني وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفنّ ستر رسول الله (ص). فخلوها.
فلما أمسوا جاء جبير بن مطعم وحكيم بن حزام وعبد الله والمنذر ابنا الزبير, وأبو الجهم بن حذيفة وعبد الله بن حسل رضي الله عنهم فحملوه فانتهوا به الى البقيع. فمنعهم من دفنه ابن بجرة – ويقال ابن نحرة الساعدي-  فانطلقوا به الى حش كوكب فصلى عليه جبير بن مطعم رضي الله عنه ثم دفنوه وانصرفوا"
كما أخرج روايات أخرى تقول ان الذي منع من دفنه كان جبلة بن عمرو الساعدي مما دفعهم الى دفنه في حش كوكب وان الذي صلى عليه كان المسور بن مخرمة الزهري وأنهم هالوا عليه التراب ولم يضعوا على لحده لبناً وان التي كانت معهم عائشة ابنته. وأخرى تقول ان الذي صلى عليه كان جبير بن مطعم في ثمانية رهط منهم حكيم بن حزام  والحسن بن علي وابو الجهم بن حذيفة وعبد الله بن عمر وامرأتاه نائلة بنت الفرافصة وام البنين بنت عيينة بن بدر. ورواية تذكر اسم نيار بن مكرم الاسلمي ضمن من دفنوه.

ورورى ابن سعد في الطبقات الكبرى عدة روايات حول دفن عثمان تفيد أن أربعة رجال قاموا بدفن عثمان والصلاة عليه وهم جبير بن مطعم (وهو الذي صلى عليه), وحكيم بن حزام وأبو حذيفة بن الجهم العدوي ونيار بن مكرم الأسلمي, وقد دفنوه ليلا في حش كوكب , بعد أن خرجت معهم زوجتا عثمان : نائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة.
وذكر أيضا رواية ان جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشر رجلا, ولكنه قال ان الروايات السابقة هي الأثبت.
وذكر رواية أن من ضمن الأربعة كان جد مالك بن أبي عامر.
ويلاحظ اختلاف في أسماء الأشخاص الأربعة بين روايات ابن سعد وغيره, كما لم يذكر أم حبيبة, ولم يتطرق إلى بقاء جثته ثلاثة أيام بلا دفن.


وجمع ابن الاثير في اسد الغابة مختلف الروايات فقال " ولما قتل دفن ليلاً, وصلى عليه جبير بن مطعم, وقيل حكيم بن حزام, وقيل المسور بن مخرمة, وقيل لم يصلّ عليه احد, منعوا من ذلك.
ودفن في حش كوكب بالبقيع. وكان عثمان اشتراه وزاده في البقيع
وحضره عبد الله بن الزبير وامرأتاه  ام البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية ونائلة بنت الفرافصة الكلبية. فلما دلوه في القبر صاحت ابنته عائشة فقال لها ابن الزبير : اسكتي وإلاّ قتلتك. فلما دفنوه قال لها: صيحي الآن ما بدا لك أن تصيحي"

وهذه الروايات كما هو ظاهر فيها اضطرابٌ كبير في تحديد تفاصيل دفن الخليفة. وهذا الاضطراب مفهومٌ , بل طبيعيٌ في مثل تلك الظروف المأساوية, حيث الفوضى العارمة تسود في المدينة ( فمثلاً يرد في الروايات اسم نيار بن عياض الاسلمي ضمن قتلة عثمان, بينما يرد اسم نيار بن مكرم الاسلمي ضمن من دفنوه! فهل هناك خلط؟ أم انهما قريبان أحدهما يبغض عثمان والآخر يحبه؟)
ويمكن تلخيص الروايات والجمع بينها على النحو التالي:
·        بقيت جثة الخليفة ليومين او ثلاثة بدون دفن, وبلا احترام. ولا يمكن استبعاد الروايات التي تقول بان بعض الثائرين قد اعتدوا على الجثة أو على الأقل حاولوا ذلك.
·        تدخلت زوجتا الخليفة, نائلة بنت الفرافصة وام البنين بنت عيينة بن حصن, أو أم المؤمنين أم حبيبة بنت ابي سفيان, وضغطن من اجل دفنه, عن طريق استنهاض همم رجال من أشراف قريش واستثارة حميتهم.
·        تصدى مجموعة من أبناء بطون قبيلة قريش لمهمة الصلاة على عثمان ودفنه. وكانت مهمة صعبة وخطرة نظراً الى انعدام الأمن في المدينة وسيطرة العناصر الحاقدة على الخليفة ميدانياً . وهؤلاء الذين تولوا أمر عثمان كانوا حكيم بن حزام (من بني أسد بن العزى ), وجبير بن مطعم ( من بني نوفل بن عبد مناف ) وأبو جهم بن حذيفة ( من بني عدي ) والمسور بن مخرمة ( من بني زهرة ), وربما كان معهم عبد الله بن الزبير بن العوام, وحويطب بن عبد العزى . وانا أستبعد الرواية التي تقول بان مروان بن الحكم قد شارك في الصلاة عليه او دفنه. فقام هؤلاء بحمله ليلاً من أجل تجنب مواجهة جماهير الثائرين, وصلى عليه احدهم. وهنا يلاحظ غياب كبار الصحابة : فلم يشارك علي ولا الزبير ولا طلحة ولا سعد بن ابي وقاص ولا عبد الله بن عمر.
·        لم يتمكن هؤلاء من دفن عثمان في مقبرة المسلمين المعروفة في البقيع. فقد عارضهم وتصدى لهم شخصيات من أهل المدينة, من الانصار, ممن كانوا حاقدين على الخليفة. ويمكن الاشارة الى شخصيات من بني ساعدة بالتحديد مثل جبلة بن عمرو وأبي بجرة , مما قد يدفع الى الاعتقاد أن أقرباء سعد بن عبادة هؤلاء كانوا لا يزالون متأثرين بما جرى لزعيمهم على أيدي قيادات قريش قبل حوالي ربع قرن. وطبعاً كانوا مدعومين من أوساط الثائرين. 
·        اضطر المتولون أمر عثمان الى البحث عن مكان آخر لدفنه, فكان الحل هو حش كوكب الذي هو منطقة غير بعيدة عن البقيع كان اليهود يستعملونها لدفن موتاهم. واحتياطاً قاموا بإخفاء معالم القبر, بعد أن دفنوه بسرعة. وفيما بعد لما سيطر بنو أمية على الخلافة انتبه معاوية الى رمزية المكان (اليهودي) المدفون به عثمان, فأمر بإزالة الفواصل بينه وبين مقبرة البقيع وبدفن المسلمين حوله , الى أن اتصل بها. 



وذكر ابن الاثير في اسد الغابة عن نافع ان عثمان قتل يوم الجمعة 18 أو 17 من ذي الحجة سنة 35. وعن ابي عثمان النهدي : قتل في وسط ايام التشريق. وعن الواقدي : قتل يوم الجمعة 8 ذي الحجة يوم التروية من سنة 35 . وقيل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة.
وقال ايضاً " وكان عمره 82 سنة, وقيل : 86 سنة قاله قتادة, وقيل كان عمره 90 سنة"

وقال اليعقوبي في تاريخه" وقتل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة 35, وهو ابن ثلاث وثمانين سنة, وقيل ست وثمانين سنة"





[1] مصادر البحث: الاستيعاب لابن عبد البر (ص 130+451+503+647), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج6 ص25 و ج3 ص65+71), أسد الغابة لابن الاثير (ج3 ص309 و ج4 ص100), تاريخ الطبري (ج3 ص386-405), انساب الاشراف للبلاذري ( ج6 ص174  ), تاريخ خليفة بن خياط  (ص124), كتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص 256+260), الاصابة لابن حجر (ج1 ص622) ,الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص55-57) , نهج البلاغة بشرح محمد عبده (ج1 ص89 و ج3 ص350) و تاريخ اليعقوبي (ج2 ص175).
[2] وذكر ابن حجر العسقلاني في الاصابة نفس هذه المعلومات حول جهجاه بن سعيد الغفاري, وذكر قيامه بالاعتداء على عثمان وانتزاع عصاه من يده وهو على المنبر وكسرها , ولكن دون أن يقول انها "عصا رسول الله"
[3] وأكد ابن الاثير في اسد الغابة نفس هذه المعلومات وأضاف عنه " صحب النبي(ص) وحفظ عنه أحاديث"
[4] وكذلك ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب
[5] وقد كان من المقربين من الامام علي بن ابي طالب, وسيأتي الحديث عن دوره خلال فترة حكمه. وهناك شهادات قيمة جدا بحقه من الامام علي, ومنها ما قاله لما بلغه خبر مقتله ( كما في نهج البلاغة, بشرح محمد عبده)  فقال :  " .. فان مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد. فعند الله نحتسبه ولدا ناصحاً وعاملا كادحاً وسيفا قاطعاً وركنا دافعاً .. " وقال في مناسة أخرى عنه (نهج البلاغة, بشرح محمد عبده) : " .. ولقد كان إليّ حبيباً وكان لي ربيبا"
[6] يخطئ ابن اسحق حين ينسب عبد الرحمن بن عديس بقوله " التجيبي" لأن هناك اجماعاً بين كل من سواه على أنه " البلوي".
[7] وسياق روايته يشير الى قدوم هؤلاء بعد ان كان الثوار المصريون قد عادوا للمدينة بسبب كتاب عثمان لعامله. فكأن هؤلاء جاؤوا لمؤازرتهم. والرواية تذكر اسم عدي بن حاتم الطائي, وهذا خطأ من ابن حبان لأن عدياً لم يشارك في الهجوم على عثمان ولا في حصاره وقتله.
[8] مصادر البحث : الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص52), نهج البلاغة, شرح محمد عبده(ج2 ص212) , تاريخ خليفة بن خياط  (ص -124-125), تاريخ المدينة لابن شبة (ج3 ص1136-1137), البداية والنهاية لابن كثير ( ج 7 - ص 191 – 192-193) وتاريخ الطبري  (ج3 ص393, 391, 396, 403, 404 و408) وأنساب الاشراف للبلاذري (ج6 ص180)
[9] وما قاله الرجل من المهاجرين والاخر من الانصار, هو انعكاس لما يقوله ويطالب به الثوار, وإن جاء على لسانهما حسب هذه الرواية.  وهنا يبدو صاحب الامامة والسياسة وقد جمع بين روايات من أزمان محتلفة في سياق واحد. فإقامة الحد على الوليد بن عقبة حصلت قبل عدة سنوات من المجادلات التي رافقت الهجوم على عثمان.
[10] ويلاحظ أن هذه الرواية متعاطفة مع عثمان, وتشير الى قدرته على تفنيد كل التهم بنجاح حتى "رجعوا راضين" ! كما تتجاهل ذكر الشروط الستة التي كتبها الثائرون على عثمان.
[11] يمكن مراجعة فصل " التمرد في مصر" و " ممارسات ابن ابي السرح " للوقوف على مجموعة من النصوص التي أوردناها من تاريخ الطبري وابن شبة وابن قتيبة وابن حبان المتعلقة بالتهم الموجهة الى عثمان ومطالب المعترضين على سياسته.
[12] روى الطبري في تاريخه من طريق الواقدي أن الثوار قالوا لعثمان وهو محاصر " إنك ضربتَ رجالاً من أصحاب النبي(ص) وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند من يستنكرون من أعمالك, فأقد من نفسك من ضربته وانت له ظالم. فقال : الامام يخطئ ويصيب فلا أقيد من نفسي...".

[13] سوف يأتي الحديث بالتفصيل عن مواقف الصحابة أثناء الأزمة
[14] تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري. وكذلك وردت هذه الشروط الخمسة في تاريخ خليفة بن خياط ولكن مع إضافة في نهايتها "وأن يرد ابن عامر على البصرة وأبو موسى الاشعري على الكوفة"
وهذا السطر الاخير في رواية خليفة بن خياط لا بد وأنه أضيف اليها قسراً , فلا يمكن قبوله. فعبد الله بن عامر كان لا يزال والياً على البصرة ولم ينزع, فلا معنى للمطالبة بإرجاعه. وأما ابو موسى الاشعري فقد كان أهل الكوفة قد عينوه بالفعل عليهم بعد خلعهم لسعيد بن العاص وأقرّه عثمان. كما ان سياق راوية خليفة يتحدث عن الثوار المصريين بالتحديد وبالتالي فمن المستبعد ان تكون المطالبة بأبي موسى على الكوفة من أولوياتهم .
والمهم في روايتي ابن شبة وخليفة أنهما تتفقان على تحديد خمسة شروط واضحة ومحددة للاتفاق.
[15] تاريخ الطبري , (ج3 ص391 ) من رواية يعقوب بن ابراهيم
[16] المصدر السابق
[17] مصادر البحث : نهج البلاغة بشرح محمد عبده (ج2 ص212), تاريخ الطبري ( ج3 ص395+ ص397+ ص399+ ص403-404 + ص408) , تاريخ المدينة لابن شبة ( ج4 ص1160 + ص1155), الامامة والسياسة ( ج1 ص56) , الثقات لابن حبان ( ج2 ص259) , تاريخ الخلفاء للسيوطي ( ص188-189) , الاصابة لابن حجر ( ج4 ص379) , أنساب الاشراف للبلاذري (ج6 ص180) , تاريخ اليعقوبي ( ج2 ص175) , الطبقات الكبرى لابن سعد ( ج3 ص65) , تاريخ خليفة بن خياط ( ص124) , أسد الغابة لابن الاثير ( ج3 ص382) والبداية والنهاية لابن كثير ( ج7 ص2-7 وص193).
[18] نهج البلاغة, شرح محمد عبده,  (ج2 ص212)
[19] روايات الواقدي لدى الطبري هي الأكثر تفصيلاً فيما يتعلق بتراجعات عثمان ودور مروان في ذلك.
[20] ذكرها ايضاً ابن كثير في البداية والنهاية
[21] وأما رواية أبي مخنف لدى البلاذري (أنساب الاشراف) فتذكر انه بعد خطبة عثمان الرقيقة التي اعتذر فيها واستغفر "... فسُرّ الناس بخطبته واجتمعوا الى بابه مبتهجين بما كان منه. فخرج اليهم مروان فزبرهم وقال : شاهت وجوهكم! ما اجتماعكم؟ أمير المؤمنين مشغول عنكم, فإن احتاج الى احد منكم فسيدعوه فانصرفوا. وبلغ علياً الخبر فاتى عثمانَ وهو مغضب فقال : اما رضيتَ من مروان ولا رضي منك إلاّ بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك؟! واني أراه سيوردك ثم لا يصدرك, وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك"
[22] سوف يأتي الحديث بالتفصيل عن موقف علي من مقتل عثمان
[23] تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري. ونفس هذا النص بالحرف تقريبا جاء في الإمامة والسياسة باسناده الجمعي ( ذكروا ). وكذلك روى ابن حبان في كتاب " الثقات "  . وأيضاً روى السيوطي في تاريخ الخلفاء نفس رواية الزهري هذه عن سعيد بن المسيب بالحرف تقريباً نقلاً عن ابن عساكر. وروى ابن حجر العسقلاني في الإصابة نفس القصة باختصار.
[24] ورغم انه لا يمكن استبعاد احتمالية ان يكون عمرو بن العاص قد خرج ليكلم المصريين , نظراً لخبرته في الشؤون المصرية, إلاّ أنه يبدو ظاهراً حرص اليعقوبي الكبير على إبراز العبارات الحادة والقاسية المتبادلة بين عثمان وعمرو.

[25] والاثاف جمع أثفية , وهي حجر من ثلاثة توضع عليها القدر. يريد أن علياً دبّر كل ذلك.
[26] مصادر هذا البحث : تاريخ خليفة بن خياط  (ص126), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص66)  , تاريخ المدينة  المنورة لابن شبة (ج4 ص1286  ), سنن ابن ماجه (ج1 ص42), سنن الترمذي (ج5 ص292), صحيح ابن حبان (ج15 ص346), أنساب الأشراف للبلاذري ( ج6 ص182 + 194), تاريخ الطبري (ج3 ص407)
[27] تاريخ الطبري (ج3 ص407)
[28] وربما يكون الاصح ان الكلمة الاخيرة هي " خلعوه" وليس "قتلوه"

[29] مصادر هذا البحث : تاريخ اليعقوبي (ج2 ص175), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج57 ص258), كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (ج2 ص 421-422), كتاب الجمل للشيخ المفيد (ص77), كشف الغمة لابن ابي الفتح الاربلي (ج1 ص239), الايضاح للفضل بن شاذان (ص257-263).
[30] مصادر هذا البحث : تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1202-1199), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص175), الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص57), تاريخ الطبري (ج3 ص411), كتاب الجمل للشيخ المفيد (ص76)
[31] مصادر البحث: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ( ج1 ص87), تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1226) , الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص71), تاريخ الطبري (ج3 ص410), وترجمة علي بن أبي طالب في أنساب الأشراف للبلاذري (ص227).
[32] الإمامة والسياسة لابن قتيبة
[33] ترجمة علي بن أبي طالب في أنساب الأشراف للبلاذري (ص227)
[34] مصادر البحث : الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص58), تاريخ الطبري (ج3 ص417+447+410 و ج4 ص4), تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1221+1259+1263+1260+1262+1268+1267), كتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص285+ 263-265), كتاب الجمل للشيخ المفيد (ص 106), مروج الذهب للمسعودي (ج2 ص272), تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص191), وقعة صفين لنصر بن مزاحم( ص103), نهج البلاغة بشرح محمد عبده, (ج1 ص62), كتاب سليم بن قيس الهلالي ( ج2 ص666)
[35] روى ابن قتيبة في الامامة والسياسة (ج1 ص58):
"فبلغ عليا ان عثمان يراد قتله فقال :انا اردنا مروان , فأما قتل عثمان فلا. ثم قال للحسن والحسين : اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان ولا تدعا احدا يصل اليه" وروى في موضع آخرأن عليا لما أرسل ابنه الى عثمان المحاصر"... دخل عليه الحسن بن علي فقال : مُرني بما شئت, فإني طوع يديك...فقال له عثمان : ارجع يا ابن اخي. اجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره"
[36] ذكر الطبري في تاريخه من طريق سيف " جاء علي في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين! لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقى وما تعرض لكم هذا الرجل فبم تستحلون حصره وقتله؟ قالوا : لا والله ولا نعمة عين لا نتركه يأكل ولا يشرب! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني فرجع"
[37] روى الطبري في تاريخه من طريق الواقدي روايتين , تقول أولاهما" جاء المؤذن إلى عثمان فآذنه بالصلاة. فقال: لا أنزل أصلى, اذهب إلى من يصلى. فجاء المؤذن إلى علي, فأمر سهلَ بن حنيف فصلى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر, وهو ليلة رؤى هلال ذي الحجة, فصلى بهم حتى إذا كان يوم العيد صلى عليٌ العيدَ ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه" وتقول الثانية " جاء المؤذن سعد القرظ إلى علي بن أبي طالب في ذلك اليوم فقال: مَن يصلي بالناس ؟ فقال علي: نادِ خالدَ بن زيد, فنادى خالدَ بن زيد فصلى بالناس ,فإنه لأول يوم عرف أن أبا أيوب خالد بن زيد, فكان يصلى بهم أياما ثم صلى عليٌ بعد ذلك بالناس"
[38] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق كثير بن هشام
[39] روى ذلك ابن حبان في كتاب الثقات
[40] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة(ج4 ص1221) من طريق مجالد بن سعيد وفي (ص1259) من طريق عبد الله بن فضالة
[41] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق ابي خلدة الحنفي
[42] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق ابن عباس
[43] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق محمد بن الحنفية
[44] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق اسماعيل بن ابي خالد
[45] روى ذلك  ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق سالم بن ابي الجعد
[46] روى ذلك الطبري في تاريخه (ج4 ص4)
[47] وقد اعترف الشيخ المفيد في كتاب الجمل بذلك, ولكنه قدم دفاعاً وجيهاً وحاراً عن الامام علي حين قال: "وذلك أنه لو لم يقبض ذلك عليٌ (ع) لأسرع إلى قبضه ونهبه وتملكه مَن ليس له ذلك بحق من الرعية واحتاط بقبضه وإحرازه لأربابه . وقد كان هو الإمام باتفاق الجمهور بعد عثمان وللأمام أن يحتاط لأموال المسلمين وتركات من قضى بينهم ليصل إلى مستحقيه دون غيرهم.
 وليس إذا التمس الوليد بن عقبة ما لا يستحق فمنع منه كان ذلك لغلول المانع له بما التمسه ولا لتغلبه عليه ولا قول الوليد أيضا مسموع ولا شهادته مقبولة مع نزول القرآن بتفسيقه...
 وبعدُ فلو كانت الأدراع والنجائب التي قبضها أمير المؤمنين ( ع ) بعد قتل عثمان ملكاً له ، لكان أولاده وأزواجه أحق بها من الوليد وكان ارتباط علي ( ع ) ليوصلها إلى ورثته أولى من تسليمها للوليد وأمثاله من بني أمية الذين ليس لهم من تركة عثمان نصيب على حال, فكيف وقد ذكر الناس في هذه الأدراع والنجائب إنها من الفيئ الذي يستحقه المسلمون فغلب عليها عثمان واصطفاها لنفسه, فلما بايع الناس عليا انتزعها ( ع ) من موضعها ليجعلها في مستحقيها فما في ذلك من تهمة بقتل عثمان لولا العمى والخذلان"

[48] وفي ذلك شعرٌ مشهور للوليد بن عقبة بن ابي معيط يخاطب بني هاشم ويتهمهم عند قتل عثمان :
"بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم      *      ولا تنهبوه لا تحل مناهبُه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا        *        وعند عليّ درعُه ونجائبُه
بني هاشم كيف التودد بيننا       *       وتبر ابن أروى فيكم وجوائبه
بني هاشم إنا وما كان منكم  *  كصدع الصفا ما يومضُ الدهر شاعبه
غدرتم به كيما تكونوا مكانه      *      كما غدرت يوما بكسرى مرازبُه
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه         *         سواء علينا مسلموه وسالبُه"
وقد ورد هذا الشعر, باختلافات يسيرة, في عدة مصادر منها مروج الذهب للمسعودي.
[49] سوف يأتي الحديث عن دفن عثمان بالتفصيل.
[50] فمثلاً روى السيوطي في تاريخ الخلفاء أنه بعد بيعته
 " جاء علي الى امراة عثمان فقال لها : من قتل عثمان؟
 قالت : لا أدري! دخل رجلان لا أعرفهما , ومعهما محمد بن أبي بكر . وأخبرت علياً والناسَ بما صنع محمد .
فدعا عليٌ محمداً , فسأله عما ذكرت امرأة عثمان؟
 فقال محمد : لم تكذب. قد والله دخلتُ عليه وأنا أريد قتله , فذكرني أبي, فقمتُ عنه وانا تائبٌ الى الله تعالى. والله ما قتلته ولا أمسكته.
فقالت امرأته : صدق! ولكنه أدخلهما
فحسب هذه الرواية اكتفى عليٌ بجواب محمد , ولم يقم بسؤاله عن شركائه في الاقتحام , ولم يقم بأي بتحقيق جدي حول الأمر.

[51] وقد سبق وذكرنا الكتاب الذي أرسله عليٌ الى اهل مصر عندما ولى عليهم الأشتر وكيف وصفه فيه بأروع الأوصاف التي لا يمكن أن تصدر إلاّ عن رأي بالغ الإيجابية بحقه. والاشتر كما هو معروف من أبرز قادة الثائرين على عثمان.

[52] فمثلاً روى نصر بن مزاحم في وقعة صفين نصاً يعبّر فيه عمرو بن الحمق الخزاعي, وهو من المتهمين بقتل عثمان , عن أسباب ولائه لعليّ بأسلوب عاطفيّ أخّاذ . فقال له أثناء الاستعداد للسير إلى صفين" إني والله يا أمير المؤمنين ما أجَبتكَ ولا بايعتكَ على قرابةٍ بيني وبينك, ولا إرادة مال تؤتينيه, ولا التماس سلطان يُرفع ذكري به. ولكن أجبتك لخصال خمسٍ : أنك ابن عم رسول الله(ص) وأول مَن آمن به, وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد(ص), وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله(ص), وأعظم رجل من المهاجرين سهماً في الجهاد. فلو أني كلفتُ نقلَ الجبال الرواسي, ونزحَ البحور الطوامي, حتى يأتي على يومي في أمرٍ أقوى به وليّكَ, وأوهن به عدوّك, ما رأيتُ أني قد أديتُ فيه كل الذي يحق عليّ من حقك"
[53] هناك بعض الإشارات إلى أن علياً كانت لديه النية في إجراء نوع من المحاكمة للأشخاص الضالعين مباشرة بقتل عثمان, ولكن حسب الأصول الشرعية تماماً, وأولها أن يتقدم ذوو عثمان بطلبٍ له , بوصفه الخليفة المسؤول, بالقصاص من هؤلاء الذين قتلوا عثمان بدون قاضٍ ولا محكمة. وهذا ما لم يحصل. والمحكمة بنظر عليّ يجب أن تقوم على الأدلة والقرائن والشهود, وأن يتم تحديد كل متهم بذاته .

[54] وقد تطرقنا في فصل " علاقة علي بعثمان" الى خلفيات وتفاصيل مآخذ علي على الخليفة التي تراكمت على مدى سنوات حكمه. 
[55] روى الطبري في تاريخه من طريق الواقدي أن الامام عليا أجاب سعد بن ابي وقاص حين طالبه بنصرة عثمان :
"يا أبا إسحاق والله ما زلت أذبّ عنه حتى إني لاستحى! ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى فإذا نصحته وأمرته أن ينحيهم استغشني حتى جاء ما ترى"
[56] روى ابن حبان في كتاب الثقات أن الامام عليا لما سمع بخبر مقتل عثمان توجه الى بيته فوجده مقتولاً
"... ثم خرج وهو غضبان يسترجع.
 فلقيه طلحة بن عبيد الله فقال ما لك يا أبا الحسين؟
 فقال على: يقتل أمير المؤمنين رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من غير أن تقوم عليه بينة ولا حجة ؟!
فقال له طلحة لو دفعه مروان إليهم لم يقتلوه.
 فقال على لو خرج مروان إليكم لقتلتموه قبل أن يثبت عليه حكومة..."

[57] روى ابن حبان في كتاب الثقات انه لما تسوّر المتمردون الدار وقتلوا عثمان ثم خرجوا, خرجت زوجته وأخبرت الناسَ فكان " أول من دخل عليه الحسن والحسين فزعين وهما لا يعلمان بالكائنة, وكانا مشغولين على الباب ينصرانه ويمنعان الناس عنه . فلما دخلوا وجدوا عثمانَ مذبوحا ..."  وأضاف انه لما بلغ الخبرُ علياً غضب ولامَ ابنيه قائلاً لهما " كيف قتل أمير المؤمنين وانتما على الباب ؟ قالا : لم نعلم....."

[58] نهج البلاغة, بشرح محمد عبده
[59] وقد شرح الشيخ محمد عبده هذه الجملة كما يلي " أي أن الذين نصروه ليسوا بأفضل من الذين خذلوه, لهذا لا يستطيع ناصرُه أن يقول إني خيرٌ من الذي خذله ولا يستطيع خاذله أن يقول إن الناصر خيرٌ مني. يريد أن القلوب متفقة على أن ناصريه لم يكونوا في شيئ من الخير الذي يفضلون به على خاذليه"
[60] مصادر البحث: تاريخ الطبري (ج3 ص 400-414 + ص438-440+ ص452 + ص307), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج45 ص477 + ج50 ص180), تاريخ ابن خلدون  (ج2  ص 143 ), الاستيعاب لابن عبدالبر (ص123+ ص169+ص230 + ص550), اسد الغابة لابن الاثير (ج1 ص382 و ج2 ص178), التاريخ الصغير للبخاري (ج1 ص101 ), سير اعلام النبلاء للذهبي (ج2 ص435), مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي (ج2 ص262+ ص272), تاريخ خليفة بن خياط ( ص128-129), البداية والنهاية لابن كثير ( ج7 ص197), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص68 +ص70), أنساب الأشراف للبلاذري (ج6 ص174-175), كتاب العلل لاحمد بن حنبل (ج2 ص5), وتاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري ( ج3 ص1005).
[61] وقد مر بنا كيف أن عبد الرحمن بن عديس البلوي (تاريخ الطبري ج3 ص307), وهو أحد المتهمين الرئيسيين بقتل عثمان, قال في معرض شرحه لأسباب الثورة على عثمان "..... ثم ذكروا أشياء مما أحدث في المدينة وما خالف به صاحبيه" مما يدل على اشتهار انحرافات عثمان ومخالفاته حتى لسياسات ابي بكر وعمر.
[62] وبشأن خلفية هذه الشخصية الانصارية , يمكن الرجوع الى ما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ان عمرو بن حزم الانصاري, وهو من بني مالك بن جشم بن الخزرج, كان من صغار الصحابة وانه شهد مع النبي(ص) الخندق وأضاف " استعمل رسول الله(ص) عمرو بن حزم على نجران وبني الحارث وهو يومئذ ابن 17 سنة. فخرج مع وفدهم يفقههم يعلمهم السنة ومعالم الاسلام ويأخذ منهم صدقاتهم . وكتب لهم كتاباً عهد اليه فيه وأمره بأمره كتاباً مشهوراً عند اهل العلم"
ولم يشر ابن عساكر في ترجمته الى موضوع حصار عثمان ومقتله.

[63] قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب " كان جبلة بن عمرو فاضلاً من فقهاء الصحابة. وشهد جبلة بن عمرو صفين مع علي رضي الله عنه. وسكن مصر"

[64] وورد ذلك أيضا بنصّه في البداية والنهاية لابن كثير .
[65] قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب" شهد بدراً وأحداً وسائر المشاهد مع رسول الله(ص) . وشهد معه بدراً أخواه خلاد ومالك ابنا رافع , شهدوا ثلاثتهم بدراً , واختلف في شهود ابيهم رافع بن مالك بدراً. وشهد رفاعة بن رافع مع علي الجمل وصفين"
ورفاعة بن رافع بن مالك كان أبوه من النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة. وجاء في ترجمته في أسد الغابة لابن الأثير أنه شهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلها مع الرسول(ص).
[66] ذكر ابن الاثير في اسد الغابة ان اسمه الحجاج بن عمرو بن غزية الانصاري الخزرجي , من بني مازن بن النجار.
وأضاف " قال البخاري : له صحبة. روى عنه عكرمة مولى ابن عباس وكثير بن العباس وغيرهما... وشهد مع علي صفين . وهو الذي كان يقول عند القتال : يا معشر الانصار : أتريدون أن نقول لربنا اذا لقيناه إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا"
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب مثل هذه المعلومات , دون الجزء الأخير الذي يتحدث فيه عن كلامه للأنصار. وقال ابن عبد البر انه روى حديثين عن النبي(ص).
[67] ولكني  لم أجد ذكره في احداث مقتل عثمان لدى الطبري ولا في الكامل لابن الاثير .
[68] كان زيد بن ثابت على علاقة ممتازة مع عثمان إلى درجة أن عثمان قد عهد له بمهمة في غاية الخطورة,  وهي نسخ المصحف. وقد سبق وناقشنا كيف كان اختيار عثمان لزيد, على صغر سنّه ومنزلته في الإسلام, قد أثار غضب القاريء الشهير عبد الله بن مسعود الذي قال " يا معشر المسلمين! أأعزَلُ عن نسخ كتاب المصاحف فيولاّها رجلٌ والله لقد أسلمتُ وإنه  لفي صُلب رجل كافر" كما ورد في تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري .
[69] وكعب بن مالك هذا كان من الثلاثة الذين تخلفوا عن الرسول(ص) يوم تبوك , فنزلت فيهم الآية القرآنية. ذكر ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق.
[70] كتاب العلل لاحمد بن حنبل وتاريخ الطبري. كما تحدث المسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر عن ثرائه فقال" وقد ذكر سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس, غير ما خلف من الاموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار"

[71] وقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن زيد بن ثابت قال لعثمان وهو محصور "هؤلاء الأنصار بالباب يقولون : إن شئتَ كنا أنصار الله مرتين" وكذلك ذكر ابن سعد في طبقاته ( ج3 ص70) في رواية لابن سيرين.

[72] مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي
[73] وقد استنكر العلامة ابن عبد البر هذا الاتهام للامام علي. ولذلك عندما تطرق الى قصيدة حسان المشهورة قال وهو يومئ الى هذا البيت " وزاد فيه أهل الشام أبياتاً لم أرَ لذكرها وجها" – الاستيعاب (ص550).
[74] مصادر هذا البحث : أنساب الاشراف للبلاذري (ج6 ص191+ص195), الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص58 وص54), الطبقات الكبرى لابن سعد ( ج3 ص70) , تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1194-1206-1208-1211), الاستيعاب لابن عبد البر (ص 549), تاريخ خليفة بن خياط ( ص128-129), وكتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص263-265).
[75] أنساب الاشراف للبلاذري
[76] الامامة والسياسة لابن قتيبة
[77]  الطبقات الكبرى لابن سعد, وقريب منه لدى ابن شبة في تاريخ المدينة.
[78] الامامة والسياسة لابن قتيبة
[79] رواها عنه كل من ابن سعد في الطبقات الكبرى  والبلاذري في انساب الأشراف.
[80] وهل تتسع دار عثمان أصلاً لهذا العدد؟ واما ابن قتيبة في الامامة والسياسة فقد روى " وكان معه في الدار مئة رجل ينصرونه" . ولكن حتى رقم ال 100 هذا لا يمكن تصديقه.
[81] روى مثلها أيضاً ابن شبة في تاريخ المدينة .
[82] كلام أبي هريرة هذا وقوله "الآن طاب أم ضراب" وسيفه الذي ألقاه فلم يجده بعدها رواه بصيغ متباينة خليفة بن خياط في تاريخه و ابن سعد  في طبقاته و ابن قتيبة في الامامة والسياسة  و ابن شبة في تاريخ المدينة.
[83] وتظهر في الرواية محاولة عروة بن الزبير تعظيم شأن أخيه عبد الله أثناء حصار عثمان. وجزء من كلام ابن الزبير هذا نجده لدى خليفة بن خياط في تاريخه.
[84] ذكر خليفة بن خياط في تاريخه عن نافع "ان ابن عمر كان يومئذ متقلداً سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يقتل" وذكر ايضا عن نافع ان ابن عمر " لبس الدرعَ يوم الدار مرتين"
[85] الامامة والسياسة لابن قتيبة.
[86] الامامة والسياسة وايضا ابن شبة في تاريخ المدينة .
[87] تاريخ المدينة .
[88] وروى مثل ذلك ابن قتيبة في الامامة والسياسة وهنا يوجد تناقض لدى ابن قتيبة فهو نفسه روى في موضع آخر من كتابه ان طلحة كان يحرض الثوار على عثمان, فكيف يرسل ابنه للدفاع عنه معرضا حياته للخطر؟!
[89] تبالغ بعض المصادر في إظهار مدى الدعم الذي تلقاه عثمان من الحسن بن علي بالذات. ومن ذلك رواية ابن شبة في تاريخ المدينة  التي يبدو فيها الحسن محرضاً عثمانَ على القتال: قال له الحسن بن علي " يا امير المؤمنين علام تمنع الناس من قتالهم؟ فقال : أقسمتُ عليك يا ابن اخي لما كففتَ يديك ولحقتَ باهلك. فلا حاجة لي في هراقة الدماء"
[90] وأما ابن شبة في تاريخ المدينة فيذكر أسماء رجال بني أمية من ضمن "فتيان قريش" الذين دخلوا معه داره وهو محصور:" الحسن بن علي, وعبد الله بن الزبير, وعبد الله بن زمعة, وولي سعيد بن ابي البختري, ومروان والحارث وعبد الرحمن بنو الحكم , وعبد الله بن دأد بن أسيد, وعتبة بن ابي سفيان". ولنا حديث سيأتي بشأن مروان وبقية بني أمية أثناء تلك الأحداث.

[91] وايضا روى ابن سعد  في طبقاته : قال عبد الله بن عامر بن ربيعة (قال عثمان يوم الدار: إن أعظمكم عني غناءً رجلٌ كفّ يدَهُ وسلاحَه)
[92] مصادر هذا البحث : الامامة والسياسة لابن قتيبة ( ج1 ص58), تاريخ الطبري (ج3 ص 421و ص264),  تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 194), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص81), كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (ج2 ص420), تاريخ المدينة لابن شبة النميري (ج4 ص1175-1185), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج44 ص335), فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ج13 ص42).
[93] مصادر هذا البحث : تاريخ اليعقوبي (ج2 ص175), تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1289), تاريخ الطبري (ج3 ص402), الإمامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص54  و ص57), الاستيعاب لابن عبد البر ( ص 160) و أسد الغابة لابن الاثير ( ج1 ص357 ).
[94] وايضا ذكر ابن الأثير في أسد الغابة نفس هذا الخبر مع تحديد عدد القوات التي أرسلها معاوية مع حبيب بن مسلمة الفهري, وهو أربعة آلاف.

[95] مصادر هذا البحث : كتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص264), الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص73-74), تاريخ خليفة بن خياط  (ص130), تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1232+ ص1288+ ص1308), تاريخ الطبري (ج3 ص411-425), الإمامة والسياسة لابن قتيبة ( ج1 ص63),  الاستيعاب لابن عبد البر (ص 548), سنن الترمذي (ج5 ص288), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص176), تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص190-191), أسد الغابة لابن الأثير (ج2 ص178).
[96] ولا مانع من قبول مثل هذه الروايات , مع التحفظ على بعض مضامينها, وبخاصة إجابة المهاجمين بنعم على كل ما يقوله الخليفة عن نفسه.

[97]سبق الحديث عنه من ضمن الشخصيات الانصارية التي انضمت الى صفوف الثوار.

[98] مصادر البحث: تاريخ الطبري (ج 3 - ص 412 – 414), تاريخ دمشق لابن عساكر (ج57 ص241+ ص259), أنساب الاشراف للبلاذري (ج6 ص 199 ) و كتاب الثقات لابن حبان (ج2 ص265).
[99] وهذه الرواية توضح مدى العزلة التي عانى منها عثمان أثناء محنته , كما توضح مدى الخذلان الذي تعرض له. فحين لا يقتل مع الخليفة سوى أربعة أنفس فذلك يعني الكثير.
[100] الكندوج هو مخزن تجمع فيه الغلال
[101] مصادر هذا البحث: الطبقات الكبرى لابن سعد (ج3 ص78), الامامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص65  ), تاريخ الطبري (ج3 ص438- 440), تاريخ اليعقوبي (ج2 ص176), الاستيعاب لابن عبد البر ( ص 459), تاريخ المدينة لابن شبة (ج4 ص1240), اسد الغابة لابن الاثير ( ج3 ص382+ ص383).
[102] لا شك أن معاوية كان يشعر بمدى المهانة التي تعرض لها شيخه وأسّ بني أمية عثمان والمتمثلة بكونه مدفوناً بين اليهود فسعى الى تصحيح الوضع عن طريق دمج المكانين فلا يبقى عثمان بعيداً عن قبور المسلمين.